طالبان في النرويج كما يليق بجماعة تنتسب إلى حضارة المستقبل

طالبان في النرويج كما يليق بجماعة تنتسب إلى حضارة المستقبل


09/02/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

إذا كان ثمّة مكان على الأرض يُضادّ كلّ ما تطمح طالبان إلى خلقه في أفغانستان، فقد يكون هو النّرويج. ومع ذلك، الأسبوع الماضي، وجد وفد كبير ورفيع المستوى للغاية من طالبان نفسه هناك، في أوسلو، يختتم مجموعة من الاجتماعات الّتي وصفها بأنّها "إنجاز".

 قال أمير خان متّقي، وزير الخارجيّة الأفغانيّ بالإنابة؛ إنّ طالبان "تشارك العالم المسرح للمرّة الأولى".

اقرأ أيضاً: قتلى وجرحى… تمرد إثني يضرب حركة طالبان لهذه الأسباب

حملت الاجتماعات سائر السّمات المميّزة للمحادثات رفيعة المستوى: نُقِلَت حركة طالبان على متن طائرة خاصّة، والتقت بمبعوثين من الولايات المتّحدة وفرنسا والمملكة المتّحدة وألمانيا والّنرويج والاتّحاد الأوروبيّ، لكنّ الغضب المنتشر بين الجمهور النّرويجي، وكذلك منظّمات حقوق الإنسان وجماعات الشّتات الأفغانيّ، مِن مَنح طالبان مثل هذه الكرامة والاحترام، يعني أنّه لا يمكن وصف الحدث بأنّه ليس أكثر من قمّة غير رسميّة.

ليس اعترافاً رسمياً

لقد بذلت كلّ دولة غربيّة مشارِكة جهدها للتّأكيد على أنّه ما من شيء في محادثات النّرويج يشكّل اعترافاً رسميّاً بحكومة طالبان.

من نواح كثيرة، هذه مخاوف سطحيّة؛ في تنظيم الاجتماعات واستضافتها، تتبع الحكومة النّرويجيّة أجندة عمليّة بالكامل، وكما يشير دبلوماسيّ نرويجيّ سابق، فإنّ النّرويج لا تعترف بحكومات، إنّها تعترف بدول، وقد اعترفت بأفغانستان منذ عقود، إنّ الفشل في التّحدّث إلى الحكومة الأفغانيّة الجديدة سيكون بمثابة فشل في الاعتراف بالواقع.

إنّ جلب طالبان إلى الطّاولة، والانخراط في قدر معيّن من الإطراء، ومشاهدة التّبجّح المبتهج للجماعة يكشف شيئاً ما: إلى أيّ مدى تريد بعض عناصر طالبان "مشاركة المسرح"

ومع ذلك، ذهبت الحكومات إلى قمّة النّرويج واعدةً جمهورها المحلّي وجماعات حقوق الإنسان بأنّها ستتواصل مع طالبان بمجموعة من المطالب، "مجموعة من المطالب الملموسة"، كما وصفها وزير الدّولة النّرويجيّ، هنريك ثون، وهي تشمل: احترام حقوق الإنسان، وحصول الجميع على التّعليم والرّعاية الصّحّيّة، والحقّ في العمل، وحرّيّة الحركة، وآليّة لتوزيع المساعدات مباشرة على المدنيّين الأفغان.

لماذا السفر للنرويج؟

إنّ الانتقاد الأكثر عدلاً للقمّة، أو بشكل أكثر دقّة "انتقاد خصومها"، هو أنّ هذه الفرضيّة العلنيّة للتّفاوض حول المطالب معيبة للغاية، من النّاحية المنطقيّة وكذلك الأخلاقيّة.

لم تكن طالبان في حاجة للسّفر إلى النّرويج لفهم مطالب الغرب؛ فالمطالب واضحة منذ شهور، وقد فشلت طالبان مراراً في الوفاء بها: حرمت الفتيات من الحقّ في التّعليم، ورفضت إشراك النّساء في الحكومة، وأبعدت الأقلّيّات العرقيّة والدّينيّة من الحكومة إلّا رمزيّاً، وقمعت وسائل الإعلام الأفغانيّة، وتسامحت مع مؤيّديها الذين ينفّذون حملة اقتصاص قاتلة ضدّ خصومها الأيديولوجيّين. في الواقع، كلّ هذا، وما تلاه من عدم قدرة معظم النّاس في العالم على تحمّل التّواجد في الغرفة نفسها مع طالبان، هو السّبب في عدم عقد قمّة مثل قمّة أوسلو في وقت قريب.

 

اقرأ أيضاً: 7 أسباب تثير مخاوف الغرب بعد عودة طالبان

وهذا هو السّبب، أيضاً، في رفض الولايات المتّحدة والدّول الأوروبيّة، التي تمتلك معاً ما يقرب من 10 مليارات دولار من أصول الحكومة الأفغانيّة في بنوكها، الإفراج عن هذه الأموال. في غضون ذلك، تواجه أفغانستان أشدّ أزمة إنسانيّة في تاريخها؛ فتسعة من كلّ عشرة أفغان يواجهون المجاعة، وبالكاد يوجد 100 دولار نقداً للفرد في الاقتصاد، وقد بدأ أسوأ جفاف شهدته البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومن ثمّ لا يمكن أن تكون حوافز طالبان للإصلاح أكبر.

الحجّة الغربيّة، التي قدّمتها الولايات المتّحدة بقوّة؛ هي أنّ احتياطيّات الدّولة الأفغانيّة تُشكّل نفوذاً جيّداً، وحجّة طالبان هي أنّ أيّاً من الإصلاحات لن يكون ممكناً بدون المال.

 

اقرأ أيضاً: هل تبخرت وعود طالبان للنساء الأفغانيات؟

 يفتقر كلا الموقفين للتماسك؛ لن تُكلّف معظم الإصلاحات أيّة أموال، ومن الواضح أنّ إستراتيجية المال بما هو نفوذ لا تعمل، والتموضع المستمرّ الذي يدفع كلا الموقفين، مع معرفته الكاملة بفشل منطقهما، بغيضاً أخلاقيّاً.

إذاً، هل كان الهدف من القمّة تكرار مجموعة من المطالب التي لن تقوم طالبان بتلبيتها، ممّا يؤدّي إلى تجويع مئات الآلاف من الأفغان في هذه العمليّة؟

الفوضى الحقيقية

ممّا لا يثير الدّهشة أنّه لم يتمّ التّوصل إلى نتائج ملموسة من اجتماعات النّرويج حتّى الآن. ومن غير المرجّح أن تظهر أيّة نتائج ملموسة في أيّ وقت قريب؛ وذلك لأنّ الواقع، الفوضى الحقيقيّة، في أفغانستان التي يريد منظّمو الاجتماع الاعتراف بها، وإصلاحها، يتطلّب شيئاً أعمق من مجرّد التّحدّث إلى طالبان؛ يتطلّب التّعرّف إلى طالبان.

 

اقرأ أيضاً: طالبان سيطرت على أفغانستان فهل تستطيع الاحتفاظ بالحكم؟

 إنّ جلب طالبان إلى الطّاولة، والانخراط في قدر معيّن من الإطراء، ومشاهدة التّبجّح المبتهج للجماعة يكشف شيئاً ما: إلى أيّ مدى تريد بعض عناصر طالبان "مشاركة المسرح"، على حدّ تعبير السيّد متّقي.

كما أنّه يتيح فرصاً لتشكيل إستراتيجيّات جديدة وأكثر فاعلية لاستغلال هذه العناصر وتحقيق نتائج فعليّة. من الواضح، على سبيل المثال، أنّ المال ليس السّبب في عدم تمكّن طالبان من التحاق الفتيات بالمدارس أو إشراك الأقلّيات في إدارتها؛ فهي تحشد بالفعل الموارد الّلازمة لتعليم الأولاد وتعيين أعضاء من مجموعتها الخاصّة. السّبب الحقيقيّ لعنادها هو الخلاف الموجود داخل صفوفها، المعارك بين البراغماتيّين والمتشدّدين.

إنّ التّعرّف إلى طالبان يفتح الباب أمام إيجاد طرق لدعم المجموعة الأولى على حساب الثّانية، لا سيما في هذه الأيّام الأولى، قبل فوات الأوان وتعزيز المتشدّدين لسلطتهم.

هذه هي الفوائد طويلة الأجل؛ هناك مردود محتمل آخر أكثر إلحاحاً من التّعرّف إلى حكومة طالبان بشكل أفضل، يمكن للمجتمع الدّولي أن يتوصّل إلى اتّفاق مع طالبان لتوجيه الأموال مباشرة إلى الأفغان، كما تريد الحكومة النّرويجيّة، بطريقة منهجيّة ومُرَاقَبة، وتُقلّل مخاطر سوء الاستخدام. من خلال قدر من الإبداع، يمكن ابتكار مثل هذه الآليّة؛ فقد تمّت تجربة أشياء أكثر تعقيداً في أفغانستان على مدار العشرين عاماً الماضية، وهذا من شأنه أن يسمح للغرب بالاحتفاظ ببعض السّيطرة على العمليّة، وأن ينقل أيضاً الدّيناميكيّة بين الغرب وأفغانستان بعيداً عن مقاربةٍ محصّلتها صفر.

يمكن لطالبان أن ترتكز على "إنجازها" النّرويجيّ، وأن تستسلم لدوافعها الأكثر تشدّداً، وأن تجد طرقاً لسرقة أيّة مساعدة تستطيع سرقتها، كما فعلت جماعات إرهابيّة كثيرة أخرى في المنطقة

كلّ هذا استثمار محفوف بالمخاطر وقتاً وجهداً ومالاً، فيمكن لطالبان أن ترتكز على "إنجازها" النّرويجيّ، وأن تستسلم لدوافعها الأكثر تشدّداً، وأن تجد طرقاً لسرقة أيّة مساعدة تستطيع سرقتها، كما فعلت جماعات إرهابيّة كثيرة أخرى في المنطقة، لكن لا توجد مخاطرة لم تُتّخذ من قبل، أو ثمن لم يُدفع بالفعل، كلّما طال الوضع في أفغانستان دون حلّ، ومن المرجّح أن تنجح الاستثمارات كلّما زادت المعلومات الّتي يمتلكها المستثمرون.

ومهما كان الجدل العامّ حول زيارة طالبان إلى النّرويج، ومهما كانت العدسات، وأيّاً كان ادّعاء المشاركين، فمن المرجّح أنّ الهدف من الاجتماع ليس تقديم مطالب، وإنّما هو من أجل التّعرّف إلى مَن هي طالبان، وبهذا المعنى، فقد كان بمثابة حفل تُفصح فيه طالبان عن نفسها بعد كلّ شيء.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سليمان حكيمي، ذي ناشونال، 1 شباط (فبراير) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/02/01/what-was-the-point-of-the-talibans-visit-to-norway/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية