ما بعد الطوفان... خطوط التوافق والتصدع بين حماس والقاعدة وداعش

ما بعد الطوفان... خطوط التوافق والتصدع بين حماس والقاعدة وداعش

ما بعد الطوفان... خطوط التوافق والتصدع بين حماس والقاعدة وداعش


24/01/2024

اتضح عقب اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر( الماضي أنّ ثمّة توافقات واختلافات وتباينات تصل إلى حد التضاد أحياناً بين مواقف كلٍّ من حماس وتنظيمي داعش والقاعدة، ولكي نفهم المواقف السياسية والاستراتيجية للحركة والتنظيمين على الأرض يجب أن نعرف ذلك بكل وضوح.

التوافق بين الحركة والتنظيمين

تعود نشأة حماس إلى إيديولوجية الإخوان، ويتقاطع ذلك مع القاعدة وداعش، التي تعود نشأة قادتها المؤسسين أسامة بن لادن والظواهري وأبي حفص المصري وأبي عبيدة البنشيري وغيرهم، إلى النشأة التاريخية نفسها، وهو ما أثّر إيديولوجياً فيما بعد على تعاطيهم جميعاً مع مجمل القضايا، فكلها حركات وضعت في أهدافها إنشاء دولة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية الغائبة من وجهة نظرهم، رغم أنّ حماس سنحت لها فرصة تطبيق ذلك على الأرض بعد حكمها غزة، فرأت عملياً أنّ تحقيق ذلك غير واقعي، ولم تقدم على أيّ خطوة في سبيل ذلك، وهو ما عرّضها لانتقادات داخلية، بل خروج تنظيمات عنها مثل جند الإسلام وجيش الإسلام وغيرها.

ولا جدل أنّ كلّاً من الحركة والتنظيمين يتفقون على أنّ إسرائيل دولة محتلة لأراضي المسلمين ومغتصبة لها، لكنّ الاختلاف فقط في عملية التحرير، وهل يمكن القبول بدولة على أراضي 67، وهو ما قبلته حماس في تعديل ميثاقها، ويرفضه التنظيمان بشكل قاطع. 

جدول التوافق

وترى حركة حماس أنّ إسرائيل دولة صهيونية تم تأسيسها في مؤامرة غربية على المسلمين، وأنّ مدنييها محاربون ويجوز استهدافهم في كامل الأراضي الفلسطينية من النهر إلى البحر حال توافق ذلك مع رؤية قادتها السياسيين وعدم استهدافهم خارجياً، فيما يتوافق التنظيمان معها فيما سبق دون الاستهداف الخارجي الذي يوجبه كل من داعش والقاعدة على المطلق. 

وترفض حماس التطبيع، لكنّها تتوقف فيه حال سُمح لها بإقامة دولتها، فيما يرفضه تنظيما القاعدة وداعش، ويريانه خطة دولية ضد القضية الفلسطينية والمسلمين جميعاً، إلا أنّهم يتفقون في وجوب تحرير المسجد الأقصى.

التصدّع بين الحركة والتنظيمين 

يختلف كلٌّ من حركة حماس والتنظيمين داعش والقاعدة، إذ ترى الأولى أنّها حركة مقاومة، وأنّها تمثل الإسلاميين في حربهم مع الصهيونية، وأنّ أجندتها فلسطينية محلية خاصة، بينما يرى تنظيما القاعدة وداعش أنّ كلاً منهما تنظيم سلفي جهادي ممثل عن الجهادية العالمية، وأنّهما يسعيان لإقامة الخلافة الإسلامية، التي ستكون فلسطين جزءاً منها، وأنّهما الوحيدان الممثلان للحق التاريخي في فلسطين الآن، بعد أن انحرف علماء الأمة وحكامها.

تعود نشأة حماس إلى إيديولوجية الإخوان، ويتقاطع ذلك مع القاعدة وداعش، التي تعود نشأة قادتها المؤسسين أسامة بن لادن والظواهري وأبي حفص المصري وأبي عبيدة البنشيري وغيرهم، إلى النشأة التاريخية نفسها

يرى تنظيما القاعدة وداعش أنّ قضية فلسطين فرصة غير مسبوقة للتجنيد والانتشار والتواصل مع عموم المسلمين، وأنّ هذا الوقت هو الأنسب للتعبير عن رأيهم، تحت دعاوى الجهاد وتوحيد المسلمين وردة حكام العرب، وفشل حماس، بينما ترى الأخيرة أنّ ما يجري هو فرصة سياسية للضغط وتحقيق مكاسب سياسية محلية كبرى للتحرر من الاحتلال.

وتعتبر حماس أنّ التعاون مع إيران مشروع، ورغم التباين داخل الحركة في هذه المسألة والتي اتضحت في الأزمة السورية، ووقوفها طبيعياً مثل جماعتها الأم (الإخوان) ضد نظام بشار الأسد، إلا أنّها عادت فيما بعد إلى الحظيرة الإيرانية بشكل كامل، حيث ترى أنّه لا مشكلة في التعاون وتلقي الدعم من المحور الإيراني، وعلى رأسه حزب الله، أمّا تنظيم القاعدة، فهو أيضاً لديه اتهام بالتنسيق مع إيران، وتسكين بعض قياداته بطهران، وإيمان بعض قادته المؤسسين ومنهم سيف العدل أنّه يجوز التنسيق مع الدولة الشيعية، إلا أنّ ذلك مثار جدل داخلي بالتنظيم، ومقاومة لسيطرة سيف العدل الذي أصبح أداة إيرانية، لكنّ سطوة الإيديولوجيا التكفيرية تجعل تنظيم داعش يرى أنّ الشيعة على العموم مرتدون، لا يجوز التعاون ولا التقارب مع دولتهم الإيرانية وفصائلها. 

جدول التصدع

ولا مشكلة لدى حماس في الإيمان بالديمقراطية وجواز العمل الحزبي، إلا أنّ ذلك كان بشكل إجرائي للوصول إلى السلطة، وقد ظهر ذلك بشكل مؤكد في الانقلاب الذي قادته للسيطرة على قطاع غزة، أمّا تنظيما القاعدة وداعش، فلا يؤمنان بالديمقراطية من الأساس، ويرى تنظيم القاعدة كفريتها دون الحكم على المعين، أمّا داعش، فهو يكفّر دون إقامة الحجة البالغة على العموم من يؤمنون بها وإجراءاتها، ويكفّر حماس بسبب هذا الشأن.

المواقف بين حماس والتنظيمين ما بعد الطوفان

بناء على تلك الخطوط السابقة من التوافق والتصدع بين الحركة والتنظيمين، ظهرت الأسباب التي أدت إلى مجابهة حماس لجيش الأمة وغيرها من الحركات القريبة من القاعدة أو داعش، ولماذا كانت تصرفات التنظيمين عقب 7 تشرين الأول (أكتوبر) والطوفان.

وتأكيداً لهذه المواقف السابقة، أصدر داعش بعد أسبوعين من عملية "طوفان الأقصى" مرئياً من إنتاج مؤسسة (البتار) الإعلامية، بعنوان "يا أهل فِلِسطين، هذا هو الحَلُّ الوحيد"، اعتبر فيه أنّ الجهاد هو الطريق الأوحد لتحرير فلسطين، وأنّه لا يجوز شرعاً خلف فصائل مرتدة، يقصد (حماس). 

وكنهجه اعتبر أنّ كل الفصائل التي تحارب في قطاع غزة، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، هي منحرفة عن الطريق القويم للعقيدة الإسلامية.

وأعاد تنظيم داعش رفع إصدار بعنوان: صنم القضية الفلسطينية، تحدث فيه عن حكام إيران، وتركيا، ودول الخليج، ومصر، وقال: إن أطعتموهم، فإنكم لمشركون، وإنّ القضية الفلسطينية أصبحت مثل صنم يُعبد من دون الله، وإنّ المعادلة الحقيقية لتحرير الأرض هي تشكيل جيوش إسلامية جديدة، وإنّ إعلان الخلافة جاء وفق هذه الخطة، ليواجه دعاوى الانتصار لقطعة أرض، بل الانتصار للدين ذاته، داعياً لمهاجمة سفارات إسرائيل.

وفي العدد (413) من صحيفة (النبأ) التي صدرت في 19 تشرين الأول (أكتوبر)، خصص تنظيم (داعش) الافتتاحية لأحداث غزة، حذّر فيها من التركيز على فلسطين فقط، داعياً إلى توجيه الضربات لكل التحالف الدولي.

أمّا تنظيم القاعدة، ففي 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، نشر بياناً رسمياً من قيادتها العامة من خلال "مؤسسة السحاب الإعلامية"، أعربت فيه عن دعمها للعملية دون الإشارة إلى حماس، ودعت المسلمين إلى الانتفاض وحمل السلاح، ودعت إلى مهاجمة الأهداف الأمريكية.  

جدول مواقف ما بعد الطوفان

وأصدر سيف العدل رسالة باسم (سالم الشريف)، ثم أصدرت (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بياناً مشتركاً، من أجل تقديم الدعم المالي للفصائل في غزة، واعتبرت حركة الشباب بالصومال، وحراس الدين بسوريا، أنّ غارات إسرائيل لا تختلف عن غارات أمريكا والنظام السوري.

الخلاصة؛ أنّه رغم التوافقات المحدودة بين الحركة والتنظيمين، فإنّ هناك تباينات حادة، ومع المعاناة الإنسانية الخطيرة بين المدنيين في غزة، الذين يتعرضون بشكل يومي للقصف الإسرائيلي، ومع هيمنة داعش والقاعدة على الفضاء الإلكتروني، ومجموعات (تيليغرام)، وصفحات مواقع التواصل، فإنّه من المحتمل أن يجد تنظيما داعش والقاعدة موطئ قدم في الأراضي الفلسطينية.

مواضيع ذات صلة:

الدفعة الخامسة من "أطفال غزة" تصل إلى الإمارات... تفاصيل

استهداف السفارة الأمريكية في العراق... وحكومة السوداني تُعلق




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية