عبدالمجيد الشرفي: لا مستقبل للإسلام السياسي تونسياً وعربياً

عبدالمجيد الشرفي: لا مستقبل للإسلام السياسي تونسياً وعربياً


03/09/2020

صغير الحيدري

جدّد المفكر التونسي عبدالمجيد الشرفي تأكيده على أن لا مستقبل للإسلام السياسي في بلاده ولا عربيا، مشيرا إلى أن مصير التيار الإسلامي يبقى رهين مراجعاته ونقده الذاتي، موضحا أن أزمة تونس تكمن في نظامها الانتخابي والسياسي الذي تم اعتماده في الدستور الذي تمت المصادقة عليه في العام 2014.

وأشار الشرفي، وهو جامعي مختص في الحضارة الإسلامية ويشغل حاليا مدير بيت الحكمة (المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون)، إلى أن الدين الإسلامي لم يكن “دين نص”، مؤكدا أن النصوص يقع استغلالها سياسيا فقط.

ويعتبر الشرفي أحد أبرز المفكرين التونسيين بفضل بحوثه المتعددة التي شخّص من خلالها معضلة عدم تقبل العرب والمسلمين للحداثة، بالإضافة إلى كتاباته عن الإسلام السياسي.

وللشرفي مساهمة كبيرة كذلك في هيئات ولجان دستورية في تونس حيث كان عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. كما كانت له أيضا عضوية في لجنة المساواة والحريات الفردية التي بعثها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وشغل الشرفي كذلك منصب عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس في وقت سابق، وهو أستاذ زائر في جامعات أجنبية عريقة على غرار جامعة باريس الرابعة.

ومن أهم مؤلفات الشرفي “الإسلام والحداثة”، “مرجعيات الإسلام السياسي”، “الفكر الإسلامي في الرد على النصارى” وغيرها من الأعمال التي تشكل مرجعيات هامة.

أزمة سياسية خانقة

بالرغم من نجاح هشام المشيشي في تزكية حكومته الثلاثاء، إلا أن الأزمة السياسية في تونس مستمرة حيث يخوض الرئيس قيس سعيّد صراعا مريرا مع الأحزاب والبرلمان وعلى وجه الخصوص مع حركة النهضة الإسلامية لأسباب عدة في مقدمتها مناورات هذه الحركة وتجاوز زعيمها راشد الغنوشي وهو يرأس البرلمان كذلك لصلاحيات الرئيس.

وأفرزت هذه الأزمة دعوات مكثفة إلى تغيير النظام السياسي، وهو نظام شبه برلماني، حيث تتشتت الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان).

ويلخص الشرفي في حواره مع “العرب” أسباب هذه الأزمة في ثلاثة أبعاد منها التاريخي، حيث لم تعرف تونس حياة سياسية حقيقية منذ السبعينات، إضافة إلى عدة أسباب أخرى.

ويقول الشرفي “هذه الأزمة كانت متوقعة.. أنا كنت عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وصيغ هذا النظام الانتخابي من أجل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وليس للفترة التي ستليه ولكن حركة النهضة تبنت هذا النظام لأنه يخدم مصلحتها”، في إشارة إلى الحاجة الماسة لمشاركة الحركة الإسلامية حتى وإن لم تحصد الغالبية المطلوبة في الحكم، مضيفا “النهضة تريد أن تكون لها ساق في الحكم وساق في المعارضة”.

ويعتبر الشرفي أنه “لا وجود لاستقرار سياسي ما لم يتغير النظام الانتخابي.. يجب أن يكون هناك نظام انتخابي يفرز غالبية تحكم وأطرافا أخرى في المعارضة”، مضيفا “اليوم هناك العشرات من الأحزاب لكنها تفتقد للرؤى وللسند الشعبي وحتى للقواعد.. شخصيا كنت قد اقترحت ضرورة تحديد نسبة معينة للمنخرطين أو عددهم قبل إسناد رخص للأحزاب.. هناك أشخاص كوّنوا أحزابا من أصدقائهم وعائلاتهم.. الأمور لا تستقيم هكذا”.

ودعت العديد من الشخصيات السياسية وأكاديميين وغيرهم في وقت سابق إلى تغيير النظام السياسي في تونس بطريقة تضع حدا لحالة التشرذم التي تشهدها مؤسسات الدولة من البرلمان وصولا إلى رئاستي الحكومة والجمهورية.

وفي هذا الصدد، يقول الشرفي “في اعتقادي أن هناك إمكانية لتغيير نظام الحكم إلى نظام رئاسي وليس رئاسوي، والفرق شاسع بين النظامين”.

ومن جهة أخرى، يُرجع الأكاديمي التونسي الأزمة السياسية إلى الصراعات التي شهدتها الساحة الطلابية في تونس على مرّ التاريخ وتجسدت اليوم ملامحها بين الأحزاب القائمة والممثلة في البرلمان، معتبرا “خلافات حركة النهضة والدستوري الحرّ وائتلاف الكرامة لا تهم التونسيين، هي في نهاية المطاف تلتقي سواء من خلال البرامج الاقتصادية والاجتماعية وإلى حد ما تفكيرها السياسي.. الشعب التونسي يدرك أنها قضايا مفتعلة لا تهم حرياته والتنمية والعدل والقضاء على الرشوة والفساد”.

ويضيف الشرفي في إجابة على سؤال بشأن صعود تيارات قريبة من الإسلاميين على غرار ائتلاف الكرامة “لا مستقبل لهذه التيارات الإسلامية في تونس، حتى النهضة نجحت نجاحا نسبيا وتمكنت من تحقيقه عبر أساليب أخرى على غرار تدفق الأموال الأجنبية عليها”.

ويوضح “شعبية حركة النهضة مثلا انهارت لكنها تمكنت من جني تمويلات أجنبية قبيل الاستحقاق الأخير جعلتها تستقطب هؤلاء الناخبين وهم ليسوا غالبية الشعب التونسي، إضافة إلى عجز الأحزاب الأخرى وتشتتها.. ما نستخلصه أن النهضة نجحت بفضل تمويل أجنبي وانقسام خصومها وهو ما يعد نجاحا نسبيا”، مضيفا “على الإسلام السياسي أن يتخلى عن المرجعية الدينية ويتطور أو سيهمش على أي حال، لا مستقبل للإسلام السياسي لأنه أخّر المسلمين نصف قرن على الأقل”.

وإلى جانب بحوثه التي تُعنى بإشكاليات الإسلام والحداثة والدولة في العالم العربي، قدّم الشرفي العديد من البحوث بشأن التعليم في تونس، حيث أن له مقالا ظل صدى كلماته يتردد حتى الآن بعنوان “إنتاج الجهل في عصر العلم”.

ولدى سؤاله عن التعليم وأزمته في تونس، يقول المفكر التونسي “ما نص عليه القانون التونسي منذ 1989 لم يطبق حتى الآن وهو إلزامية التعليم لا مجانيته فقط.. فهؤلاء الـ100 ألف الذين يغادرون المدرسة كل عام دون أن تفرض عليهم مواصلة تلقي الدروس المناسبة لسنهم، أمر غير طبيعي”.

ويضيف “المشكلة تكمن أيضا في أن التوجه النقدي والتحرري الذي كان موجودا في النظام التعليمي الذي أرسي بعيد الاستقلال قد تم التراجع عنه في سبعينات القرن الماضي ونحن الآن نجني ثمار تعليم دوغمائي لا يشجّع على  الفكر الحر واستقلالية شخصية الشاب والشابة.. هذه الظاهرة مؤسفة لأنها تعود بنا إلى الوراء”.

ويشير الشرفي إلى أن عيوب النظام التعليمي التقليدي الزيتوني في تونس أنه تعليم يعتمد مبدأ “التلقين” بينما ينبغي أن يوفر التعليم للشاب أو للفتاة إمكانية التفكير بنفسه أو نفسها، لكن الأهم حسب الشرفي اليوم أن المعلومات متوفرة عبر الإنترنت لذلك فالتعليم مطالب بأن يرسم للطلاب الخطط لانتقاء المعلومات لأن هناك عمليات “دمغجة” وغيرها من الظواهر السلبية التي يجب التفطّن لها.

ويؤكد الشرفي “المدرسة إما أن تُخرّج أجيالا يكون سلوكها مبنيا على الطاعة والامتثال وإما أن تُخرج أجيالا تفكر بنفسها بطريقة حرة ومسؤولة.. لذلك فتدني مستوى التعليم ناجم عن خيارات سياسية بحتة”.

النصوص تشرعن الحاضر

ساهم عبدالمجيد الشرفي في العام 2017 في صياغة تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وهي لجنة رئاسية مثيرة للجدل بعثها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بغية تعزيز منظومة الحريات وإرساء مساواة تامة بين الجنسين، وهي خطوة جوبهت بمقاومة كبيرة.

ومؤخرا أثار موقف الرئيس التونسي قيس سعيد، جدلا كبيرا حيث اعتبر من جهة أن “الدولة لا دين لها” ومن جهة أخرى أن “قضية الميراث محسومة في القرآن الكريم”.

وفي تعليقه على هذا الموقف، يقول الشرفي “رأيت خطاب الرئيس.. خطاب مؤسف ومتناقض.. إذا كانت الدولة ليس لها دين فلماذا نستند للقرآن، هذا بالإضافة إلى أن رئيس الدولة ليس مختصا في هذا الميدان وحين ننظر في آثار الذين اهتموا بالنصوص الخاصة بالإرث في النص القرآني، فإننا نلحظ أن ما استنتجه الرئيس بعيد كل البعد عما استنتجه المختصون”.

ويضيف عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة “هو قال إن النص القرآني صريح.. هذا النص ليس صريحا البتّة.. ناهيك عن أن النص القرآني دائما يوظف لأنه يحتمل معانيَ عديدة وهذه الظاهرة كانت موجودة منذ تدوين الوحي.. عندما يكون لديك نص نهائي مكتوب فأنت تستطيع تأويله كما شئت.. وإذا كانت الدولة لا دين لها فإن قوانينها تكون وضعية ونحرص على ما يوفر العدل والمساواة لا أن نكون أوفياء للنص القرآني أو الحديث النبوي أو أي دين آخر”.

ويشدد الشرفي على أن “العالم يسعى لإرساء نظم اجتماعية قائمة على الحرية والمسؤولية لا على تعاليم جاءت من السماء أو تنتمي إلى أي مجال آخر غير المجال البشري.. كل المجتمعات تتجه للعلمنة لأنها تنص على أن الإنسان هو المتحكم في أنظمته الاجتماعية وفي مصيره”.

وبالرغم مما يروّج بأن تقرير لجنته قد قُبر نهائيا، إلا أن الشرفي يؤكد أنه ما زال قائما لأنه لم يمر بعدُ على جلسة عامة بالبرلمان لكن نجاحه أو القوانين المماثلة له يبقى رهين التوازنات السياسية.

ومن جهة أخرى، يؤكد الشرفي، الذي يعد من أبرز المدافعين عن الحداثة والتنوير في بلاده، أن حاملي هذا الفكر التنويري لم ينجحوا بعد في معركتهم ضد “الظلاميين”، مشددا على أن “النجاح لن يكون على المدى القريب لأن المد النكوصي له إمكانيات مادية ضخمة ليست متوفرة للمد التنويري.. والمرور لمرحلة الخضوع إلى المسؤولية يتطلب أجيالا.. لا يمكن أن نمر من مجتمعات تعودت على الخضوع إلى المستبد إلى مجتمعات تتحمل مصيرها ومسؤوليتها بين عشية وضحاها”.

ويضيف “المد التنويري سيتواصل ويتقوى لكن دون أن تكون نتيجته بارزة في مستقبل قريب”، موضحا “هناك فئات اجتماعية واعية بالخصوص بالتلازم بين الحداثة المادية والحداثة الفكرية والقيمية، لكن هناك فئات غير واعية بهذه الضرورة بل تقاومها لأن من مصلحتها الإبقاء على الوضع الحالي لذلك فإن مسألة التوجه العام لدى الشعوب الإسلامية لتبني الحداثة لا يتعلق بشروط فكرية فقط بل بشروط مادية وموضوعية وسياسية واقتصادية”.

ويعتبر المفكر التونسي أن التاريخ يُكتب دائما حسب حاجة المجتمع قائلا “قبل قرن من الآن كان هناك من يفكرون في أن الخلافة الأموية والخلافة العباسية كرستا الاستبداد والانفراد بالحكم لأن الفكر السائد كان يقبل ذلك.. الآن ننظر إلى التاريخ نظرة أخرى لأن القيم التي ننطلق منها تختلف لكن لا ينبغي أن نسلط على الماضي المعايير التي ننظر بها إلى الحاضر.. هذا تجن على التاريخ”.

ويضيف “في القديم التمييز بين النساء والرجال كان طبيعيا.. التراتبية الاجتماعية كانت مقبولة العبودية كانت مقبولة.. اليوم تغير كل شيء لذلك لا يمكن أن نحاسب الماضي بقيمنا نحن اليوم”.

وفي حديثه عن الموروث الديني الإسلامي، يرى الشرفي أن النصوص الدينية (صحيح البخاري والقرآن..) لا تكبل الحاضر بالرغم من قدسيتها، حيث يقول “كل البنى التقليدية الدينية يمكن أن تكون عائقا دون تحديث لكن يمكن أن تكون مساعدة على التحديث كذلك.. عندما ننظر إلى النصوص الدينية التأسيسية فإنها تحتمل توظيفات متناقضة ولذلك لا نحملها المسؤولية لا على التقدم ولا التخلف”.

ويضيف “أنا عارضت المرحوم ناصر حامد أبوزيد عندما قال إن الحضارة الإسلامية حضارة نص.. قلت له لا النصوص يؤتى بها دائما لتبرير واقع وشرعنة واقعة.. ليست هي الأساس في ذلك الواقع”.

الوباء ليس حاسما

في حديثه عن تداعيات الجائحة الصحية العالمية يرى الشرفي أنه لن يكون لها أي تأثير حاسم على المستوى الديني لكنها ستدفع نحو إعادة النظر في الرأسمالية وغيرها.

ويقول “تداعيات الوباء ستكون حاسمة على الخيارات الاقتصادية والسياسية وحتى القيمية.. صحيح أن بعض الخطابات التي كانت موجودة في البداية والتي روّجها بعض المسلمين على غرار أن كورونا عقاب من الله للصينيين بعد اضطهادهم الأويغور قد فقدت مصداقيتها بعد وصول الوباء للعالم العربي والإسلامي”، ويضيف بنبرة مازحة “اكتشف المسلمون أن الوباء لا يميز بين مسلم ومسيحي ويهودي وغيره، لذلك فقدت أطروحاتهم مصداقيتها”.

ويضيف أن الوباء أتاح فرصة لكل البشر للتفكير قائلا “لقد منحنا الوباء فسحة للتفكير.. وأهم ما يمكن أن نخرج به من مرحلة الوباء أن الأمور المادية ليست كل شيء في الحياة”.

ويؤكد أن التغيير في العالم لن يكون فقط بسبب الوباء بل سيكون بسبب الأزمة التي عاشها النظام الرأسمالي، مشيرا إلى أن “الثروة المادية لوحدها لا تكفي كي تعطي معنى للحياة.. وهذا التراجع في وحدة القيم وحصرها في المال فقط ستكون له تبعات أكثر من الخطابات والوعظ ومواقف رجال الدين بصفة عامة”.

ويختم الشرفي حديثه مع “العرب” بالتأكيد على أن “الحجر الصحي الذي قمنا به جعل العديد من الناس ينظرون بنظرة مغايرة للخطاب السائد، بطريقة نقدية لأنهم في ما قبل كانوا منساقين في تيار كامل.. وعندما توقف هذا التيار ركنوا إلى بعض المراجعات وهو ما سيجعلنا نراجع خياراتنا خصوصا الاقتصادية وبالتحديد الرأسمالية.. وهذا لا يعني أنها ستموت لكنها مُرغمة على التأقلم مع الوضع الجديد مثلما تأقلمت في القرن التاسع عشر والعشرين مع ظهور النقابات التي استهدفت تقليص نفوذ رأس المال وضمان حقوق العمال”.

عن "العرب"اللندنية

الصفحة الرئيسية