الحرب الروسية الأوكرانية... هل بوسع باكستان والهند تحمّل البقاء على الحياد؟

الحرب الروسية الأوكرانية... هل بوسع باكستان والهند تحمّل البقاء على الحياد؟


26/03/2022

مع أو ضدّ الحرب الروسية الأوكرانية، ربما يكون موقفاً محببّاً لدى المجتمع الدولي، أمّا الحياد، فهو موقف لا يحبّذه المجتمع الدولي الذي لطالما اتخذ "الحياد" سابقاً وسيلة للتهرب من مسؤولياته تجاه قضايا أكثر إلحاحاً وإيلاماً.

 ربّما تتعدى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية حدود الصدمة والكوارث الإنسانية، وتسفر عن "نظام عالمي جديد"، وإعادة رسم خريطة التحالفات العالمية الجديدة من خلال مؤيد ومعارض، أمّا المحايد، فموقعه على تلك الخريطة غير واضح. والإثنين الماضي أثار الرئيس الأمريكي جو بايدن ضجة خلال اجتماع لقادة الأعمال في البيت الأبيض، عندما ألمح إلى "نظام عالمي جديد" قادم في أعقاب أزمة أوكرانيا، وفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية وقناة "فوكس نيوز" الأمريكية.

اقرأ أيضاً: مجلس التعاون الخليجي يُعلق على الأزمة الروسية الأوكرانية.. هذا موقفه

 وفي قراءة تحليلية، رصد مركز الإمارات للسياسات المواقف السياسية للهند وباكستان تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، استناداً إلى الحسابات الاستراتيجية لكلٍّ منهما في البيئتين الإقليمية والدولية المتغيرة، والتداعيات المحتملة لموقفيهما من الأزمة.

  حياد وتوازن الهند

 في حين لم تتعرّض الهند مطلقاً لسيادة أو وحدة الأراضي الأوكرانية، امتنعت عن التصويت على قرار مُقدّم من الولايات المتحدة الأمريكية وألبانيا في 26 شباط (فبراير) الماضي لإدانة الغزو الروسي، داعية بدلاً من ذلك كافة الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، الموقف الذي اعتبر المركز الإماراتي أنّه يأتي حفاظاً على موقف حصري من نيودلهي تجاه "صديقتها القديمة" موسكو.

الحياد هو موقف لا يحبّذه المجتمع الدولي

 امتنعت الهند كذلك عن التصويت على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 آذار (مارس) الجاري، قبل أن تمتنع أيضاً عن التصويت لصالح قرار في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم غربية حول حدوث انتهاكات حقوق الإنسان في أوكرانيا. وفي المقابل، اتصل رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي بالرئيس الروسي بوتين هاتفياً، وعبَّر له عن رغبته في رؤية نهاية للعنف والعودة إلى الحوار، قبل أن يقول الشيء نفسه للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اتصال هاتفي.

  دوافع الهند

عزا مركز الإمارات للسياسات، في تقرير له، الموقف الهندي إلى تاريخ العلاقات الممتد بين نيودلهي وموسكو، حيث تشير السلطات الهندية عادةً إلى روسيا على أنّها "أقرب حليف جدير بالثقة"، والدولة التي لم تشهد معها أيّ أزمة أبداً، كما تنظر الهند إلى روسيا على أنّها دولة مستعدة دوماً لمساعدة نيودلهي على الساحة الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، حيث تصوّت موسكو لصالح نيودلهي في كثير من القرارات المتعلقة بالنزاع حول كشمير.

 

مركز الإمارات للسياسات: ليس بوسع نيودلهي تحمّل توقف خدمات الصيانة التي توفرها موسكو للأسلحة الهندية

 

 وأشار المركز إلى أنّ روسيا تُعدّ أكبر مورّد للسلاح إلى الهند، مضيفاً: "بالرغم من أنّ اعتماد الهند على روسيا ليس كبيراً كما كان في الماضي، غير أنّ نسبة 70% من أنظمة الجيش الهندي صناعة روسية."

 وبحسب "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، فقد أسهمت روسيا خلال الفترة 2016-2020 بنحو 50% من مشتريات الهند من السلاح، وبلغت قيمة صادرات روسيا من الأسلحة إلى الهند خلال تلك الفترة نحو (6.6) مليارات دولار.

اقرأ أيضاً: الإمارات تشارك في اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي.. وهذا ما أكدت عليه لحل الأزمة في أوكرانيا

 وتعتمد الأسلحة الـ(3) الرئيسة في القوات المسلحة الهندية (سلاح الجو، وسلاح البر، والبحرية) على روسيا كثيراً للحصول على الطائرات المقاتلة والدبابات والغواصات إلى جانب أسلحة أخرى، وتحظى نسبة كبيرة من أسلحة الهند بعمليات صيانة بمساعدة فنيين وشركات روسية.

 وفي الوقت الذي يمكن فيه للهند أن تتحمل إلى حدٍّ ما توقف مشتريات جديدة من الأسلحة الروسية، غير أنّه ليس بوسع نيودلهي تحمّل توقف خدمات الصيانة التي توفرها موسكو للأسلحة الهندية. وتُعَدّ أيضاً روسيا شريكاً استراتيجياً مُهمّاً بالنسبة إلى الهند في مجالات التكنولوجيا النووية والفضاء، وفقاً لتقرير المركز.

  ورأى التقرير أنّ الهند "لطالما استخدمت عدم الانحياز لعقلنة تردُّدها وعدم قدرتها على تبنِّي مواقف حاسمة حول قضايا الأمن الدولي الحساسة، كما هو الحال مع الأزمة الأوكرانية."

 انعكاسات الموقف الهندي

رأى المركز الإماراتي أنّه من المرجح أن يؤدي موقف الهند تجاه النزاع في أوكرانيا إلى إلحاق ضرر بسمعة نيودلهي حول العالم بوصفها دولة ديمقراطية، حيث "يؤدي عدم استعداد الهند إلى اتخاذ موقف صارم تجاه تصرفات روسيا إلى مزيد من التراجع في صورة الهند التي تعرَّضت للضرر أصلاً في عهد نظام مودي."

 وترغب نيودلهي في الانضمام إلى عضوية مجلس الأمن الدولي بصفة دائمة، في الوقت الذي تحتلّ فيه الآن العضوية غير الدائمة لغاية عام 2023. ويتعين على نيودلهي خلال هذه الفترة إظهار قدرتها على اتخاذ قرارات صعبة تسهم في تعزيز السلم والأمن العالميين.

اقرأ أيضاً: محللون يكشفون لـ "حفريات" أسباب حياد إسرائيل تجاه الحرب في أوكرانيا

 وقال المركز الإماراتي: إنّ "موقف نيودلهي الأخير لن يساعد في دعم قضيتها لتصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن، إضافة إلى احتمال المخاطرة بدعم واشنطن لها حول هذه المسألة"، مشيراً إلى أنّه "مع ترجيح غياب أيّ قرارات سياسية جوهرية في الغرب لمعاقبة الهند، مثل الحدّ من بعض الإمدادات العسكرية إلى الهند أو فرض تكاليف أخرى ملموسة على نيودلهي، فإنّه من المرجح أن تتمكن الهند من استيعاب الأضرار والاحتفاظ بعلاقتها مع روسيا بانتظار ظهور بيئة دولية مناسبة."

موقف نيودلهي الأخير لن يساعد في دعم قضيتها لتصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن

 ويُعَدُّ موقف الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، التصالحي والمتساهل تجاه الهند، حتى حول عدم إدانة روسيا، مقارنة بالموقف تجاه باكستان، مفهوماً لأسباب واضحة؛ ففي الشراكة الاستراتيجية فإنّ المودة الجديدة بين نيودلهي وواشنطن قادت إلى توقيع الاتفاقية النووية المدنية عام 2008، والتوافق على الاستراتيجية في منطقة الباسيفيك (المحيطان الهندي والهادي)، وتُشكِّل الهند جزءاً من "الحوار الأمني الرباعي" (كواد)، وفقاً للمركز.

 وتوقع التقرير "احتفاظ الهند بعلاقتها مع روسيا على نطاق واسع، بالرغم من التكاليف المتزايدة في مجال السُّمعة".

  مع أيّ معسكر تقف باكستان؟

موقف باكستان لم يختلف كثيراً عن موقف الهند، رغم اختلاف الحلفاء، إلّا أنّ إسلام أباد آثرت الحياد تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، فقد قال رئيس وزراء باكستان عمران خان صراحة: إنّ الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا حلفاء لبلاده، وأضاف: "لا ننتمي لأيّ معسكر، لأنّنا على الحياد، وسنسعى إلى العمل مع هذه الدول لوقف الحرب في أوكرانيا".

اقرأ أيضاً: كيف تؤثّر الحرب في أوكرانيا على الشرق الأوسط؟

 وتساءل المركز الإماراتي عمّا إذا كان بوسع دولة نامية مثل باكستان تحمّل البقاء على الحياد في ظلّ هذا الاستقطاب الروسي- الغربي الحاد، مشيراً إلى أنّها لم تسلم كذلك من محاولات الضغط الغربية، فقد تلقت الحكومة الباكستانية رسالة موقعة من مبعوثي دول الاتحاد الأوروبي في إسلام أباد من أجل إدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، غير أنّ خان خاطب هؤلاء المبعوثين بنبرة قاسية نادرة: "نحن لسنا عبيداً لكم"، مؤكداً أنّ بلاده "لن تدعم أيّ دولة في حالة حرب، إلّا أنّها ستدعم جهود استعادة السلام".

 باكستان في ورطة 

 باكستان، التي امتنعت كذلك عن أيّ قرار دولي يدين روسيا، تجد نفسها في موقف صعب للغاية، فزيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى روسيا، في اليوم نفسه الذي شنّ فيه الرئيس بوتين هجومه على أوكرانيا، وضع إسلام أباد في موقف حرج بسبب البُعد الرمزي لتلك الزيارة، وفي إثرها لا يُمكن لباكستان أن تُدين روسيا، ولا أن تدعم أوكرانيا علناً، على حدّ قول المركز الإماراتي.

موقف باكستان لم يختلف كثيراً عن موقف الهند

 وبينما اتسمت العلاقات بين باكستان وروسيا في الماضي بالخمول التام تقريباً، كان لزيارة رئيس الوزراء خان الأخيرة لروسيا أهمية قصوى لكسر الحواجز بين البلدين المُتباعدين، في الوقت نفسه، تتمتّع باكستان بعلاقات ودّية مع أوكرانيا، وخاصة في قطاع الدفاع.

 ورأى المركز أنّه "إذا قرّرت باكستان اتخاذ موقف ضدّ أوكرانيا لصالح روسيا، فسيؤثّر ذلك سلباً في التعاون الدفاعي بين باكستان وأوكرانيا"، إلّا أنّه أشار إلى أنّ إسلام أباد تطمح إلى إنشاء تعاون دفاعي أقوى مع روسيا، وخاصة بعد أن باعت موسكو نظام الدفاع الصاروخي من طراز "إس-400" إلى الهند، وفي حال أدانت باكستان روسيا وانحازت إلى الغرب، فإنّ تعافي العلاقات بين البلدين سيستغرق وقتاً طويلاً."

 

رئيس الوزراء الباكستاني: ما الذي كسبناه من دعمنا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، بخلاف فقدان (80) ألفاً من الأرواح وخسارة (150) مليار دولار؟

 

 واللافت للنظر أنّ نبرة الولايات المتحدة في انتقاد موقف باكستان كانت أشدّ وأكثر وضوحاً من موقفها تجاه الهند، فقد قال المتُحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "لقد أطلعنا حكومة باكستان على تأثير حرب روسيا غير المُبررة ضدّ أوكرانيا على الأمن الإقليمي والعالمي"، وكان هذا التصريح الأمريكي بمنزلة رسالة إلى إسلام أباد لإدانة روسيا، على حدّ وصف المركز الإماراتي.

اقرأ أيضاً: غلاء الأسعار عربياً: ظلال أزمة أوكرانيا أم جشع التجار؟

 وقال المركز: "لطالما عانت باكستان كثيراً نتيجة اتخاذ مواقف مُنحازة مع القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، فقد انحازت البلاد إلى الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة ضدّ التهديد الشيوعي وخلال غزو الاتحاد السوفييتي السابق لأفغانستان، وفي حقبة ما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) والحرب العالمية على الإرهاب. ومع ذلك، وخلال كلّ تلك الشراكات أو أوجه التعاون مع الولايات المتحدة، كانت باكستان هي الطرف الذي تكبّد خسائر أكثر من حيث القوات والموارد."

نبرة الولايات المتحدة في انتقاد موقف باكستان كانت أشدّ وأكثر وضوحاً من موقفها تجاه الهند

 وأشار إلى خطاب سابق لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان حين قال: "ما الذي كسبناه من دعمنا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، بخلاف فقدان (80) ألفاً من الأرواح وخسارة (150) مليار دولار؟ هل اعترف الناتو بتضحياتنا؟ هل كتب سفراء الاتحاد الأوروبي يوماً رسالة يشيدون فيها بجهودنا في أفغانستان؟ لا، بل تمّ إلقاء اللوم على باكستان في فشل الناتو في أفغانستان".

 وفي المُقابل، ظهرت الهند بوصفها "راكباً مجّانياً" خلال الحرب الباردة بأكملها، وحتى في حقبة ما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وهو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت نيودلهي قادرة على بناء وتطوير إمكاناتها من حيث الاقتصاد والدبلوماسية والقوة الناعمة، على حدّ قول المركز.

اقرأ أيضاً: في خضم أزمة أوكرانيا... هل تعيد الجزائر تشغيل خط "المغرب العربي- أوروبا"؟

 وتُعدّ أفغانستان عاملاً آخر وراء الموقف المُحايد لإسلام أباد بشأن الصراع بين أوكرانيا وروسيا، فالقرار باتخاذ موقف مُحايد في الصراع في أوكرانيا خلق مساحة للحوار الروسي- الباكستاني بشأن أفغانستان وغيرها من قضايا الأمن الإقليمي.

  وتُعدّ آسيا الوسطى الفناء الخلفي الاستراتيجي لروسيا التي ما تزال لديها مخاوف من حكومة طالبان في كابُل، وبالنسبة إلى موسكو، يُمكن أن تنتقل الإيديولوجيات المتطرفة في أفغانستان إلى آسيا الوسطى، وتُحدث فوضى في المنطقة، لذلك فإنّ أمن واستقرار دول آسيا الوسطى، وخاصة أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقرغيزستان، تُمثّل مصلحة حيوية لموسكو.

اقرأ أيضاً: بيان غربي يُحذر من توابع عالمية واسعة لزلزال الحرب الروسية الأوكرانية... تفاصيل

 وترى باكستان أنّ الولايات المتحدة قد تخلّت عن أفغانستان والمنطقة، وفاقمت عدم الاستقرار من خلال تجميد الاحتياطيات المالية لأفغانستان المُقدّرة بـ(9) مليارات دولار أمريكي، وقد أدى ذلك إلى خلق فراغ كبير يُمكن أن تملأه القوى الإقليمية مثل الصين وروسيا. وبينما لا ترغب الصين في الانخراط في الالتزامات الأمنية في أفغانستان، وتُركّز بشكل أساسي على المُساعدات الإنسانية والتجارة معها بعد بناء بيئة مواتية، فإنّ روسيا تُعدّ أحد أكثر الخيارات العملية بالنسبة إلى إسلام أباد للمُشاركة في الالتزامات الأمنية في أفغانستان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية