في خضم أزمة أوكرانيا... هل تعيد الجزائر تشغيل خط "المغرب العربي- أوروبا"؟

في خضم أزمة أوكرانيا... هل تعيد الجزائر تشغيل خط "المغرب العربي- أوروبا"؟


20/03/2022

في خضم الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الكارثية على أسواق النفط والغاز الدولية، برزت الجزائر كواحدة من البدائل المتاحة لتعويض غياب الغاز الطبيعي الروسي في الأسواق الأوروبية.   

ودفعت الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ 24 شباط (فبراير) الدول الغربية إلى فرض عقوبات تاريخية على موسكو شملت قطاع الطاقة، لكنّ اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بنسبة 40% وضع زعماء التكتل في حيرة من أمرهم، بين التزامهم بالدفاع عن شريكهم الأوكراني، وبين حاجتهم للطاقة، ممّا دفعهم إلى البحث عن بدائل مؤقتة بشكل عاجل، ورسم خطط طويلة الأمد للتخلص من التعبية الطاقوية لروسيا.

تضغط واشنطن وبروكسل باتجاه إعادة تشغيل خط أنابيب غاز "المغرب العربي-أوروبا" الذي أوقفت الجزائر تشغيله في 31 تشرين الأول الماضي

وتحاول الدول الغربية، تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، الضغط على المنتجين من أجل ضخ كميات أكبر من الغاز والنفط لتثبيت العقوبات على روسيا دون الإضرار باقتصادات دول الاتحاد الأوروبي أو أمنها الطاقوي، حيث تُعدّ موسكو أكبر مصدر في العالم بـ(8) ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات المكررة الموجهة لبقية العالم.

وضمن هذا السياق، زارت نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان الجزائر في 10 آذار (مارس)، ضمن جولة قادتها أيضاً إلى إسبانيا والمغرب، حيث بحثت مع الرئيس عبد المجيد تبون التعاون في مجال الطاقة، والأزمة الأوكرانية والقضايا الإقليمية، وفقاً لإذاعة فرنسا الدولية "فرانس 24".

فيما تضغط واشنطن وبروكسل باتجاه إعادة تشغيل خط أنابيب غاز "المغرب العربي- أوروبا" الذي أوقفت الجزائر تشغيله في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 رداً على الأزمة الدبلوماسية المستعصية مع المغرب، نقلت "فرانس 24" عن آخرين قولهم: إنّ الجزائر لن تعيد تشغيل هذا الخط، على الأقلّ في ظل استمرار الأزمة مع الرباط.

وفي هذا السياق، صرّح المحلل السياسي فيصل مطاوي ومراسل إذاعة مونت كارلو الدولية: "من المستبعد أن تعيد الجزائر فتح خط أنابيب الغاز المتجه نحو إسبانيا عبر المغرب بسبب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، في ظل التجاذبات الحالية، ومنها ملف الصحراء الغربية، وتطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل، لا أعتقد أنّ الجزائر ستتراجع، لأنّ مواقفها الدبلوماسية تبقى دائماً ثابتة".

وأضاف مطاوي: "هناك أنبوبان للغاز يتجهان نحو أوروبا؛ أحدهما مباشر بين الجزائر وإسبانيا، وهناك أنبوب ثانٍ يمرّ عبر الأراضي التونسية نحو إيطاليا. نسجل هنا زيارة وزير خارجية إيطاليا للجزائر لبحث موضوع الغاز والعلاقات الطاقوية، إضافة إلى زيارة وزير خارجية سلوفينيا الدولة التي تعتمد بنسبة أكثر من 90% على الغاز الروسي، وتمّ الحديث عن شراكة في مجال الطاقة والغاز. الجزائر تصرّ على أنّها ستبقى شريكاً موثوقاً به لأوروبا في موضوع الطاقة".

موقف الجزائر من هذه الضغوط

رجح مطاوي أن ترفع الجزائر "كميات الغاز المميع المصدرة إلى دول الاتحاد الأوروبي عن طريق البواخر، لأنّ المسافة بين الجزائر وأوروبا ليست بعيدة مثلما هو الشأن بالنسبة إلى أمريكا"، مؤكداً أنّ قرار رفض إعادة تشغيل خط الغاز العابر للمغرب يرتبط بكون أنّ "الجزائر لا تخشى من أيّ غضب سواء كان روسيّاً أو أمريكيّاً. الجزائر تحافظ على علاقاتها مع كل الدول، ولا تخضع لأيّ ضغوط."

من المستبعد أن تعيد الجزائر فتح خط أنابيب الغاز المتجه نحو إسبانيا عبر المغرب بسبب الأزمة الدبلوماسية مع الرباط

من جهته، قال المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث، في تصريح لـ"فرانس24": إنّ "الجزائر تضمن لأوروبا 30% من احتياجاتها من الغاز، حيث تحتل إيطاليا المرتبة الأولى بنسبة 60%،  ثم إسبانيا بـنسبة 20%، وفرنسا 12%، والبرتغال 6%، وتأتي سلوفينيا في المركز الخامس بنسبة 1%. تحتل الجزائر المركز الــ11عالمياً من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي التقليدي والمقدرة بحوالي (159) تريليون قدم مكعب، وتملك احتياطيات مؤكدة من البترول التقليدي بحوالي (12,2) مليار برميل، من بينها (3,9) مليارات برميل في حقل حاسي مسعود".

وتابع بلغيث: "في ظل الحرب الروسية الأوكرانية طرأت مشكلة التزام الدول المنتجة للنفط والغاز ومنها الجزائر وإيران وقطر (بحصصها أو ضخ كميات إضافية استجابة للطلب الأمريكي)، والمعروف في العلاقات السياسية والاقتصادية أنّ هنالك التزامات واتفاقيات بين الدول".

ضغوط كبيرة على الجزائر

وحول مسألة الضغوط على الجزائر، قال بلغيث: "تخضع الجزائر لضغوط كبيرة نتيجة لقربها جغرافيّاً من أوروبا، وبحكم أنّ كلفة الغاز الجزائري أقلّ بكثير من كلفة الغاز القطري أو حتى الأمريكي، وهي بذلك ستكون الأقرب لمعادلة كلفة الغاز الروسي".

وأضاف المصدر نفسه: "من حيث الحراك الدولي، يمكن لحدّ الساعة أن نرصد مؤشرين اثنين؛ الأوّل ظهر بشكل مبكر مع اشتداد التفاوض بين مدريد والجزائر حول تأمين تدفق الغاز الجزائري، والثاني تزامن مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، بعد أن قام وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بزيارة للجزائر في نهاية شهر شباط (فبراير)، في سياق تنويع الشركاء الذين يزوّدون روما بإمدادات الطاقة، وتخفيض نسبة الاعتماد على الغاز الروسي، لأنّ الجزائر تغطي ما يقارب كما قلنا في حدود 11% من حاجة أوروبا للغاز، الذي قد يعوّض بعض ما تستورده أوروبا من الغاز الروسي، ويُعتبر الغاز الجزائري الأقلّ كلفة بين دول العالم المصدرة للغاز: قطر، وإيران، وفنزويلا".

وبالنسبة إلى موضوع خط الأنابيب العابر للمغرب، قال بلغيث: "تبقى مسألة السيادة واضحة في التجاذبات بين أوروبا: زيارة وزيرة الخارجية الإيطالي والاتصالات الدبلوماسية الأمريكية كلها تحرج الجزائر للتخلي عن مبادئها تجاه أصدقائها من جهة، ومن جهة أخرى التزاماتها تجاه شركائها ومنهم روسيا".

 وقال بلغيث أيضاً: "لهذا لا يبدو ممكناً في القريب العاجل إعادة فتح خط الأنابيب المغاربي-الأوروبي المار بالمغرب نتيجة للظروف التي مرت بها العلاقات المغربية الجزائرية والتي وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية. الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح هذه العوائق، وفي السياسة والاقتصاد لا توجد قطيعة، لكن يبدو أنّ الطرف الجزائري يتحرج كثيراً من التدخل فيما يراه مسألة سيادية".

 وكانت الجزائر قد قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في نهاية آب (أغسطس) 2021، بسبب "أعمال عدائية" من جانب المملكة، وهو قرار اعتبرته الرباط "غير مبرر تماماً". وتفاقمت الأزمة خاصة إثر التطبيع المغربي الإسرائيلي، برعاية أمريكية مقابل اعتراف الولايات المتحدة بـ"سيادة" المغرب على الصحراء الغربية. وقررت في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وقف ضخ الغاز عبر خط أنابيب "المغرب العربي- أوروبا" الذي يمرّ عبر الأراضي المغربية، ومن ثم وقف العلاقة التجارية مع المملكة وعدم تجديد عقد الغاز معها، بسبب ما وصفته الرئاسة الجزائرية في حينه "ممارسات ذات طابع عدواني من المملكة المغربية تجاه الجزائر، تمسّ بالوحدة الوطنية".

 وباتت إمدادات الغاز الجزائري لإسبانيا مقتصرة على أنبوب الغاز البحري ميدغاز الذي دخل الخدمة في 2011، ويعمل بما يقترب من طاقته القصوى البالغة (8) مليارات متر مكعب سنوياً، إلى جانب مجمعات تحويل الغاز الطبيعي المسال. وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أوضح أنّه تم التوصل إلى اتفاق مع مدريد لنقل الغاز بالسفن في حال حدوث أيّ مشكلة. وتصدّر الجزائر منذ 1996 نحو (10) مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً إلى إسبانيا والبرتغال عبر خط أنابيب الغاز هذا.

الصفحة الرئيسية