مترجم
من أجل فهم آلية الدعاية المتطرفة الفعالة عبر الإنترنت، وكيفية مواجهتها بالشكل المطلوب، ينبغي على صانعي السياسة أن يتعلموا من نتائج البحوث في التخصصات الأخرى ذات الصلة، مثل علم النفس وعلم الأعصاب وعلم الإنسان”، هذا ما ذكره الباحث الألماني ألكساندر ريتسمان، المتخصص في شؤون تعزيز الديمقراطية والوقاية من التطرف العنيف، في مقالته في مجلة “عين أوروبية على التطرف”.
يمكن فهم الدعاية على أنها التواصل الإستراتيجي للأفكار التي تهدف إلى التلاعب بجمهور محدد ومستهدف لقضية متطرفة ما. وفي هذا السياق، تقوم الدعاية على 3 مكونات رئيسة: أولًا، إعطاء تشخيص لـ”ما هو خطأ”، ثانيًا، إعطاء تكهن لـ”ما يجب القيام به”؛ ثالثًا، إعطاء مبرر منطقي حول “من يجب أن يفعل ذلك ولماذا”.
على سبيل المثال، يزعم تنظيم الدولة الإسلامية أن الإسلام والمسلمين السنة يتعرضون لهجوم (تشخيص لما هو خطأ)، وأن هنالك حاجة إلى إنشاء خلافة (تكهن لما ينبغي القيام به)، وأن عليك المساعدة في ذلك بأية طريقة ممكنة (مبرر منطقي حول من يجب أن يفعل ذلك).
وعلى المنوال ذاته، تستخدم الحركات اليمينية الغربية النهج ذاته: تشكل الهجرة والنخب الفاسدة تهديدًا للهوية البيضاء أو الهوية الوطنية (تشخيص)، ويمكن فقط للمجتمعات المتجانسة أن تضمن البقاء (تكهن)، ويطلبون من جمهورهم المستهدف الانضمام إلى المعركة بأية طريقة ممكنة (مبرر منطقي).
الدعاية هي صرخة لتلبية النداء
تشير أبحاث علم النفس الاجتماعي إلى أن الدعاية هي دعوة “قبلية”، تهدف إلى وضع خطوط حمراء واضحة بين “نحن” و”هم”. هكذا دعوة تناشد إحدى غرائزنا الأساسية – الانتماء إلى مجموعة. وقد أظهرت التجارب النفسية على “الهوية الاجتماعية”، التي جرى تكرارها على مدى عقود، أن البشر يشكّلون مجموعات بسهولة بالغة (راتنر 2012).
ومن أجل أن تشعر المجموعة الواحدة بشعور حقيقي حسب هذه الغريزة، نحتاج إلى مجموعة خارجية مختلفة عنا، وأقل جاذبية بالنسبة لنا، وهنا يحدث النفور. ففي حالة التنافسية، سواء على المستوى الأخلاقي أو مستوى الموارد، فإننا نرفض الآخرين بسهولة، باعتبارهم على الجانب الخطأ أو الغبي أو العنيف.
وهذا ما يحدث تمامًا في الدعاية التي يروج لها المتطرفون. تزعم الدعاية المتطرفة أن المنافسة جلية وواضحة، وأن التهديد من الآخرين حقيقي، وأنك بحاجة إلى التصرف إذا كنت تريد أن تكون عضوًا جيدًا في تلك المجموعة.
الرغبة في القتال والموت
ولكن، لماذا يرغب أحدهم بالتصرف؟ ببساطة، لأنه شعور جيد. تشير الأبحاث إلى أن الانضمام إلى مجموعة تدعي التفوق الأخلاقي يرفع من مكانتنا كأفراد، ويزيد من قيمتنا الذاتية، لأننا نستطيع ازدراء الآخرين انطلاقًا من تلك المجموعة. في الحقيقة، لدينا حاجة نفسية لكلٍ من الاندماج والإقصاء، نحن بحاجة إلى الشعور بأننا جزءٌ من شيء ما، لكننا بحاجة أيضًا إلى الشعور بأن المجموعة ليست مفتوحة للجميع، لكي نشعر بأهمية أنفسنا، ونشعر بأننا مهمون (بريور 2001).
هذه الديناميكية “القبلية” موجودة في حياتنا اليومية، وتقود مشجعي كرة القدم المتعصبين، والأعضاء المنخرطين في طائفة دينية، والقوميين، والشيوعيين، أو أي مجموعة أخرى تدعي أنها أفضل من كل الآخرين (سانستين 1999). يبدو أن الرغبة في الانضمام إلى هكذا مجموعات جزءٌ من برمجتنا الأساسية. وتشير بحوث الأنثروبولوجيا إلى أن الرغبة في القتال والموت من أجل المجموعة تعتمد على أخلاقيات الفرد وهويته وأفكاره، أكثر من اعتمادها على صلة القرابة والمكافآت المادية (أتان 2016).
إن الأفكار المتطرفة موجودة في حياتنا اليومية، سواء عبر الإنترنت، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو في تقارير وسائل الإعلام الكبيرة، أو في الدوائر الاجتماعية التقليدية. وأصبح من السهل على المتطرفين إيصال الدعوة لتلبية النداء لمختلف المجتمعات.
المصدر: مجلة “عين أوروبية على التطرف“ / عن "كيوبوست"