مثّل اللقاء الذي جمع الناطق الرسمي بلسان ميليشيات الحوثي باليمن محمد عبد السلام فليته، ومسؤولين إيرانيين في العاصمة الإيرانية طهران، لحظة قصوى من الانكشاف السياسي لطبيعة الدور الوظيفي الذي تقوم به الميليشيات المسلحة المدعومة من الحرس الثوري بالمنطقة، وكذا أهداف إيران الإقليمية ومصالحها البراغماتية التي جعلت من الأزمة اليمنية، كما غيرها، ورقة ضغط لحساب أجندتها الجيواستراتيجية.
الحوثيون في طهران... ما القصة؟
وخلال استقباله الناطق بلسان الميليشيات الحوثية في طهران، ثمّن مستشار القائد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي الدور الذي يؤديه الحوثيون باليمن، مؤكداً على مواصلة دعم بلاده للنشاط الحوثي، المسلح والعسكري، الذي يتصدى لـ"قوى الاستكبار"، حسب تعبيره، وقال ولايتي: "جهودكم في المنطقة جيدة جداً، وتحظى بالاهتمام، ونعتبركم حاملي لواء الإسلام في المنطقة".
وتابع ولايتي: "لا يمكن لأحد أن يوقف هذه الحركة، وقد قدتم الجوهر الحقيقي لمقارعة الاستكبار، وأبديتم هذه القوة في باب المندب الحساسة".
وجاء لقاء عبد السلام فليته مع مستشار المرشد الإيراني في أعقاب زيارة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى طهران، لجهة بحث سبل توسيع الهدنة باليمن، هذه الهدنة التي تعمد الميليشيات الحوثية إلى خرق بنودها، بينما تواصل تنفيذ عمليات الاستعراض العسكري في الحديدة والبحر الأحمر، الأمر الذي يبعث بتهديدات جمّة على المدنيين.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون اليمن تيم لانديركينغ: إنّ إيران تساعد الحوثيين في تطوير القدرات العسكرية، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، وإنّ العلاقة بين الجانبين "مدمرة"، مؤكداً على أنّ دعم طهران لميليشيات الحوثي "يؤجج الصراع بدلاً من تهدئته".
وأردف لانديركينغ: "بناء على ما نعرفه بعد الحديث مع اليمنيين داخل اليمن وحول العالم، ليست هناك رغبة في العودة إلى الحرب، ليست هناك طاقة لأيّ شخص أن يتمنى حدوث ذلك".
وذكر المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون اليمن شهادته بخصوص ممارسات الحوثي في اليمن، والتي تؤدي لتدمير البنية التحتية للبلاد، حسبما قال، بما في ذلك البنية التحتية النفطية.
أداة ضغط
اللقاء الذي جمع المسؤول الإيراني بالقيادي في الميليشيات الحوثية يُعدّ جزءاً من سلسلة لقاءات سابقة، معلنة وغير معلنة، مع مسؤولين إيرانيين، وفق عضو مشاورات الرياض ومستشار وزير الثقافة والسياحة اليمني الدكتور ثابت الأحمدي، موضحاً لـ"حفريات" أنّها "لقاءات تجمع هذه الأطراف الولائية بالرؤوس التي تقوم بتحريكها وتوظيفها في طهران، حيث سبق لفليته أن التقى مع معاون وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي".
أثبت لقاء الناطق الرسمي بلسان ميليشيات الحوثي ومسؤولين إيرانيين في طهران دورهم الوظيفي
و"الواقع أنّ إيران تستخدم ميليشيات الحوثي باعتبارها "أداة ضغط" وضمن أدواتها التفاوضية مع دول الجوار"، حسبما يشير الأحمدي، لافتاً إلى أنّ هذه العناصر الميليشياوية تستعين بها طهران بهدف الابتزاز وفرض الشروط على خصومها الإقليميين، كما يبدو أنّ ثمّة ترتيبات جديدة خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد الأحداث التي جرت في الجنوب مؤخراً، وتتكامل في أحد أوجهها مع السياسة الحوثية؛ إذ يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي للانفصال وإعلان دولته الخاصة، كما يصرّح، وهذا ما يريده الحوثي في الوقت الحالي، ولو من باب "التكتيك السياسي" للمزايدة على "الشرعية".
ويردف: "الحقيقة أنّ العناصر الحوثية في توافد مستمر إلى طهران، سواء بشكل علني أو سرّي، وخاصة من الشخصيات التي تقيم في عُمان بصورة مستمرة، وهذا لم يعد هذا خافياً على أحد".
التصريحات التي وردت عن مستشار المرشد الإيراني خلال لقاء فليته، تسببت في موجة غضب عارمة بين مسؤولين بالحكومة الشرعية في اليمن، وقد وصف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني حديث علي أكبر ولايتي بأنّها "استفزازية"، وأكد الإرياني على أنّ ممارسات طهران العدوانية باليمن تحول دون الوصول إلى تسوية سياسية.
تعيين سفير إيراني جديد لدى الحوثي
وشدد وزير الإعلام اليمني على أنّ إيران تستغل اليمن لتحقيق جملة مصالح؛ منها استهداف دول الجوار، تحديداً السعودية والإمارات، بالإضافة إلى تهديد خطوط الملاحة الدولية من خلال القرصنة البحرية، ومهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب، الأمر الذي يهدد أمن الطاقة.
وغرّد الإرياني على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "إنّ النظام الإيراني لا يبدي أيّ اكتراث بمساعي وجهود التهدئة في اليمن والمعاناة الإنسانية المتفاقمة لليمنيين، وكل ما يخطط له هو فرض نفوذه على جنوب شبه الجزيرة العربية وإحكام سيطرته على الشريط الساحلي البالغ طوله (2500) كيلومتر على طول البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب الإستراتيجي".
وأشار الإرياني إلى أنّه في مطلع 2022 صعّد الحوثيون هجماتهم الإرهابية، فشنوا هجوماً في 20 آذار (مارس) الماضي استهدف محطة توزيع المنتجات البترولية لشركة أرامكو في جدة، وسلسلة هجمات استهدفت محطة توزيع أرامكو في جيزان، ومصنع أرامكو للغاز المسال في ينبع، وفي17و24 كانون الثاني (يناير) استهدفوا منطقة المصفح الصناعية وقاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي.
ووفق الإرياني، فإنّ "البحرية الأمريكية صادرت (9) آلاف قطعة سلاح في 2021، شملت صواريخ أرض جو وأجزاء من صواريخ كروز كانت في طريقها للحوثيين، وفي تموز (يوليو) الماضي أعلنت البحرية البريطانية اعتراضها شحنة أسلحة إيرانية من زوارق سريعة، بما في ذلك صواريخ أرض جو ومحركات لصواريخ كروز".
عبدالعزيز العامر: يستعد الحوثي للقيام بعرض عسكري آخر في صنعاء بوساطة سرب من الطائرات العمودية والحربية
وأكد الإرياني أنّ الهجمات المتصاعدة كشفت عن تطور القدرات التسليحية للحوثيين، ومدى صواريخهم الباليستية وطائراتهم المسيّرة التي يتم تركيبها وتشغيلها بإشراف خبراء من إيران وحزب الله اللبناني. وتابع: "الحوثيون استغلوا موارد إيران ودعمها للتحول من جماعة متمردة في صعدة إلى ذراع عسكرية تشن حروباً بالوكالة في المنطقة".
من جهته، يؤكد الصحفي والمحلل السياسي اليمني عبد العزيز العامر أنّ هذا اللقاء لا يُعدّ الأول من نوعه، كما أنّه لن يكون الأخير، موضحاً لـ"حفريات" أنّه "لقاء من ضمن عشرات اللقاءات التي تتم بين جماعة الحوثي (الإرهابية)، أو من يمثلها في الخارج مع الجانب الإيراني، الداعم الأول لهذه الجماعة في اليمن".
ويردف: "اللقاءات أو الاجتماعات التي تحدث بين ممثلي جماعة الحوثي الإرهابية والجانب الإيراني، فقط تكون بهدف بعث رسالة طمأنة ورفع الروح المعنوية لأنصار هذه الميليشيات، وخاصة بعد الهزائم المتتالية التي تتكبدها على يد القوات اليمنية، ميدانياً وسياسياً، وبالتالي، تذهب الميليشيات إلى عقد لقاءات بهدف رفع المعنويات، أو تقديم معلومات لطهران وتفاصيل بخصوص ما يحدث، رغم وجود العديد من الخبراء الإيرانيين في اليمن".
وفي ما يبدو أنّ هذا اللقاء الأخير كان بهدف نقل معلومات تفصيلية ودقيقة لطهران حول الحشد العسكري الذي نفذه الحوثي خلال فترة الهدنة. ويتابع: "زيارة وزير الخارجية الإيراني لمسقط لها أهمية خاصة من حيث التوقيت، لا سيّما أنّ الزيارة شملت لقاءً مع قيادات الحوثي، وهناك العديد من الأمور التي تتطلب إعادة ترتيبها بين الطرفين، مثل دعم الحوثي بخبراء في إعادة تشغيل الطيران الحربي والعمودي في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، وهذا ما شهدناه خلال الأسبوع الماضي، أثناء تحليق طائرة عمودية في ضواحي محافظة إب وسط اليمن، وذلك بعد أسبوع من تحطم طائرة مماثلة قرب العاصمة صنعاء، ومقتل طاقمها أثناء محاولة إقلاع فاشلة".
ويردف: "هناك دعم إيراني كبير في هذا الجانب العسكري للحوثي، ويستعد الحوثي القيام بعرض عسكري آخر في صنعاء بوساطة سرب من الطائرات العمودية والحربية التي تمّت السيطرة عليها أثناء اجتياح صنعاء".
ومن بين القضايا التي يرجح الصحفي والمحلل السياسي اليمني أن تكون قد تمّت مناقشتها، إعادة تعيين سفير لدى الحوثي في اليمن، وخاصة خلال الفترة المقبلة التي سوف تشهد تصعيداً عسكرياً مع قرب انتهاء الهدنة في اليمن.