شهادة أمني داعشي تائب

شهادة أمني داعشي تائب

شهادة أمني داعشي تائب


28/01/2024

كثيرة هي الكتيبات والأبحاث التي خرجت مؤخراً من قادة منشقين عن تنظيم داعش، وأهمها على الإطلاق (سلطان باريشا، وأقوال أهلها فيها، وسقوط الخرافة، منهج الدولة صنم العجوة لأبي عيسى المصري، وكفوا الأيادي لأبي محمد الهاشمي، نقد ونصيحة لأبي عبد الرحمن الزرقاوي، نصائح سرية أرسلت لأمراء الدولة لأبي جندل الحائلي)، وغيرها، إلا أنّ (شهادة أمني تائب لأبي مسلم العراقي) هي الأفضل على الإطلاق في توصيف حالة القتل العشوائي، والمجازر التي نصبت للآمنين، وسفك الدماء، وتوسيع دائرة القتل بقواعد التكفير.

القتل بالهوية والوظيفة المهنية

يقول أبو مسلم العراقي في شهادته: أنا لست بشيخ ولا بطالب علم، لكنّني كنت هناك مع "داعش"... شاهدت بعيني، ولمست بيدي، وما أقوله ليست رواية سمعتها، أو نقلتها، بل هي واقع معاش رأيته، وها أنذا وبعد أعوام طوال ظَلمت فيها وظُلمت، أعود تائباً منصاعاً لأوامر الله، كاشفاً عن تلك التجربة المريرة، وماذا فعل التنظيم.

كثيرة هي الحكايات والروايات التي حملها كتاب أبي مسلم العراقي، لكنّها غير كافية لفضح ما فعله تنظيم داعش من جرائم وحشية فاقت كل حدود الخيال، ليس في معارضيه فقط، بل في أتباعه أيضاً

 

يروي أبو مسلم العراقي أنّ القتل لدى "داعش" كان أنواعاً كثيرة، إلا أنّ محصلته النهائية هي تعميم التكفير والتخلص من المناوئين والمعارضين لهم بأيّ شكل من الأشكال، ومن هذا القتل بالوظيفة المهنية، والقتل بالهوية، ويدلل على ذلك بقوله: حينما احتلّ تنظيم داعش مدينة البوكمال السورية ثم مدينة القائم العراقية، ألقى القبض على الكثير من رجال الشرطة والجيش، وفرت عناصر كثيرة جداً، وتدخل رجال العشائر للوساطة وعدم قتل المئات من الفارين والهاربين، ووافق التنظيم، وألقى البغدادي كلمة قبل فيها استتابة تلك العناصر إن قاموا بتسليم سلاحهم والتزموا بقوانين الدولة وبايعوا خليفتها، وهذا ما حصل بالفعل؛ فقد سلموا أنفسهم وبايع المئات منهم البغدادي، لكنّهم بعد أيام فقط غدر التنظيم بهم بحجج واهية، مثل أنّهم أملوا عناوينهم خطأ، وهذا نقض للاستتابة، أو أنّهم عثروا على أسلحة في منازلهم، وقاموا بذبحهم جميعاً في مذبحة أو "مجزرة المستتابين".

🎞

ويضيف: من المعلوم أنّ البغدادي استتاب الجيوش في تسجيل صوتي، بعنوان "وليمكنن لهم دينهم"، في شهر رمضان الموافق 7 آب (أغسطس) 2011 م، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، وكان (العدناني) يكرر هذا النداء كثيراً، ويجدد هذه الدعوات في تسجيلات عدة، واستجاب لتلك الدعوة كثيرون؛ فجاء كثير من رجال الشرطة تائبين في العراق والشام، لكن فوجئوا بغدر دولته بهم، واقتياد شرائح عديدة منهم إلى السجون، وقتلهم ردَّة، وأخذ أموالهم بعدما جاؤوا تائبين قبل القدرة عليهم، وسلَّموا أسلحتهم، وجلسوا في بيوتهم.

يدلل أبو مسلم العراقي في كتابه "شهادة أمني تائب" على ما جرى بوثيقة حصل عليها من أرشيفهم قالوا فيها: يا أهل الأنبار عودوا إلى دياركم، وعودوا لأهلكم، عودوا لبيوتكم، واستجابة من أمير المؤمنين لمناشدة شيوخ العشائر ووجهائها؛ فإنّنا نعطيكم فرصة أخيرة، وندعوكم للتوبة من جديد ومن غير استثناء، ولن نشترط عليكم سوى تسليم سلاحكم.

ويتابع "الأمني التائب" بقوله: أخبرني إخوة من مسؤولي الديوان أنّ "الحاج عبد الله" -سيتولى فيما بعد رئاسة التنظيم عقب مقتل أبي بكر البغدادي-مسؤول اللجنة المفوضة بهذا الوقت، قتل أحد المستتابين؛ وجريمته أنّهم وجدوا في بيته سلاحاً، واعتبر أنّ المستتاب إن وُجِد بحوزته سلاح بعد استتابته تعتبر توبته منقوضة!، وأنّه من يوجد في بيته سلاح، أو ضُبط متلبساً بأيّ جريمة بعد توبته، أو غيِّر رقم هاتفه، أو غيِّر محل إقامته بغير علم الجهات الأمنية، وغير ذلك من الشروط، فإنّ توبته منقوصة لاغية، وكُفّر عليها وقُتل...، لقد أصدروا أمراً وتعميماً إلى القواطع بإجبار كل تائب من الشرطة (فقط) -فالتائبون من الجيش لا يشملهم هذا التعميم والقرار- بأن يشتري مسدساً من التجار ويجلبه للتنظيم، وإلا اعتبرت توبته ناقصة، ومن ثم أودع السجن! بل والأدهى كانت تتم تصفية أيّ مسلم خارج من الموصل، وعُلق كثير منهم على أعمدة الكهرباء، واعترف أنّ عائلة قُتلت أمامي بالكامل.

يروي أبو مسلم العراقي أنّ القتل لدى "داعش" كان أنواعاً كثيرة، إلا أنّ محصلته النهائية هي تعميم التكفير والتخلص من المناوئين والمعارضين لهم بأيّ شكل من الأشكال، ومن هذا القتل بالوظيفة المهنية، والقتل بالهوية

 

ويصف ما ورد عن المجزرة قائلاً: إنّني استمعت إلى شهادة (أبي سيف العراقي)، وهذا نصها: قبل نحو أكثر من عام صدر أمر عن طريق المساجد، أي دعوة للاستتابة؛ لغرض تدقيق موقف أعداد كبيرة من جميع المناطق فقاموا بتسليم أنفسهم إلى الولاية "الفرات"، وعندها تم اعتقال هذه الأعداد الكبيرة بمكاتب الأمن، وكل معتقل يتم سؤاله عن أبنائه، وسكنه إلخ. وتم تقسيمهم؛ القسم الأول تمّ قتلهم، ولم تأخذهم بهم لومة لائم، بحجة أدلة بنقض التوبة، وهي تهم ثابتة دائماً، والقسم الآخر مشتبه بهم يبقون قيد التحقيق لحين التأكد من موقفهم، وهم نسبة قليلة، وقسم ثالث: لم يثبت ضدهم شيء، وسيتم إخلاء سبيلهم وإطلاق سراحهم، وهم نسبة كبيرة، لكن فوجئنا أنّهم جميعاً تم قتلهم.

الإجبار على العمليات الانتحارية

لم تكن العمليات الانتحارية وفق شهادة الأمني الداعشي التائب هي بإرادة أعضاء التنظيم في أحيان كثيرة، فإمّا أنّهم كانوا حينما يستقبلونهم في المضافات يختبرون صدقية انتمائهم عن طريق دعوات الانغماس والانتحار، أو يدفعونهم دفعاً لذلك، وإلا اعتبروا أنّهم مخالفون للسمع والطاعة والبيعة، ويروي على ذلك أنّه في 2016 م طلب أبو مريم الجبوري من عضو "داعش" أبي يعقوب عملية انغماسية؛ فرفض قائلاً له إنّ الأمر لا يتطلب ذلك، لكنّهم أجبروه وكانت المواد المتفجرة في الحزام من المواد السيئة؛ فلم ينسف سوى الانغماسي، كما أنّه تم تشكيل مفرزة وكنتُ أنا أحد أفرادها، وذهبنا إلى قرية (كوجو) حيث يوجد فيها الإيزيدية، وجلبنا منها عائلة مكونة من (7) بنات مع أبيهم وأمهم وإخوانهم؛ فقلنا لهم: "أنتم حسن إسلامكم؛ فلذلك جاء الأمر بإرجاعكم إلى منزلكم في قرية (قابوسية)؛ ففرحوا فرحا شديداً، والذي رفع السماء بلا عمد عندما قمنا بأخذهم لإيصالهم إلى القرية كان أبناؤهم في المسجد، وخرج إلينا أحدهم وكتاب التوحيد بيده، وعندما أوصلناهم إلى منزلهم القديم في قرية قابوسية أخذنا بناتهم بالقوة منهم، وتم توزيعهن على أصحاب الاتفاق الذين جاؤوا بالأمر من الحاج معتز التركماني"، وبعد أشهر  وصلت شكوى للقضاء على أبي مريم الجبوري، فسحب هو ، وأبو عائشة الجبوري للمحكمة، وسئلوا: لماذا فعلتم ما فعلتم ؟ فقالوا: بأمر من حجي معتز التركماني؛ فأخرجوهم من السجن دون محاسبة.

ويدلل أبو مسلم العراقي طوال الوقت على أنّ السجون كانت مليئة بالمئات من الفصائل الأخرى، ومن التنظيم ذاته، ومن المنشقين، من النساء والرجال، وكان التعذيب بها في أقبية تحت الأرض، وكهوف لا تدخلها أشعة الشمس وتكثر فيها الرطوبة، وكانوا يمارسون شتى أنواع الاغتصاب الوحشي، ليس فقط لأعداء التنظيم، بل لأتباعه، ومفتييه المعارضين، وأيضاً للنساء اللاتي رفضن الزواج من أعضاء الخلايا المسلحة، وبينهن أجنبيات من أوروبا.

يقول: لقد حدثني ـ والله ـ واحد أمني من المهاجرين للتنظيم أنّه قتل في سجون الأمنيين على يد الجبار الطاغية أبي لقمان نحو (700) أخ، أغلبهم من تونس، ولو تحدثنا عن إجرامه لبلغ ذلك مجلداً أو أكثر، وكل هذا تحت عيون القادة حجي عبد الناصر، وحجي عبد الله، والأغرب هو التعذيب بأمور تقشعر لها الأبدان، ومن اقتحام البيوت الآمنة في منتصف الليل، وعدم مراعاة حرمة النساء.

ويروي الأمني التائب عن مأساة لصبي عذبوه حتى يقرّ على نفسه بالفاحشة ليقتلوه، وهو لم يفعل، ولكنّه فعل ذلك لهول ما رآه من سجون التنظيم وأبي لقمان، وأبي الغيث البعداني الذي طلب السفر لعلاج شرائح بيده فرفضوا، ولما أصر طلبوا منه ان يقاتل معهم أعضاء القاعدة فأبى فكفروه وسجنوه في صندوق حديدي متر في متر، وكان يعاني من الحرارة طوال النهار، ويضربونه كل يوم في الساعة الخامسة، ثم سلطوا عليه بعض الكلاب لتنهش في جسده.

كثيرة هي الحكايات والروايات التي حملها كتاب أبي مسلم العراقي، لكنّها غير كافية لفضح ما فعله تنظيم داعش من جرائم وحشية فاقت كل حدود الخيال، ليس في معارضيه فقط، بل في أتباعه أيضاً، وهو ما يعطي أهمية لهذه الشهادة، كونها يمكن أن تدفع آخرين للكتابة، ورواية ما كان يجري داخل التنظيم المتوحش.

مواضيع ذات صلة:

ما بعد الطوفان... خطوط التوافق والتصدع بين حماس والقاعدة وداعش

الخطر الإرهابي المرعب.. هكذا يستخدم "داعش" الذكاء الاصطناعي

محطات الإرهاب كما توثقها "موسوعة العذاب"... إلى داعش والخميني




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية