يُحمّل سكان قطاع غزة حركة حماس المسؤولية عن الدمار والإبادة التي يتعرضون لها منذ عام ونصف العام من الحرب المستمرة على القطاع، وذلك في أعقاب هجوم جناح الحركة العسكري كتائب القسام على المدن الإسرائيلية القريبة من غلاف غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
ومنذ تاريخ الهجوم الحمساوي إلى هذا الوقت، يشن الجيش الإسرائيلي حرب إبادة مدمرة على قطاع غزة، ويمارس التطهير العرقي والتهجير القسري للسكان، وضرب المنظومة الصحية بشكل شبه كامل، وقتل واعتقال عدد كبير من الأطباء، في خطوة من قبل الجيش لجعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للعيش، وهذا ما يحصل في ظل الدمار الكبير الذي يمارس انتقاماً من أفعال حركة حماس.
ومنذ أكثر من (8) أشهر تفشل جهود التفاوض بين حماس وإسرائيل برعاية مصر وقطر في تحقيق تقدم نحو التوصل إلى هدنة وصفقة تبادل للأسرى تنهي بموجبها الحرب، وذلك بعد إصرار حماس على عدة مطالب تصفها إسرائيل بالتعجيزية ولا يمكن القبول بها، وهذا ما دفع بإسرائيل إلى زيادة الضغط العسكري على السكان من أجل دفع حماس للتنازل.
وبات حديث السكان في شوارع غزة حتى على مواقع التواصل الاجتماعي يعج بعبارات تحريضية ضد حركة حماس، التي لم يعد باهتمامها معاناة السكان الذين يقتلون ويشردون، والتي تدعوهم إلى الصبر، مقابل إصرار الحركة على بقائها في الحكم بالتزامن مع إصرار المستوى السياسي في إسرائيل بالقضاء على قدرات حماس العسكرية والمدنية كهدف لإنهاء الحرب.
ومع عودة جهود التفاوض من جديد، وتهديدات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بحرق المنطقة، وبجعل حماس تدفع ثمناً باهظاً إذا لم تفرج عن الرهائن المحتجزين في غزة، أبدت حماس تنازلات عديدة، لكنّها ما تزال تتمسك بشروط خاصة بمصالحها، رغم مناشدات الشعب المنهك الذي يطالب الحركة بضرورة النظر إلى المعاناة التي يعيشها الشعب من قتل وجوع وتشريد، وسط تجاهل قيادة الحركة مناشدات الشعب، التي لم تبدِ تنازلات كاملة تحفظ ما تبقى من غزة وشعبها.
في أحاديث منفصلة لمراسل (حفريات) عبّر مواطنون يعيشون في مخيمات النزوح جنوب غزة عن بالغ استيائهم من تسبب حماس بتشريدهم وقتلهم وإيصالهم إلى هذه المعاناة، التي لم يكن لها سبب أو نتائج إيجابية على القضية، رغم كل الدمار والتضحيات التي تكبدها الشعب الفلسطيني بأكمله، بل تسببت بخراب وقتل مفجع، وقد بات من المستحيل إعمار غزة خلال بضع سنوات نتيجة مسح مدن كاملة فيها.
يقول أبو حمدي، وهو مسنٌّ تجاوز الـ (70) عاماً، ونزح من شمال غزة إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، ويعيش داخل مخيم للنازحين وسط الجوع وتفشي الأمراض والبرد الشديد، يقول: سيسجل التاريخ أنّ حماس تسببت للشعب الفلسطيني بنكبة ثانية هي الأعنف والأخطر في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأوضح أنّ "حماس وصلت إلى نقطة عدم المبالاة بعد الدمار الكبير الذي حل بالقطاع، فلم يعد يهمها شيء تخاف عليه، وتحاول بورقة الأسرى كسب إنجازات تصب في مصلحتها، ولم يعد باهتمامها حجم الكارثة العظمى التي حلت بالنازحين والدمار المخيف الذي يمارس في شمال غزة، والقصف المستمر على خيام النازحين وحرقها".
ويؤكد المسن أنّ "الشعب لا يرغب بأيّ بقاء لوجود حماس في غزة بعد الحرب، وعليها أن تعرف ذلك جيداً بأنّ جميع السكان غاضبون من بقائها، فعلى مدار أعوام سيطرتها في غزة والهموم والجوع والحصار يرافق السكان، في ظل مقاطعة العالم لها واستغلال إسرائيل ذلك بفرض حصار مطبق وجماعي على السكان لإجبار حماس على الركوع".
أمّا المواطن أبو لطفي، "فهو الآخر لا يأمل أن يرى أثراً لحماس بعد الحرب، بسبب الكارثة التي تسببت بها له ولجميع السكان في قطاع غزة، في أعقاب دخول عناصرها إلى إسرائيل دون الأخذ بعين الاعتبار تبعات هذا الفعل، الذي لا يخفى على أيّ مواطن أنّ تبعاته ستكون كارثية ، لكنّ حماس ضحت بالشعب من أجل مصالحها، والنتيجة أنّها فشلت فيما كانت تطمح إليه، وهي تماطل في التفاوض لكسب إنجازات تبقيها بعد الحرب".
ولفت إلى أنّه "خسر عدداً من أفراد أسرته خلال قصف طال منزله في مدينة غزة في أول أيام الحرب، كما خسر شركة دهانات كبيرة ومعدات داخل مستودع خاص به شرق مدينة غزة، بعد أن أحرق بفعل قصفه بالقذائف المدفعية، وتحولت حياته من رجل ميسور الحال إلى متسول يبحث عن لقمة العيش من التكايا الخيرية والمؤسسات الإغاثية".
ويأمل المواطن أن "تسفر جهود التفاوض المكثفة التي تُجرى حالياً في إنهاء الحرب، ووقف إطلاق النار على الأقل بشكل جزئي، كي نتنفس قليلاً من الضغط الكبير الواقع علينا وإغاثتنا بالطعام والملابس، في ظل تفشي المجاعة وفقدان العديد من الأطفال وكبار السن حياتهم، نتيجة البرد الشديد وعدم توفر مستلزمات الشتاء من الأغطية والملابس".
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يحاول السكان التعبير عن معاناتهم وغضبهم من تصرفات حركة حماس، من خلال نشر بوستات وشعارات تندد بالمماطلة التي تقوم بها حماس خلال المفاوضات، والتعويل على معاناة السكان في كسب الوقت لتحقيق مصالحها، فالمتابع لصفحات كبار المؤثرين على مواقع التواصل المختلفة، يشهد تصعيداً متواصلاً من قبلهم، سواء بعبارات مكتوبة أو بمقاطع الفيديو، التي يتم من خلالها شتم قادة حماس، ودعوتهم إلى إنقاذ الشعب في غزة من الكارثة التي تسببوا بها، لكنّ هذا لم يحرك قادة حماس الذين ماطلوا منذ منتصف العام المنصرم في تقديم تنازلات توقف الإبادة، لا سيّما ما حصل في شمال قطاع غزة من تهجير ومسح لمدن جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون كاملاً، كضغط عسكري إسرائيلي متعمد لتركيع حماس التي كان عليها القبول بشروط إسرائيل سابقاً وحفظ ما تبقى من شمال القطاع.