
كشفت الحرب التي اندلعت في 15 نيسان (أبريل) 2023 عن نقص حاد في تأهيل الجيش للمتحاربين، ممّا دفعهما إلى الاستعانة بالمدنيين في صراعهما. ونتيجة لذلك انتشر السلاح بشكل كبير، وتفاقمت تجارته، وانتُهكت حقوق المدنيين على نطاق واسع، على أيدي أفراد غير مؤهلين لحمل السلاح.
ووفق تقرير لمنتدى الإعلام السوداني، فالضباط في الجيش السوداني، من الحاليين والمتقاعدين، تحدثوا بحماس عن ضعف تأهيل الجيش، وأجمعوا على أنّه كان وراء العديد من انتهاكات الحرب، خاصة بعد استعانة الجيش بالمدنيين غير المؤهلين، وتسليحهم في مناطق سكنية، ممّا ساهم في انتشار السلاح.
ويرى اللواء المتقاعد كمال إسماعيل أنّ "استعانة الجيش السوداني بالمدنيين في القتال، في حد ذاته، علامة ضعف كبيرة". ويشير إلى أنّ "تأسيس قوات الدعم السريع كجيش موازٍ هو نتيجة منطقية للإضعاف الذي تسبب فيه الإسلاميون للجيش."
وأشار ضباط آخرون عاصروا انقلاب 1989 بقيادة عمر البشير إلى أنّ تسييس قطاع الأمن كان مدخلاً أساسياً للضعف والفساد داخل الأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها الجيش. المقدم وليد عز الدين، الذي تمّ إبعاده عن الجيش لأسباب سياسية، يرى أنّه بعد انقلاب 1989 "عملوا على أسلمة الجيش، وأرادوا أن يحولوه إلى جيش رسالي جهادي إسلامي، وأجروا تغييراً في العقيدة القتالية، وبدلاً من أن يحمي الجيش الدستور والوطن، أصبح يحمي نظام الإسلاميين." ونتيجة لذلك أُهمل الجيش من حيث التدريب والمنهج والعقيدة القتالية.
ويشير الضباط إلى أنّ أول دفعة تم استيعابها في الكليّة الحربية بعد انقلاب الإسلاميين، وهي الدفعة (40) المعروفة بـ "حماة الدين"، تم قبولها عن طريق التنظيم الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين)، ومنذ ذلك الوقت تولى التنظيم زمام الجيش عبر هيئة الاستخبارات، كما يقول اللواء كمال إسماعيل.
ويتفق العديد من الخبراء العسكريين على أنّ تسييس الجيش من قبل الإخوان المسلمين كان له تأثيرات سلبية على مهنية الجيش واستعداده العسكري. وتجلت هذه الآثار في حرب 15 نيسان (أبريل) التي يقودها عدد من الضباط الإسلاميين.
وقال ضابط برتبة مقدم في الجيش السوداني: إنّ "أحوال الجنود السودانيين ليست بخير؛ رواتبهم ضعيفة، ولا تصل إليهم بانتظام"، مشيراً إلى أنّ "مهمات" الجنود من ملابس عسكرية ومُعينات تم إهمالها بعد اتفاق "سلام جوبا" في تشرين الأول (أكتوبر) 2020م. فمنذ العهد السابق للثورة دخلت إمدادات الجيش من الملابس في فساد كبير بعد أن عُهد بها إلى مصنع "سور"، وهو مصنع يملكه رجل الأعمال التركي "أوكتاي شعبان حسني"، الذي يتمتع بشراكات مع قادة نظام الحركة الإسلامية.
وبحسب مصدر في الجيش، فإنّ الفساد طال حتى شراء الأسلحة، ومنها صفقة مشهورة قام بها وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين عندما اشترى دبابات مستعملة على أنّها جديدة من بيلاروسيا، ولم يستطع الجيش استخدامها. كما انتشرت في أوساط الجيش ظاهرة "القوائم الوهمية"، وهي كشوفات مرتبات بأسماء جنود غير موجودين في الخدمة، وبعضهم من الموتى.
كتائب الجهادية الإسلامية، مثل كتيبة "البراء بن مالك"، وكتيبة "البنيان المرصوص"، وكتيبة "الفرقان"، يتم تدريبهم على يد الجماعات الإسلامية منذ وقت طويل في السودان.
وقال المصدر: إنّ "ضعف المرتبات وسوء التدريب تسببا في تسرب أعداد كبيرة من الجنود، كما أديا إلى نفور الشباب السودانيين من التجنيد والانخراط في الجيش، لافتاً الى أنّ متوسط أعمار الجنود في الجيش يزيد عن (35) عاماً، وهي أعمار غير قتالية.
وبحسب شهادة جندي أوكراني شارك في المعارك إلى جانب الجيش، نقلتها عنه صحيفة (وول ستريت جورنال): "لم يحصل الكثير من أفراد الجيش السوداني على رواتبهم منذ بدء القتال قبل أشهر، ممّا أدى إلى تراجع معنوياتهم، ولم يكن المقاتلون يرتدون علامات لإظهار الجانب الذي ينتمون إليه، وكانت النيران الصديقة تشكل تهديداً منتظماً."
وبحسب ضابط في الجيش، تأثر التدريب في الكلية الحربية السودانية في أعوام الإنقاذ، وخاصةً بعد اتفاق السلام في 2005م. وقال اللواء "مُعاش" عوض الكريم غرباوي: "تغيير العقيدة القتالية أثَّر على تدريب الضباط وتأهيلهم. في السابق كان الضابط يتلقى دورة في بريطانيا أو روسيا، اليوم لا يتلقى مثل هذه الدورات." وأشار إلى أنّ انخفاض الجرعة التدريبية في الكليّة الحربية، إلى جانب طبيعة الطلاب الحربيين المقبولين بالولاء السياسي، انعكس على كفاءة الضباط وانضباطهم العسكري، وقال: "ضابط برتبة مُلازم من تنظيم الإخوان المسلمين يمكن أن يأمر ضابطاً برتبة رائد ليس من التنظيم"، وقد انعكس كل ذلك على تدريب الجنود.
وأكد منتدى الإعلام أنّ من بين المجموعات المُشاركة في الحرب الدائرة الكتائب الجهادية الإسلامية، مثل كتيبة "البراء بن مالك"، وكتيبة "البنيان المرصوص"، وكتيبة "الفرقان"، وهؤلاء يتم تدريبهم على يد الجماعات الإسلامية منذ وقت طويل في السودان، ودائماً ما يكون التدريب على درجة من السرّية، إلى جانب قوات هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات، وتم حلها إثر تمرد القوة خلال الفترة الانتقالية، إلا أنّ أفرادها عادوا إلى العمل تحت إمرة الجيش، فيما يُعرف بـ "قوات العمل الخاص"، وهؤلاء حصلوا على تدريب قتالي عالٍ، ومعظمهم ينتمي إلى الإسلاميين، وإلى مؤيدين لحكم عمر البشير.
وقد درج الجيش على تسليح المدنيين والاستعانة بهم ضد الحركات المسلحة المُتمردة على السلطة المركزية في الخرطوم، لكنّه توسع بشكل كبير في تسليح المدنيين بعد الحرب التي اندلعت في 15 نيسان (أبريل) 2023م بينه وبين قوات الدعم السريع. وتزامن لجوء الجيش إلى هذه الاستراتيجية هذه المرة مع اتهامات للإسلاميين بإشعال الحرب لتعطيل التحول المدني، أدت إلى فوضى وانتشار واسع للسلاح، وتعميق الانقسام في المجتمع السوداني.
وكشفت مصادر أنّ كتائب الإسلاميين شاركت في الحرب منذ شهورها الأولى، وكان أول ظهور لهم في معسكر الاحتياطي المركزي بالخرطوم، ثم في معارك منطقة الشجرة العسكرية. ونعت الحركة الإسلامية رسمياً بعض شبابها الذين شاركوا في المعركة. وقال المصدر إنّ تنظيم الإسلاميين داخل جهاز الأمن والاستخبارات العسكرية والأمن الشعبي تولى التعبئة للاستنفار والمقاومة الشعبية.
وانضم عدد من الشباب الإسلاميين المدنيين إلى معسكرات الجيش في وادي سيدنا بأم درمان وسلاح المهندسين وسلاح المدرعات. وتولى عدد منهم تشغيل المسيَّرات القتالية بعد أن حصلوا على تدريب من خبراء أوكرانيين، وأعادوا تشكيل كتائب جهادية من بينها كتيبتا "البراء بن مالك" و"البنيان المرصوص"، وبقوا في معسكرات الجيش، ويتم تسليحهم ضمن الوحدات العسكرية.