غناء بالذكاء الاصطناعي: جوقة رهبان بوذيين يقودها روبوت

غناء بالذكاء الاصطناعي: جوقة رهبان بوذيين يقودها روبوت


05/03/2022

جوقة من الرهبان اليابانيين بأثوابهم التقليدية ذات اللوان الزاهية، قدموا عدداً من الأناشيد البوذية. هذا حدث قد يكون مألوفاً في أي مكان يعشق هذه الموسيقى الضاربة في عمق التاريخ. لكنّ الذي أبهر جمهور إكسبو 2020 دبي، الأربعاء الماضي، هو الروبوت الشهير "ألتر 3"، والذي قدم عرضاً موسيقياً فريداً لمعزوفة "المرآة" لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط.

وجمعت الاحتفالية الموسيقية بين أداء الروبوت الممتزج بالترانيم، وبين الموسيقى الإلكترونية التي تقودها الأوركسترا، حيث أدى الروبوت نصوصاً تم إنشاؤها عن طريق الذكاء الاصطناعي بطريقة الغناء المرتجل على أنغام الموسيقى البوذية التقليدية المتوارثة عبر الأجيال في كويا سان باليابان.

اقرأ أيضاً: "لا غناء ولا موسيقى".. ميليشيات الحوثي تحاصر فناني اليمن

قاد الاحتفالية إيزن فوجيوارا، عازف الموسيقى البوذية اليابانية القديمة المعروفة باسم "شوميو"، التي يعود تاريخها لأكثر من 1200 عام. وشاركت في العرض أيضاً أوركسترا "أن أس أو" السيمفونية من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي فرقة مكونة من 45 عضواً.

وقدم الموسيقي والملحن الياباني شيبويا كيتشيرو هذا العرض الأوبرالي الذي يعد تتويجاً لعمله الذي يجمع بين مختلف الناس والثقافات والتكنولوجيا والموسيقى البوذية التقليدية. ولاستكمال هذا العرض الصوتي الرائع، ركّزت الإسقاطات الضوئية للفنانة الفرنسية جاستين إمارد، المتخصصة في الفنون البصرية، على تعابير وجه الروبوت "ألتر 3"، بالإضافة إلى الإسقاطات الضوئية الأخرى المؤثرة المنتشرة في جميع أنحاء المكان.

عرض أوبرالي يجمع بين مختلف الناس والثقافات والتكنولوجيا والموسيقى البوذية التقليدية

ووصفت وسائل إعلام شاهدت العرض بأنه يمثل "الأعجوبة اليابانية"، لاسيما عندما راح الروبوت يؤدي كلمات من أغنية "مرآة": "الموسيقى مرآة.. إنه انعكاس لأنفسكم.. ما هو الحد بين الوجود والعدم؟ ما هو الحد بين الماضي والمستقبل؟ وأين هم موجودون؟ دعونا نحتفل بهذه التجربة الجديدة معاً".

الموسيقى التقليدية اليابانية

هناك العديد من أنماط الموسيقى التقليدية في اليابان، أقدمها ما يعرف باسم "شوميو" أو الإنشاد البوذي، غاغاكو (الفرق الموسيقية) وكلاهما يعود إلى فترة نارا وفترة هييآن. وكانت موسيقى غاغاكو تعزف في القاعة الإمبراطورية في فترة هييآن.

وتغطي فترة نارا، من تاريخ اليابان السنوات من 710 إلى 794؛ حيث أنشئت الإمبراطورة Genmei  عاصمة (نارا الحالية). باستثناء فترة خمس سنوات (740-745) ، عندما تم نقل العاصمة لفترة وجيزة مرة أخرى، وبقيت عاصمة للحضارة اليابانية حتى أسس الإمبراطور كانمو عاصمة جديدة ، ناغاوكا-كيي، في عام 784، قبل أن ينتقل إلى هييان كايو، أو كيوتو، بعد عقد من الزمن في عام 794

صاحب العرض الأوبرالي الملحن والموسيقار الياباني شيبويا كايشيرو: دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مستقبلية حقاً، حيث تتواجد ثقافة إسلامية، وتقاليد منفتحة مع صناعة التكنولوجيا عالية.

وكان معظم المجتمع الياباني خلال هذه الفترة، كما تذكر المصادر التاريخية، زراعياً بطبيعته ويتركز على القرى. يتبع معظم القرويين ديناً قائماً على عبادة الأرواح الطبيعية والأجداد التي تسمى كامي .

تم تصميم العاصمة في نارا على غرار تشانغآن، عاصمة تانغ الصين. من نواح كثيرة أخرى، طغت الطبقات العليا اليابانية على نفسها بعد الصينيين، بما في ذلك تبني النظام المكتوب الصيني، والأزياء، ودين البوذية.

اقرأ أيضاً: الموسيقى السودانية تفقد أحد عمالقتها.. وفاة الموسيقار بشير عباس

وكانت الموسيقى والأناشيد البوذية تُقدم على المسارح الموسيقية التي ظهرت في العصور اليابانية القديمة. ويعد نو أحد أشهر المسارح الموسيقية اليابانية، وقد تطور بشكل كبير في القرن الرابع عشر ليصبح من أرقى أنواع المسارح.

كانت الموسيقى والأناشيد البوذية تُقدم على المسارح

وهناك نوع آخر من المسارح اليابانية يدعى بونراكو، وهو نوع من مسرح الدمى، حيث تعود أصوله إلى فترة إيدو، وقد كان يصاحب بالعزف على آلة الشاميسين.

وكان مسرح كابوكي الذي ازدهر أيضاً في فترة إيدو يصاحب بنوع غناء ناغا أوتا، بالإضافة للعزف على آلة الشاميسين.

الموسيقى التقليدية والشعبية

هناك شكلان من الموسيقى تم التعرف عليهما كأقدم أشكال الموسيقى اليابانية؛ هما الترديد البوذي، وموسيقى المحكمة الأوركسترالية. والترديد هو ترانيم لها شكل من أشكال الآية الموسيقية أو التعويذة، يشبه إلى حد ما التلاوات الدينية الهندوسية أو المسيحية أو المسلمة أو اليهودية.

على الرغم من أنّ الموسيقى تُمارس في حفل موسيقي أو إعداد أداء، فقد استمع لها الساموراي وراحوا يؤدونها لإثراء حياتهم وفهمهم.

وهناك موسيقى كانت تُؤدى بواسطة مجموعة متجولة من فناني الأداء. كما تشكلت مجموعات صغيرة كبيرة من الموسيقيين المكفوفين المتجولين، خاصة في منطقة كيوشو. وقام هؤلاء الموسيقيون، المعروفون باسم (راهب أعمى) بجولة في مناطقهم المحلية وقاموا بأداء مجموعة متنوعة من النصوص الدينية لتطهير الأسرّة، والنجاح في تحقيق الصحة وتمني التوفيق.

اقرأ أيضاً: كيف يغير تيك توك شكل الموسيقى في العالم؟

ومن وحي هذا التاريخ جاء العرض الأوبرالي على مسرح إكسبو، إذ حرصت الفنانة إيمارد، في إطار تعاونها مع شيبويا كايشيرو، على الإسقاطات المرئية التي تركز على تعابير الوجه لنظام أندرويد، علاوة على المرئيات الممزوجة بالصور ثلاثية الأبعاد للمعابد والأضرحة في كويا سان، ويعتبر الجمع بين الإضاءة الرائعة المنعكسة على الروبوت الياباني والتأثيرات الصوتية الاستثنائية على المسرح بمثابة نموذج تجريبي متناغم لم يشهده عالم الفن سابقاً، كما ذكرت وسائل إعلام إماراتية.

وأكد الملحن الياباني شيبويا كايشيرو أنّ بحثه عن شكل جديد من الموسيقى دفعه إلى خلق تطور في العروض الحية من خلال دمج الحقائق المرئية بتكنولوجيا الموسيقى، والاعتماد على الحركة التي يتابعها بشدة، مما يغير مفهوم الجمهور للمتعة وتقديرهم للترفيه.

وقال في تصريح لوكالة أنباء الإمارات (وام): "يجب ألا تتقيد الموسيقى بالقواعد، وأداء الروبوت الأندرويد سيمهد الطريق أمام الساحة الموسيقية جنباً إلى جنب مع مطوري الذكاء الاصطناعي".

الروبوت ألتر 3 يؤدي كلمات من أغنية "مرآة": الموسيقى مرآة.. إنه انعكاس لأنفسكم

وأثنى شيبويا، على "إكسبو 2020"، باعتباره "منصّة ملهمة ليست فقط للحياة المستدامة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، بل إيذاناً بإقامة معارض للتقدم الرقمي عبر الصناعات في جميع أنحاء العالم"، لافتاً إلى أنّ "اليابان ليست غريبة على التكنولوجيا، فالأمة تواصل اختراق هذا القطاع ودفع الحدود باستمرار، كما نتوقع أن نشهد مدى استعداد الذكاء الاصطناعي لقيادة أوركسترا على المسرح العالمي".

وأكد الملحن الياباني أنّ "دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مستقبلية حقاً، حيث تتواجد ثقافة إسلامية، وتقاليد منفتحة مع صناعة التكنولوجيا عالية".

موسيقى الروبوت

ويعود تاريخ إنتاج الموسيقى بواسطة الكمبيوتر إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت بواكير الحواسب تستخدم خوارزميات لتأليف الألحان، تستطيع الروبوتات الحديثة الاستفادة من تقنية تعلُّم الآلة في ارتجال العزف على آلات موسيقية، منها الناي والطبول، وكان أحد هذه الروبوتات نسخةً سابقة من شيمون، وكان يستطيع الغناء والعزف على آلة الماريمبا.

وتبدو نسخة الروبوت المحدّثة مؤخراً مثل سابقتها، فهي لا تزال ذات رأس كروي الشكل، وحاجبين جريئين قادرين على الحركة فوق عينين مزوّدتين بغطاء، ويرتكز الرأس على طرف ذراع ميكانيكية. ويرى خبراء أنّ "شيمون" هو أول روبوت مرتجِل يغزو مجال منافسات فن الراب، وذلك لما يتمتع به من خواص تميّز أسلوبه، وتفرض تحدياتٍ فريدةً من نوعها في عالم البرمجة.

وفي شباط (فبراير) العام الماضي، أفاد تقرير بثته وكالة "رويترز" بتصميم طلاب من كلية الهندسة الكهربائية في جامعة سراييفو "روبي ميجابايت" الذي قال التقرير إنه أحدث عضو ينضم إلى فرقة لموسيقى الروك في البوسنة. "روبي" ليس بشراً، بل إنساناً آلياً، لكنه يغني ويعزف الآلات الموسيقية.

وقال فيدران موجاجيتش، عازف الباس جيتار في الفرقة والذي كان أكثر المشاركين في تصميم فكرة روبي "روبوتنا... يحب أن يأكل ويشرب ويصيح، إنه يحب الموسيقى".

في مقطع فيديو غنائي للألبوم، يقول أحد أعضاء الفرقة إنه سيكون من الممتع أن يكون هناك إنسان آلي يقوم بعمله، بينما يستمتع هو وينال قسطاً من الاسترخاء. لذلك، يطلب إنساناً آلياً ويقوم بتجميعه.

وتدريجياً، يجري استبدال كل فرد من الفرقة بإنسان آلي في الفيديو، ما يسمح للرجال بالخروج والاحتفال، لكنهم عندما يعودون يجدون أنهم حبسوا خارج الأستوديو ليراقبوا أفراد الفرقة (الربوتات) من خارج الأستوديو.

الترديد في الموسيقى اليابانية ترانيم لها شكل من أشكال الآية الموسيقية أو التعويذة، يشبه إلى حد ما التلاوات الدينية الهندوسية أو المسيحية أو المسلمة أو اليهودية

وفي أغنية بعنوان (تيك ماي جوب أواي)، يغني روبي "كل التفاصيل الصغيرة يتحكم فيها الإنسان الآلي".

ويقول موجاجيتش إنّ الرسالة، التي يدور فحواها عن "استحواذ الذكاء الاصطناعي الشرير على وظائف البشر الطيبين"، هي مجرد رسالة ساخرة.

وقال ألمير بيسيتش، أحد الطلبة الذين ساعدوا في تطوير وبناء الإنسان الآلي الذي استخدم في الألبوم، إنّ المشروع كان يمثل تحدياً لأنهم لم يكونوا في البداية يعرفون أي شيء عن الطباعة ثلاثية الأبعاد التي كانوا بحاجة إليها لبناء الإنسان الآلي، وكانوا يفتقرون للمعدات الضرورية للقيام بالمهمة. واضطروا للجوء إلى بعض القطع التي أعيد تدويرها لبناء المنصة التي يتحرك عليها "روبي"، واستغرق الأمر نحو عامين لاستكمال المشروع.

وقال بيسيتش إنه عندما جاء "روبي"، أخيراً إلى الحياة، "كانت لحظة بهيجة بعد الكثير من الجهد والساعات التي انقضت في العمل بالكلية لرؤية نتيجة العمل".

"روبي" و"ألتر 3" و"شيمون" يصنعون لحظة جديدة في الموسيقى، ويفتحون أفقاً جديداً في المسيرة الطويلة للذكاء الاصطناعي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية