صراع أجنحة وخلافات وملاحقات قضائية... "النهضة" التونسية في طريق مسدود

صراع أجنحة وخلافات وملاحقات قضائية... "النهضة" التونسية في طريق مسدود

صراع أجنحة وخلافات وملاحقات قضائية... "النهضة" التونسية في طريق مسدود


07/09/2023

كريمة دغراش

تواجه "حركة النهضة" التونسية منذ 25 تموز (يوليو) 2021 جملة من التحدّيات الذاتية والموضوعيّة. فرغم مرور أكثر من عامين على إبعادها عن السلطة لم تنجح في العودة إلى المشهد السياسي وفرض نفسها من جديد كمعادلة ثابتة، في وقت يهدّد صراع الأجنحة داخلها بنسف ما تبقّى من هياكلها. وتضيّق الملاحقات القضائية الخناق على قياداتها، وآخرها توقيف رئيسها الموقت ورئيس مجلسها للشورى.

وفي حين كانت "حركة النهضة" تعوّل الأحد الماضي على أعمال مجلس الشورى لإعادة ترتيب بيتها ووضع اللمسات الأخيرة قبل الإعلان عن تفاصيل مؤتمرها المقبل، احتلت تسريبات صوتيّة منسوبة لرئيس حزب "حركة النهضة" بالإنابة منذر الونيسي خلال الساعات الأخيرة، صدارة الأحداث السياسية، وكشفت حجم الأزمة التي يعيشها إسلاميو تونس قبل أن تؤدي إلى توقيفه.

صراع الأجنحة

وفي تسجيلات صوتية متداولة على نطاق واسع في الساعات الأخيرة، ظهر الونيسي وهو يتحدّث عن خلافات داخل الحركة، في مكالمات هاتفية مع صحافية تونسية مقيمة في الخارج.

وتسلّم الونيسي قبل أشهر رئاسة الحركة الإسلامية بعد توقيف أغلب قيادات الصفّ الأوّل في "حزب النهضة" وفي مقدّمهم رئيسها راشد الغنوشي.

ويقبع في السجن، منذ أشهر إضافة إلى الغنوشي، نائبه الأوّل ورئيس الحكومة الأسبق علّي العريض، ونائبه الثاني ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، وقيادات أخرى وازنة في شورى "النهضة" ومكتبها التنفيذي.

وكان الونيسي كشف الأسبوع الماضي في تصريحات لصحف محلية، أنّه سيجري خلال المؤتمر "انتخاب قيادة ومكتب تنفيذي جديدين للحركة"، مشيراً إلى إمكان ترشّحه لرئاستها.

ويُذكر أنّ الونيسي طبيب لم يكن يظهر إلى العلن قبل تعيينه "خليفةً بالإنابة" لزعيم الحركة التاريخي راشد الغنوشي.

وفي التسريبات الصوتية المنسوبة للونيسي، هاجم عائلة الغنوشي وقيادات الحركة، مشيراً إلى وجود فساد داخلها وتلقّي عدد من عناصرها تمويلات من الخارج، كما اتهم ابن الغنوشي وصهره بالسعي لقيادة الحركة من الخارج.

وكشف في التسجيل الصوتي المتداول على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، عن جملة من اللقاءات جمعته ببعض رجال الأعمال، كان هدفها بحث طرق استعادة الحزب الإسلامي لموقعه في المشهد السياسي.

وأكّد أنّ ثمة أطرافاً تسعى لتوريط الحزب من داخله، داعياً إلى القيام بمراجعات وإعادته إلى مساره الصحيح، بعيداً من الحسابات الشخصية. وأضاف: "هدفي هو كيفية المحافظة على مكانة النهضة التاريخية، لذلك يجب أن تتغيّر الحركة... أنا عندما أمسكت بقيادة الحركة تفطنت لأشياء غريبة وعجيبة... لو كنت أعرف ربع أو خمس ذلك لم أكن لأقبل بقيادة الحركة".

وهذه ليست المرّة الأولى التي تظهر فيها الصراعات بين أجنحة الحزب إلى العلن، لكن غالباً ما كانت تنحصر بين أنصار الغنوشي ومعارضيه، بينما يؤكّد العديد من المراقبين أنّها تحوّلت إلى صراع بشأن الموقف من السلطة الحاكمة ومسار 25 تموز (يوليو) وتحديداً العلاقة بالرئيس قيس سعيّد.

ووضعت تسريبات الونيسي في مواجهة الاتهامات بمحاولة الانقلاب على قيادات الحركة القابعة بالسجن، لإعادة ربط الصلة مع السلطة بدعوى القيام بمراجعات سياسية، وهو ما نفاه في فيديو نشره على حسابه الشخصي على "فايسبوك"، مجدّداً ولاءه لـ"شيخ الحركة".

ويقول المحلّل السياسي خليل الرقيق، إن ما كشف عنه الونيسي معلوم للجميع، مضيفاً في تصريح لـ"النهار العربي"، أنّ "الانشقاقات في صفوف الإسلاميين والتي دائماً ما كانت تتمحور على المصالح والأموال، ستسرّع بالإجهاز على ما تبقّى من هذا الحزب، الذي فقد حتّى تعاطف أنصاره معه، بعدما تأكّدوا من فشله حتى قبل الإطاحة به" في 25 تموز 2021.

مصير المؤتمر مجهول

ولا يُعرف مصير مؤتمر الحزب المقبل المؤجّل منذ أكثر من عامين، في ظلّ التطورات المتسارعة التي عاشت "النهضة" على وقعها في الساعات الأخيرة. إذ أعلن مجلس الشورى مرّة أخرى بعد انتشار التسجيلات الصوتية المسرّبة، عن تأجيله إلى أجل غير مسمّى، معلناً بذلك استمرار المرحلة الموقتة.

و"المؤتمر 11" للحركة هو من أبرز النقاط الخلافية داخل الحزب الإسلامي حتى قبيل 25 تموز 2021. ففي حين كان الغنوشي والجناح المساند له يتهرّبان من عقده بهدف إطالة رئاسته له، دفع معارضوه إلى التسريع بتحديد تاريخ له، أملاً في وضع نهاية لحقبة الغنوشي.

ويرى الرقيق أنّ المؤتمر المقبل للحزب ربّما لن يرى النور، موضحاً أنّه "دائماً ما كان سبباً في إثارة الشقاق داخل الحركة، لأنّه قد يطرح ملف مستقبل الحركة ما بعد الغنوشي، وهو ما لا تقبل به أطراف كثيرة في الداخل والخارج".

وفي عام 2021 أدّت الخلافات بسبب "المؤتمر 11" إلى استقالة عدد كبير من قيادات الحزب، بعضهم محسوب على الصفّ الأول اختاروا تكوين أحزاب أخرى مثل عبد اللطيف المكي.

بلا مقرّات

وتعمل القيادة الحالية لـ"حركة النهضة" من دون مقرّات، بعد غلق مقرّها المركزي في العاصمة منذ 18 نيسان (أبريل) الماضي وإخضاعها للتفتيش من السلطات.

ويطرح توقيف الرئيس الموقت للحزب منذر الونيسي ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني المزيد من التحدّيات على الحركة.

ولا يتوقّع أغلب المراقبين الإفراج عن الغنوشي وقيادات حزبه في القريب العاجل، بسبب طول الإجراءات القضائية وتعدّد التهم الموجّهة إليهم، ما يزيد الغموض بشأن مستقبل الحركة في ظلّ تواصل الملاحقات القضائية ضدّها وتوسّع دائرة الصراعات داخلها.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية