شهباز شريف والسعودية وإخوان باكستان: جدل العلاقات المتشابكة

شهباز شريف والسعودية وإخوان باكستان: جدل العلاقات المتشابكة


21/04/2022

في السادس عشر من نيسان (أبريل) الجاري، أجرى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، محادثة هاتفيّة مع رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، شهباز شريف، الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء المعزول بحكم قضائي، نواز شريف، وبحسب وكالة الأنباء السعودية، طمأن ولي العهد السعودي، رئيس الوزراء شهباز شريف، على دعم المملكة السعوديّة له، وتعاونها مع بلاده في جميع المجالات.

شهباز شريف بدوره، وجّه شكراً لولي العهد السعودي، في بيان صادر عن منزل رئيس الحكومة، و"تعهد بالعمل عن كثب مع السعودية، وتعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين".

هذا التحرك السعودي السريع، لدعم الحكومة الجديدة في باكستان، ربما يعكس نوعاً من الارتياح للإطاحة بحكومة عمران خان، لكنّه يطرح المزيد من التساؤلات، في ظل الروابط القويّة التي تربط بين أسرة شريف والسعودية من جهة، وبين الأولى والجماعة الإسلاميّة، الذراع الإخوانية في باكستان من جهة أخرى.

فمع وصول شهباز شريف، إلى رئاسة الحكومة في باكستان، إثر تنسيق كامل مع قوى المعارضة، وعلى رأسها الجماعة الإسلاميّة، تبدو خيوط اللعبة السياسيّة شديدة التعقيد، إثر دخول الممّلكة العربية السعوديّة على خط الدعم لرئيس الوزراء الجديد، شقيق رئيس الوزراء السابق، نواز شريف، الذي تربطه هو الآخر بالرياض وبالجماعة الإسلاميّة علاقات عميقة.

باكستان المجال الحيوي للسعوديّة

تُعد العلاقات الباكستانيّة السعوديّة، أحد أبرز الجسور، التي تربط المملكة بمجالها الحيوي الآسيوي؛ حيث تمثل باكستان العمق الاستراتيجي للمملكة في شبه القارة الهندية، وبالإضافة إلى الروابط الدينية، هناك روابط اقتصاديّة قوية، فالسعودية هي أكبر مصدر للنفط إلى باكستان، وتمثل العمالة الباكستانيّة أحد أبرز دعائم القوة العاملة في المملكة؛ حيث يُشكل الباكستانيون ثاني أكبر جالية وافدة في السعوديّة، بنحو مليوني وافد، حتى أنّ تحويلات هؤلاء تُعد المصدر الرئيسي للعملة الأجنبيّة في باكستان، وقد أسهمت المملكة في العام 2019، بنحو 20 مليار دولار؛ لتمويل المشاريع التنموية في باكستان، وفي 8 كانون الأول (ديسمبر) 2021، وقّع وزير التعليم والتكوين المهني الباكستاني، شفقت محمود، في الرياض، اتفاقيتين تتعلقان بتسهيل عملية تصدير العمالة الباكستانيّة إلى السعودية.

رئيس الوزراء السابق، نواز شريف

بالنسبة للباكستانيين، تمثل السعوديّة مركز الثقل الإسلامي، ومنذ تأسيس باكستان في العام 1947، أصبحت الروابط بين مؤسسات البنية الدينيّة الوهابية، وبين الدولة الباكستانيّة شديدة العمق، الأمر الذي تجلى بوضوح إبان الصراع الأفغاني السوفياتي، حيث كانت باكستان هي المحطة المركزية للجهاد الأفغاني، الذي كانت تدعمه منظمة التعاون الإسلامي، وعلى رأسها المملكة، والتي دعّمت أيضاً إسلام آباد خلال حروبها مع الهند، وأيدت موقفها من قضية كشمير، وكذا عارضت السعوديّة استقلال بنغلاديش في العام 1971، وربما أفضى كلّ هذا إلى زيادة الراوبط على مستوى الدولة العميقة في كلا البلدين.

 

يحيي الشبرقي: العلاقات السعوديّة الباكستانيّة، شهدت فتوراً في فترة حكم عمران خان، عندما اصطف الأخير مع نظام الملالي في إيران

 

  الكاتب والمحلل السياسي السعودي يحيى الشبرقي، خصّ "حفريات" بتصريحات، حول العلاقات الباكستانية السعوديّة، بدأها من حيث انتهاء الأحداث، في أعقاب تنحية عمران خان عن السلطة، لافتاً إلى أنّ أخطاء الأخير تسببت في سقوطه، وأنّه لم يكن مؤهلاً لإدارة البلاد، وأنّ شهرته فقط كلاعب كريكت، هي التي دفعت الجماهير نحو دعمه، كما أكّد أنّ العلاقات الباكستانية السعوديّة ضاربه في العمق، بحيث تشبه علاقة المملكة بمصر، فهي علاقات تعود إلى زمن الملك عبدالعزيز، وولي عهده الملك سعود، ولكنها تأصّلت وأصبحت أكثر قوة، وقد أسّست المملكة مركزاً إسلامياً ضخماً حمل اسم الملك فيصل في باكستان، بل وأصبحت باكستان عن طريق المملكة العربية السعوديّة، عضواً مؤثراً في منظمة الوحدة الإسلاميّة، ورابطة العالم الإسلامي.

ولفت الشبرقي، إلى أنّ العلاقات السعوديّة الباكستانيّة، شهدت فتوراً في فترة حكم عمران خان، عندما اصطف الأخير مع نظام الملالي في إيران، ما يعكس في رأي الكاتب السعودي نوعاً من عدم القدرة على اتخاذ خطوات سياسيّة واعية، ربما ظهر ذلك بشكل أكثر وضوحاً، حين فشل عمران خان في اتخاذ مسار دبلوماسي محايد، إبان الأزمة الأوكرانيّة، وأعلن دعمه لموسكو، بحسب الشبرقي.

الكاتب السعودي، قال إنّ الرياض "ابتهجت" بإبعاد عمران خان، مثمناً دعم ولي العهد لحكومة شهباز شريف، عبر اتصاله نيابة عن قيادته وشعبه، برئيس الوزراء الجديد، "رغبة في تصحيح المسار السياسي في باكستان، والتوجه نحو الطريق الصحيح، الذي يصب في مصلحة الشعب الباكستاني، والحفاظ على عاداته وتقاليده"، بحسب تعبير المصدر السعودي.

علاقات وروابط قديمة بين أسرة شريف والرياض

كان نواز شريف، رئيس حزب الرابطة الإسلاميّة الباكستانيّة السابق، ورئيس الوزراء الباكستاني، الذي خلع إثر انقلاب أطاح به في العام 1999، من أبرز الساسة الباكستانيين المرتبطين بالرياض، والتي اختارها كمنفى له عقب الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، قبل أن يعود من جديد إلى بلاده في العام 2007، بقرار من المحكمة الدستورية العليا، لينتخبه البرلمان الباكستاني في 4 حزيران (يونيو) العام 2013، رئيساً للوزراء للمرة الثالثة، إلى أن استقال في تمّوز (يوليو) العام 2017، إثر إدانته بتهم فساد، حُكم عليه على أثرها بالسجن لمدة 10 سنوات، في العام 2018.

ظلّت الروابط حميمة بين نواز شريف والرياض، وربما عكست الزيارة الرسميّة التي قام بها ولي العهد السعودي إلى باكستان، في أواخر آب (أغسطس) العام 2016، هذا التقارب الخاص، حيث جرى بحث القضايا الإقليميّة المشتركة، بما في ذلك العلاقات الثنائية، في قاعدة نور خان الجوية، ورحب وزير الدفاع، خواجة آصف، وغيره من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، ترحيباً حاراً بالأمير محمد بن سلمان، وبعد ذلك وصل ولي العهد إلى منزل رئيس الوزراء، حيث استقبله نواز شريف وأعضاء حكومته، وحضر هذه المناسبة، قادة القوات المسلحة، وجرى خلال اللقاء مع رئيس مجلس الوزراء، بحث القضايا الإقليميّة والعالمية، والعلاقات الثنائية، والتعاون الدفاعي، ومكافحة الإرهاب، والقضايا المتعلقة بالأمن القومي للمملكة العربية السعوديّة.

العلاقات السعوديّة الباكستانيّة، شهدت فتوراً في فترة حكم عمران خان

وقال رئيس الوزراء نواز شريف، خلال اللقاء، إنّ باكستان والمملكة العربية السعودية تربطهما علاقات وديّة عميقة، والصداقة بين البلدين صمدت أمام اختبار الزمن، وقال الأمير محمد بن سلمان، إنّ باكستان دولة مهمة في المنطقة، والصداقة بين البلدين تزداد قوة بمرور الوقت.

شريف قال إنّه في حال حصول أيّ تهديد لأمن السعودية، فإنّ باكستان سوف تقف إلى جانب المملكة، وجاء في بيان مقتضب صدر عقب الاجتماع، أنّه تم على تعزيز التعاون في مختلف المجالات. كما التقى الأمير محمد بن سلمان، أيضاً برئيس أركان الجيش، ودارت مناقشة قضايا الأمن الإقليمي، خاصّة في الشرق الأوسط، كما تم خلال اللقاء بحث العلاقات الدفاعية والثنائية.

الجماعة الإسلامية تدخل على خط العلاقات بين شريف والسعودية

في العام 2014، عقد أمير الجماعة الإسلاميّة، سراج الحق، اجتماعاً هاماً مع رئيس الوزراء نواز شريف، وبحسب رئيس مجلس الوزراء، قدّم أمير الجماعة الإسلاميّة، لرئيس الوزراء تحفظات على الاقتراحات التي قدمها عمران خان، النائب البرلماني، ورئيس حزب حركة الإنصاف آنذاك، إلى رئيس الوزراء، فيما أكد نواز شريف لسراج الحق أنّه سوف ينظر في هذه الاقتراحات.

وبهذه المناسبة، أعرب رئيس الوزراء نواز شريف، بحسب تقارير محليّة باكستانيّة، عن تقديره لجهود سراج الحق، في المشاركة في المشهد السياسي، وقال إنّ جهود الجماعة الإسلاميّة في مواجهة التوتر السياسي تستحق الثناء. وأضاف: "إنّنا نحترم تفويض القوى الديمقراطية، كما يجب على القوى الشعبية أن تحترم الديمقراطية، لأنّ حل جميع المشاكل لا يأتي إلا بالديمقراطية والحوار".

وربما تأتي الصلات القوية بين عائلة شريف، وبين قيادات الجماعة الإسلاميّة، من خلال نفوذ أسرة شريف في البنجاب، معقل الجماعة، وعليه اشتبك الطرفان في علاقات تحكمها المصلحة السياسيّة، وربما كذلك الاقتصاديّة.

العلاقات القوية ما بين نواز شريف والجماعة الإسلاميّة، انعكست كذلك على استراتيجيّة الجماعة تجاه السعوديّة، ففي نيسان (أبريل) العام 2017، وبحسب صحيفة "جيونيوز" الباكستانيّة، الناطقة باللغة المحليّة، قال أمير الجماعة الإسلاميّة، سراج الحق، إنّ الدفاع عن المملكة العربية السعودية، هو دفاع عن العالم الإسلامي، وأنّ باكستان لن تدخر جهداً، لبذل أيّ تضحيات من أجل حماية الأماكن المقدسة، وذلك في خطاب ألقاه في مسجد جامع المنصورة.

شهباز شريف يكمل مسيرة شقيقه

مع السقوط المدوّي لحكومة نواز شريف، تولّى شقيقه الأصغر شهباز شريف، قيادة حزب الرابطة الإسلاميّة، وكان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس وزراء إقليم البنجاب، فقام على الفور بمد خط العلاقات على استقامته مع المملكة السعودية، ودشن عقب أشهر قليلة من الإطاحة بشقيقه، زيارة إلى السعودية، التي وصلها في 28 كانون الأول (ديسمبر) العام 2017، وذلك بدعوة من ولي العهد، محمد بن سلمان، بحسب ما أعلن عنه المتحدث باسم حكومة البنجاب، مالك أحمد خان.

وخلال إقامته في المملكة العربية السعودية، ناقش شهباز شريف جملة من القضايا الثنائية، وتطرق الحديث إلى الوضع في الشرق الأوسط، وكذا الأوضاع في باكستان، حيث أشار المتحدث باسم حكومة البنجاب، إلى أنّ النقاش تطرق إلى ترشيح شهباز شريف لرئاسة الحكومة، لكنّه لم يخض في مزيد من التفاصيل.

 

أحمد فؤاد أنور: لقاء شهباز شريف بأمير الجماعة، سراج الحق، قبيل إسقاط حكومة عمران خان، هو من قبيل المناورة السياسيّة، لحشد المزيد من الحلفاء، في خطوة انتقالية محدودة

 

تقارير متعددة لفتت إلى أنّه وعلى الرغم من صعوبة وصول شهباز شريف إلى الحكم آنذاك، لكن الرياض كانت تنظر إلى المستقبل، إذا أصبح الشقيق الأصغر لنواز شريف، رئيساً للوزراء، فإنّ العلاقات بين باكستان والمملكة، سوف تكون أكثر قوة.

الدكتور أحمد فؤاد أنور، عضو مجلس الشؤون الخارجيّة، لفت إلى أنّ السعوديّة أبداً لم تكن ترتاح لحكومة عمران خان، والذي اتخذ مسارات مخالفة للترتيبات الإقليميّة، خاصّة في علاقته مع تركيا وإيران، لكنّ خان في الوقت نفسه تراجع تحت الضغط السعودي، في العام 2019، وانسحب من قمة كوالالمبور الإسلاميّة، بعد أن كان عازماً على حضورها.

أنور يرى، في تصريحه لـ "حفريات"، أنّ عمليّة إعداد شهباز شريف لرئاسة الحكومة، بدأت منذ سقوط شقيقه نواز، قبل نحو 5 أعوام، وأنّ تنسيقاً جرى مع المملكة السعوديّة، باعتبارها الصديق الأقرب لعائلة شريف، والحليف الإقليمي لباكستان في المنطقة.

وعن دور الجماعة الإسلاميّة، يرى عضو مجلس الشؤون الخارجية أنّ دورها يظل "محدوداً، حتى وإن كانت تحظى بدعم مؤسسي في الماضي، من بعض الهيئات الوهابيّة السعوديّة، فإنّ ذلك انتهى الآن"،  متابعاً "كما أنّ تحالفها مع شهباز شريف، هو مجرد مرحلة انتقاليّة، فهي سرعان ما سوف تنقلب على الحكومة الجديدة، أمّا لقاء شهباز شريف بأمير الجماعة، سراج الحق، قبيل إسقاط حكومة عمران خان، فهو من قبيل المناورة السياسيّة، لحشد المزيد من الحلفاء، في خطوة انتقالية محدودة، ذلك أنّ الجيش في باكستان، سوف يتدخل في الوقت المناسب، في حال تجاوز الإخوان الخطوط الحمراء".

مواضيع ذات صلة:

 الحرب الروسية الأوكرانية... هل بوسع باكستان والهند تحمّل البقاء على الحياد؟

كيف جرى التنسيق بين إخوان باكستان وشهباز شريف لإسقاط الحكومة؟ ما دور واشنطن؟

رئيس وزراء باكستان الجديد شهباز شريف يثمن دور الخليج... ماذا قال؟

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية