عدم طاعة الولي الفقيه: هل هو مصدر المصائب في إيران؟

عدم طاعة الولي الفقيه: هل هو مصدر المصائب في إيران؟

عدم طاعة الولي الفقيه: هل هو مصدر المصائب في إيران؟


03/10/2022

تمثّل الاحتجاجات، التي تتسع وتيرتها في إيران، بعد مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، نقطة تحوّل في مسار التظاهرات التي شهدتها البلاد، خلال العقود الماضية. ورغم أنّ المشهد لا يحمل متغيرات لافتة في مستوى العنف الذي تمارسه السلطة، وبطش أجهزتها، إلا أنّ تصعيد المتظاهرين، هذه المرة، قد بلغ درجاته القصوى. وكما هي العادة، اصطف رجال الدين المتشدّدون مع نظام الولي الفقيه، فضلاً عن دعم مواقف التيار الأصولي الذي يرفض التراجع أو تقديم تنازلات تجاه مطالب المحتجين.

احتجاجات غير مسبوقة

وبمجرد عودة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، من نيويورك، بعد أن حضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قام بزيارة عناصر الأمن وأفراد الشرطة في المستشفيات ممن تعرضوا لإصابات على خلفية الاحتكاكات المتبادلة مع المتظاهرين، وكذا مقاومة المحتجين لقمعهم. وطالب رئيسي بضرورة عدم التهاون مع من وصفهم بـ "الغوغاء" و"مثيري الشغب"، بل والتعامل "بحزم" معهم من خلال "سلطات إنفاذ القانون"، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا".

ونقلت وكالة أنباء السلطة القضائية "ميزان"، عن رئيس السلطة القضائية في إيران، غلام حسين ايجئي، قوله: "ينبغي التعامل بحزم ودون تهدئة مع العناصر الرئيسة للاضطرابات وبقوة". وعليه، جاءت لهجة الشرطة الإيرانية أكثر حدة، في البيان الصادر عنها، الأربعاء، حيث أكدت أنّ وحداتها سوف تتعامل "بكل قوتها" مع المتظاهرين.

وأردفت: "اليوم يسعى أعداء جمهورية إيران الإسلامية، وبعض مثيري الشغب، إلى العبث بالنظام العام وأمن الأمة باستخدام ذرائع مختلفة. عناصر الشرطة سيواجهون بكل قوتهم مؤامرات مناهضي الثورة".

المحلل السياسي نزار جاف: الأحداث مرشحة للتصعيد

قائد فيلق عاشوراء، التابع للحرس الثوري الإيراني، أصغر عباسقلي زاده، اتهم الانتفاضة الشعبية التي اندلعت إثر مقتل الفتاة الكردية الإيرانية على يد عناصر دورية شرطة الأخلاق بسبب "الحجاب السيّئ"، على حدّ تعبير أدبيات النظام، بأنّها "مهندَسَة من الخارج". وقال: "مصدر جميع المصائب هو عدم طاعة ولي الفقيه".

ورأى مدير منظمة الدعاية الإسلامية في محافظة سمنان، عباس عبد اللهي؛ أنّ التظاهرات التي تطوّق خمسين مدينة إيرانية تقريباً، تهدف إلى "إسقاط النظام" ولا علاقة لها بقضية الحجاب. وقال عبد اللهي: "لا علاقة لأحد بمهسا أميني والحجاب. الضجة القائمة تستهدف إسقاط النظام"، مؤكداً أنّ المتظاهرين "لديهم مشكلة مع مبدأ النظام والدين.. قضيتهم إسقاط النظام في إيران".

الحوزة في خدمة السياسة

ولا يكاد يختلف الموقف في الصحف المتشددة والأصولية القريبة من المرشد الإيراني عن سابقيه.

 وقادت صحيفة "كيهان" حملة عنيفة ضدّ النخبة الإيرانية المؤيدة والداعمة للاحتجاجات، بينما شدّدت على ضرورة "محاسبة الإصلاحيين وبعض المشاهير في إيران"، كما اتهمتهم بالعمالة للولايات المتحدة. وذكرت الصحيفة: "حان الوقت كي يُعرَض المتطرفون، مدّعوو الإصلاح، وبعض المشاهير، على القضاء، باعتبارهم أدوات أمريكا والمحركين للفوضى، كي ينالوا العقاب الذي يستحقونه".

كما قال المرجع الشيعي، ناصر مكارم شيرازي: "الخطايا لها تعزير، والتعزير أحياناً يكون على شكل النصيحة، وأحياناً على شكل غرامة مالية أو أيّ شيء آخر يحدّده الحاكم الشرعي".

كالعادة اصطفّ رجال الدين المتشددون مع نظام الولي الفقيه، فضلاً عن دعم مواقف التيار الأصولي الذي يرفض التراجع أو تقديم تنازلات تجاه مطالب المحتجين

ومنذ احتجاجات نهاية عام 2017، والتي کانت بمثابة انتفاضة في إيران ضدّ النظام السياسي برمّته، فقد ظهرت مواقف رجال الدين المتباينة بشأن التظاهرات، حسبما يوضح المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، نزار جاف، موضحاً لـ "حفريات"؛ أنّ رجل الدين القريب من التيار الإصلاحي أو المعتدل بإيران حاول أن يتّخذ جملة مواقف وازنة وهادئة من الاحتجاجات، بهدف التماهي معها، ودعم مطالبها، وعلى العكس من ذلك، عمد رجال الدين داخل التيار المحافظ المدعوم من المرشد الإيراني علي خامنئي، إلى الهجوم على المتظاهرين بل وتخوينهم وتكفيرهم، حيث تطاولهم اتهامات بالعمالة لقوى خارجية وأجنبية، ورفض مبدأ "الولي الفقيه".

هذا الموقف لرجال الدين، وبالأسلوب نفسه، تكرّر بصورة تقليدية في احتجاجات عام 2019، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه الاحتجاجات قد اندلعت في فترة حكم الرئيس السابق، حسن روحاني، المحسوب على تيار الإصلاح والاعتدال.

ووفق جاف؛ فإنّ تيار المحافظين قد حمّل روحاني بشدة النتائج السلبية والمآلات الصعبة التي وقعت تحت وطأتها البلاد، الأمر الذي وصل إلى حدّ المطالبة باستدعائه للمحاسبة والمساءلة أمام البرلمان الإيراني، وكذا محاکمته باعتباره مقصراً في واجباته السياسية والدينية.

تخاذل الموقف الدولي

ما تجب الإشارة إليه، بحسب المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني؛ أنّ تأزم الأوضاع بين الشعب والنظام، يرجع إلى موقف خامنئي الذي يعتقد أنّ تيار ما يسمى بالإصلاح والاعتدال لم يعد له ضرورة وانتهت شروط وأسباب وجوده من الناحية السياسية والعملية، ومن ثم، يعتمد المرشد الإيراني على جناحه الصلب والمتشدّد وعناصر الحرس الثوري بأجهزته. ويتابع: "وفي ظلّ عسكرة النظام وهيمنة الحرس الثوري على مؤسسات الدولة، التشريعية والقضائية والتنفيذية، وقد نجح في هندسة الانتخابات الرئاسية ليفوز فيها أحد صقوره (إبراهيم رئيسي)، والشيء نفسه بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية؛ حيث اکتسح المحافظون مقاعد مجلس الشورى، فإنّ الأوضاع بالبلاد لن تشهد ثمة انفراجة، بل من المرجّح أن تكون الأحداث مرشحة للتصعيد، بين الحين والآخر، حتى إن انحسرت مؤقتاً".

الكاتب الصحفي شيار خليل: الأمر لا يتعلق بالحجاب فقط

نهاية العام الماضي، أعلن نائب رئيس اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني، رجل الدين الشيعي الأصولي، حسن نوروزي، مسؤوليته عن قتل المتظاهرين. وقال: "أنا كنت من بين الأشخاص الذين أطلقوا النار على الناس، نحن قتلناهم.. الآن من يريد محاكمتنا؟".

وبرر رجل الدين المتشدد والمسؤول الإيراني ذلك الأمر، بأنّه في احتجاجات تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2019، أضرم "أحد المتظاهرين" النار في بنك و"قتلناه".

وفي حديثه لـ "حفريات"؛ يوضح الكاتب الصحفي، شيار خليل، المقيم في باريس، أنّ الإيرانيين بحثوا في السنوات الأخيرة عن أيّة فرصة للتعبير عن إحباطهم بشأن الحريات الشخصية والقضايا الحقوقية والاقتصادية والبيئية؛ لذا فالأمر لا يتعلق بالحجاب فقط، إنّما هناك شعور عام متراكم بأنّ الحقوق المهدورة في ظلّ سلطوية الملالي، يتم تجاهلها عمداً لحساب تعميم قيم ومصالح فئة سياسية ودينية محددة.

وتفاقم الأوضاع الاقتصادية المتدنية، وسيطرة الحرس الثوري على مفاصل الدولة، من حدة هذه المشاعر الصعبة، بما يؤدي إلى تنامي السخط الشعبي والتذمر المجتمعي بين قطاعات وفئات متفاوتة، وفق خليل، لافتاً إلى أنّ ما شهدته إيران من احتجاجات واسعة بالتزامن مع زيارة الرئيس الإيراني، الأسبوع الماضي، إلى نيويورك، للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان، وما يزال، حدثاً سياسياً مهماً على أوروبا والولايات المتحدة.

الكاتب الصحفي، شيار خليل لـ "حفريات": الإيرانيون بحثوا في السنوات الأخيرة عن أيّة فرصة للتعبير عن إحباطهم بشأن الحريات الشخصية والقضايا الحقوقية والاقتصادية والبيئية

وإلى ذلك، كشفت كندا فرض عقوبات على النظام الإيراني بسبب الحملة الأمنية القمعية "الممنهجة" بحق المتظاهرين، وقال رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، في مؤتمر صحفي: "سنفرض عقوبات على عشرات الأفراد والكيانات، بما في ذلك ما تعرف بشرطة الأخلاق الإيرانية".

وأضاف: "نضمّ أصواتنا، وأصوات جميع الكنديين، إلى أصوات ملايين الأشخاص حول العالم الذين يطالبون الحكومة الإيرانية بالإنصات إلى شعبها ووضع حدّ لقمعها للحريات والحقوق وترك النساء وجميع الإيرانيين يعيشون حياتهم ويعبّرون عن أنفسهم بشكل سلمي".

رئيسي حاول، خلال الفترة الماضية، دعم شرطة الأخلاق، وكذا ممارساتها العدوانية بحق النساء، عبر إحياء كافة التشريعات التي تحمي، أو بالأحرى تعطي، مشروعية لدورها القمعي، وفق الكاتب الصحفي المقيم في باريس، مشيراً إلى أنّ الرئيس الإيراني "وقّع مرسوماً، في 15 آب (أغسطس)، لتضييق الخناق على لباس المرأة، بينما نصّ على عقوبات صارمة في حال مخالفة أحد بنوده، في الأماكن العامة أو عبر الإنترنت".

وفيما يبدو أنّ هناك حالة "تخاذل حكومي دولي تجاه ما يحدث في إيران، فبعد رفض رئيسي إجراء مقابلة مع صحفية في شبكة تلفزيون "سي إن إن"، بسبب رفضها ارتداء الحجاب، كان ينبغي أن تكون هناك ردود فعل دولية قوية"؛ يقول خليل.

ويختم: "الولايات المتحدة وضعت شرطة الأخلاق الإيرانية على قائمتها السوداء، لكن النظام الإيراني يحتاج إلى إجراءات مغايرة تجعله يكف عن خروقاته الحقوقية خارج نطاق القانون، ومنها: ارتكاب جرائم القتل، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب الممنهج بحقّ المدنيين".

مواضيع ذات صلة:

إيران... النظام والثورة والمرأة

قتلى وجرحى... الاحتجاجات الإيرانية تتوسع والنظام يهدد ويواجه الشارع بهذه الطرق

استقبال الحوثيين في إيران.. ما الرسالة التي يريدون إيصالها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية