النهضة تضغط عبر الشارع لمنع تمرير وثيقة الحريات الفردية

النهضة تضغط عبر الشارع لمنع تمرير وثيقة الحريات الفردية


12/08/2018

عمدت جمعيات دينية وأئمة معروفون بقربهم من حركة النهضة إلى تنظيم تظاهرة سياسية جمعت فيها الآلاف من أنصارها في العاصمة التونسية تحت شعار مواجهة إصلاحات اجتماعية ينتظر أن يعلن عنها الرئيس الباجي قائد السبسي، الاثنين، في خطوة قال متابعون للشأن التونسي إن هدف النهضة من ورائها استعراض القوة والضغط لمنع تمرير الإصلاحات، واستثمار المشاعر الدينية في حملة سابقة لأوانها للانتخابات التشريعية والرئاسية 2019.

وتظاهر الآلاف من التونسيين، السبت، أمام مقر البرلمان وسط العاصمة، رفضا لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة التي شكلها الرئيس التونسي بغرض إعداد تقرير حول كل القضايا المتعلقة بالحريات الفردية والعامة.

ورفع المحتجون وهم أئمة وشخصيات منتمية إلى الأحزاب والجمعيات الإسلامية في تونس وفي مقدمتهم حركة النهضة الشريكة في الحكومة، شعارات مندّدة بالتقرير ومن بينها “تقرير اللجنة انقلاب على الدستور”، و”تغيير أحكام المواريث اعتداء على القرآن”، و”التقرير يكرّس الصراع الأيديولوجي”، و”شعب تونس حرّ.. والتقرير لن يمرّ”.

وألقى عدد من الإسلاميين المعروفين بمواقفهم المتشددة خطابات موجزة من أعلى منصة قبالة المحتجين دعوا فيها إلى التصدي للتقرير، حيث وصف المفتي السابق حمدة سعيّد أصحاب التقرير بـ”المتفسخة” وتساءل “أهم أعلم من الله؟ أهم أدرى بصلاح الكون والإنسان من الله؟”.

وهاجم فتحي العيوني الناشط الإسلامي ورئيس بلدية الكرم (شمال العاصمة تونس) والمدعوم من حركة النهضة التقرير بشدّة قائلا إنه “ينسف الدين الإسلامي في تونس ويضرب الدولة في مقوّماتها وتحديدا الدين”.

وأضاف في كلمة تجنّدت قناة الجزيرة القطرية لبثّها بصفة مباشرة أن الدستور أكد على تمسّك الشعب بتعاليم الإسلام وحماية المقدسات.

وكان نورالدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية في عهد حكومة “الترويكا” التي قادتها حركة النهضة بين 2011 و2014 من أهم الأسماء التي شاركت في الوقفة الاحتجاجية، وقد اعتبر في كلمته أن كل من خرج للتظاهر ضدّ تقرير اللجنة قد نال عملا صالحا يثاب على فعله.

ويعرض تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة مقاربة تشريعية للحسم في مسائل اجتماعية عالقة مثل المساواة في الإرث بين الجنسين وإلغاء مهر الزواج ومنح المرأة لقبها العائلي لأبنائها. وجوبهت المقاربة برفض من الإسلاميين وخاصة من قيادات في حركة النهضة.

وتنفي اللجنة المعدة للتقرير وجود تضارب بين الدين وما تطرحه من إصلاحات. وقال عضو اللجنة عبدالمجيد الشرفي إن “التقرير لا يتعارض مع الدين الإسلامي والنصوص القرآنية”، وإنما هو “مخالف لما هو موجود في كتب الفقه وهي كتب بشرية كتبت في أوضاع تاريخية معينة”.

وقد سبق التحضير للوقفة الاحتجاجية وفق المراقبين العديد من الخطابات التحريضية التي سوّق لها البعض من أئمة المساجد في خطب الجمعة.

ويقول مراقبون إن الهدف من الهجمة الواسعة على التقرير إثارة الشارع التونسي ضد الإصلاحات الاجتماعية التي تنوي تونس الإعلان عنها، الاثنين، بمناسبة يوم المرأة، لافتين إلى أن حركة النهضة التي تتهم بتحريك هذه الموجة من الاحتجاجات تهدف إلى تثبيت نفسها كوصية على الدين والمساجد والضغط على المؤسسات التشريعية بألا تفكر مستقبلا في تقديم أي مشاريع للتحديث والتطوير.

وأشار المراقبون إلى أن النهضة التي احتمت بالتوافق في الحكم ما مكنها من السيطرة على الانتخابات المحلية تسعى الآن لتسجيل نقاط إضافية تمكنها من مواصلة الهيمنة على المشهد السياسي والفوز في انتخابات 2019 من بوابة اللعب بالعواطف والمشاعر الدينية.

ووجهت العديد من الوجوه السياسية والحقوقية اتهامات لحركة النهضة بانتهاز الفرصة لإعادة لعب أوراق توظيف الإسلام والمساجد والأئمة لأغراض سياسية بحتة هدفها الإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية في عام 2019.

وقال فاضل عاشور الكاتب العام لنقابة الأئمة في تصريح لـ”العرب” إن الاحتجاجات التي تم تنظيمها قبالة مجلس نواب الشعب من قبل عدد من الأئمة لا تخرج في طياتها عن عمليات تجييش تُذكّرنا بسنوات التحريض والدعوات إلى الفتنة في أعوام 2012 و2013 خلال حكم حركة النهضة.

وأشار عاشور إلى أن التقرير اجتهاد من اللجنة، وأن الأئمة ليسوا مخولين شرعا وقانونا للاعتراض عليه أو السعي إلى إسقاطه، مشددا على أن مجلس نواب الشعب يمثل السلطة الوحيدة المخولة للمصادقة عليه أو إلغائه.

وأدان توظيف بعض الأئمة للقضية خلال خطب الجمعة التي سبقت الوقفة الاحتجاجية عبر بثّهم خطابات تكفيرية تبث الكراهية بين التونسيين رغم أن دستور البلاد حسم كل المسائل الخلافية المتعلقة بالهوية والحريات والمساواة.

من جهتها، استهجنت بشرى بلحاج حميدة رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة ما أسمته بمحاولات الترهيب والتكفير التي ينتهجها رافضو بنود التقرير.

وأكّدت بلحاج حميدة أنه من حقّ أي مواطن تونسي أن يحتج على أي شيء بما في ذلك فحوى التقرير لكن في حدود الضوابط السلمية والمدنية التي يضبطها القانون والدستور التونسي.

وحمّلت رئيسة اللجنة وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم كل ما حصل من حملات تكفير وتحريض ضدّها وضد أعضاء اللجنة وبعض المثقفين والإعلاميين المدافعين عن التقرير، متسائلة “لماذا لم يتحرّك الوزير، أليست المساجد تحت سيطرته وتحت سيطرة الدولة، لإنهاء هذه المهزلة التي تنذر بعودة خطابات ما بعد الثورة التي اجتاح فيها المتطرفون البلاد”.

كما تساءلت عن غياب أجهزة الدولة كالأمن والقضاء وخاصة حول البرود الذي تعاملت به مع حملات التكفير التي تم شنها ضد أعضاء اللجنة منذ نشر التقرير.

وأكّدت أن الكثير ممن يتظاهرون اليوم باسم الإسلام لم يطلعوا عن بنود التقرير الذي تمت صياغته بالتوافق بين أعضاء اللجنة المنتمين إلى حساسيات سياسية مختلفة بمن في ذلك الطرف الإسلامي.


عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية