عودة المصريين المحتجزين.. ما الذي تخفيه ميليشيات الوفاق؟

عودة المصريين المحتجزين.. ما الذي تخفيه ميليشيات الوفاق؟


18/06/2020

استغرقت عودة العمال المصريين الذين احتجزتهم ميليشيات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق في ليبيا نحو 48 ساعة، منذ انتشر مقطع تعنيفهم، وسط استجابة سريعة من الحكومة المدعومة من تركيا بعد الحرج الذي سبّبه لها عربياً ودولياً، غير أنّ ذلك لا يحمل دلالات على فتح قنوات تفاهم مع "القاهرة" في ظل السياق الأكبر للمشهد.

مقطع تعذيب المصريين أحرج حكومة الوفاق وسط انتقادات أممية ودولية واسعة

وكان مقطع مصور لمجموعة من العمال المصريين في ترهونة قد انتشر، يصور عناصر من الميليشيات تجبرهم على الوقوف على قدم واحدة وترديد عبارات نابية.

أبدت حكومة الوفاق انزعاجاً من المقطع، وأعلنت إحالة المتورطين فيه إلى القضاء، بعدما كلف الرئيس المصري الأجهزة في بلاده إنهاء أزمة المحتجزين، وحذرت مصر بلهجة شديدة من الموقف على لسان وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم التي قالت "لن يمر مرور الكرام.. سيكون الرد عملياً".

وفيما يحقق الجيش الليبي انحساراً على الأرض، مقابل تقدم للوفاق بدعم من المرتزقة التي أغرقت بهم تركيا أرض المعركة، وتدفع فاتورتهم، جاء الفيديو مسوغاً للنظام المصري شن هجمات جديدة في ليبيا، ما يعني دخول القاهرة كطرف صريح في المعركة في وقت شديد الحساسية في حال تصاعدت الأمور.

حذرت مصر بلهجة شديدة من الموقف

وتدرك حكومة الوفاق، ومن خلفها تركيا التي تسعى إلى جني ثمار تدخلها في ليبيا ذلك؛ لذا فإنّ استجابتها بالشجب والإدانة والتبرؤ، بل والمحاكمة المزعومة، وسرعة تحرير العمال المصريين وإرسالهم إلى بلادهم، لا تعكس حلحلة للموقف الليبي، بقدر ما ترغب في تجميده في النقطة الحالية، على الأقل، لبعض الوقت.

والقاهرة من جانبها، التي تحمل في يدها اليمنى مبادرة للسلام متمثلة في مبادرة "إعلان القاهرة"، لا تريد أن تخفضها سريعاً وترفع الأخرى التي تحمل السلاح، حتى في ظل موقف متعنت من تركيا وخلفها الوفاق.

وأعلن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، مبادرة لإحلال السلام في ليبيا في 6 حزيران (يونيو) الجاري، تتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار، وعودة إلى طاولة المفاوضات، وانتخاب مجلس رئاسي يعبر عن ليبيا لإنهاء الصراع، وسط تأييد دولي واسع تتقدمه روسيا وأمريكا وأوروبا.

تتعجل تركيا جني ثمار تدخلها في ليبيا ما يعني استمرار عرقلة أي حل سياسي يحرمها استباحة أراضيها

وبخصوص تصريحات وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا -التي قد تُقرأ على أنّها تودد لمصر، عندما قال تعليقاً على المقطع "مصر دولة مهمة بالنسبة إلى ليبيا.. ونحن نهتم بعلاقاتنا مع مصر.. مصر لديها قدرة على المساعدة في حل مشاكل ليبيا"- لا تعكس موقفاً رسمياً لحكومته، بمقدار ما هو رغبة من باشاغا تقديم نفسه كبديل لرئيس الحكومة فايز السراج، وفق ما أورده الكاتب المصري محمد أبو الفضل في مقال بصحيفة "العرب اللندنية".

ويعني ذلك أنّ باشاغا يؤمّن نفسه إذا ما واتت الرياح سفن الجبهة الأخرى من الصراع، وتدعم تلك النظرية أنباء الخلافات والنزاع على النفوذ داخل حكومة الوفاق التي تصعد على السطح من وقت لآخر.

ومن جهة أخرى، فإنّ مقطع المصريين أحرج حكومة الوفاق، وسط انتقادات أممية ودولية واسعة؛ إذ قالت الأمم المتحدة إنّه يتعارض مع المواثيق الدولية، ويُعدُّ انتهاكاً لحقوق الإنسان،  مطالبةً بالتحقيق الفوري عبر تدوينة على "تويتر"، في وقت وصفه السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند بـ "الصادم".

اقرأ أيضاً: مصر تحشد عربياً لإنهاء الأزمة الليبية

وأفقد المقطع حيلة "الوفاق" في ادعائها انتهاك الجيش الليبي لحقوق المدنيين في ليبيا، والترويج لرواية تورطه في إقامة مقابر جماعية لأهالي ترهونة،  وفق زعمها، حيث أثبت المقطع الأخير أنّ الميليشيات المسلحة وليست الجيوش النظامية، هي الأقرب لارتكاب تلك الانتهاكات.

وانتقد المتحدث باسم الجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، الانتهاكات في حق العمالة المصرية، وقال في تصريحات متلفزة لفضائية مصرية: إنّ الجيش يتبرأ من تلك الانتهاكات.

 

 

تركيا وجني ثمار الغاز

في غضون ذلك، تبدو تركيا متعجلة في جني ثمار تدخلها في ليبيا، ما يعني استمرار عرقلة أيّ حل سياسي يحرمها من استباحة الأراضي الليبية والسيطرة على ثرواتها، والتي تضمنها لها حكومة الوفاق.

وكان وفد تركي يضم وزير الخارجية، مولود تشاووش أوغلو، ووزير الخزانة والمالية براءت ألبيرق، ورئيس جهاز الاستخبارات هكان فيدان، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، التقى حكومة الوفاق لبحث "سبل التعاون"، وفق ما أعلنت الخارجية التركية.

سرعة تحرير المصريين لا تعكس بالضرورة حلحلة للموقف الليبي بقدر تجميده في النقطة الحالية

وكرر أوغلو، في تصريحاته داخل ليبيا، كلامه عن "حرص بلاده على التوصل لحل سلمي للنزاع"، وهي تصريحات للاستهلاك الإعلامي، توارت أمام أخرى أكثر واقعية، فهو على متن الطائرة عائداً صباح الخميس إلى بلاده قال، وفق ما أوردته وكالة أنباء الأناضول التركية: الزيارة كانت للتأكيد مجدداً وبشكل أقوى على دعم أنقرة لذلك البلد.

وأضاف: "هذه الزيارة بالغة الأهمية، فلقد بحثنا هناك وبشكل مفصل، سبل توسيع تعاوننا خلال الفترة المقبلة، كما بحثنا الخطوات التي سيتم اتخاذها في الميدان، والعلاقات السياسية، فكما تعرفون هناك مذكرات تفاهم وقعناها مع ليبيا، منها المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية".

ووقعت حكومة الوفاق وأردوغان اتفاقاً بحرياً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، بموجبه تسمح الوفاق لتركيا بالتنقيب عن الغاز في مياهها الإقليمية.

وعُدَّت الزيارة استفزازية خصوصاً لفرنسا التي صعّدت أخيراً من نبرتها تجاه التدخل التركي في ليبيا، وسبقت بساعات اجتماعاً لوزراء خارجية الناتو، ستثار القضية فيه؛ إذ لوّحت فرنسا قبل أيام باللجوء إلى حلف شمال الأطلسي لـ "بحث التدخلات العدوانية وغير المقبولة".

 

 

وقبل ساعات من انطلاق مباحثات الناتو، والتي تستمر على مدار يومي 18 و19 حزيران (يونيو) الجاري، اتهمت فرنسا تركيا باستفزاز إحدى سفنها الحربية خلال مهمة خاصة بالناتو وفق ما أوردته وكالة أنباء "رويترز".

تركيا تستفز مزيداً من قوى المنطقة التي لن تسمح ببسط لها بالاستيلاء على غاز المتوسط

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية إنّ السفينة كانت ترغب في التحقق مما إذا كانت السفينة التركية جيركين تهرّب أسلحة إلى ليبيا، غير أنّ السفينة التركية أغلقت نظام التتبع وأخفت رقمها التعريفي ورفضت الكشف عن وجهتها.

فيما ردّ مسؤول تركي لـ "رويترز" أنّ السفينة الحربية الفرنسية لم تجرِ أي اتصالات بالسفينة التركية أثناء الواقعة.

ويعكس ذلك أنّ الأزمة الليبية ربما لن تشهد تهدئة قريبة، خصوصاً إذا ما لجأت تركيا لتنفيذ "المزيد من التعاون" الذي تلوح به، وتتبعه بالتذكير بالاتفاق البحري، ما يعني استفزاز مزيد من القوى التي لن تسمح لأنقرة بالاستيلاء على غاز المتوسط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية