سليمان البيوضي: حكومة الدبيبة بلا مشروع... والأفق أمامها مسدود

سليمان البيوضي: حكومة الدبيبة بلا مشروع... والأفق أمامها مسدود

سليمان البيوضي: حكومة الدبيبة بلا مشروع... والأفق أمامها مسدود


01/07/2025

أجرى الحوار: رامي شفيق

في ظل التعقيدات المتزايدة التي تحيط بالشأن الليبي، ووسط تصاعد الأسئلة حول أدوار الفاعلين المحليين والإقليميين، بدت مدينة طرابلس من جديد كساحة اختبار للتوازنات العسكرية والسياسية، في وقت تتصاعد فيه مؤشرات الاحتقان الاجتماعي والانقسام الجهوي. وبينما يحاول عبد الحميد الدبيبة تمديد بقائه في السلطة عبر تحالفات أمنية مرنة ومواقف متناقضة، تبدو علامات الاستفهام حول مستقبل الجماعات المسلحة، ومسار توحيدها، وارتباط ذلك بمستقبل البلاد وتنظيم عمل مؤسساته الأمنية والعسكرية.

في هذا الحوار، يقدّم سليمان البيوضي قراءة واعية وناقدة للمشهد العام في ليبيا، موضحًا الأسباب العميقة لفشل حكومة الوحدة الوطنية، وحقيقة ما يجري في طرابلس، وحدود الدور الدولي. ويتطرّق إلى مسار التجربة الحزبية في ليبيا، وأهمية أن تظل مدنية ديمقراطية دون توظيف للدين داخل العملية السياسية، ويؤكد البيوضي في السياق نفسه الحاجة إلى مشروع تنويري يُعيد صياغة الثقافة والنخبة في ليبيا.

نص الحوار:

لماذا تبدو الأزمة السياسية الليبية في أحد أوجهها كأنّها صراع خفي بين مدينتي مصراتة وطرابلس؟ وهل نحن أمام صراع يتسم بخلفيات النفوذ الجهوي؟ وهل يستفيد الدبيبة من هذا الوضع عبر تغذيته؟

 في تقديري، لا يوجد أيّ صراع من هذا النوع، نعم، حاولت حكومة الوحدة المنتهية الولاية ترويج ذلك، لكنّها فشلت واستوعب الجميع ذلك. لقد كان لزيارة المجلس البلدي وأعيان مصراتة وممثلي المعارضة السياسية لسوق الجمعة أثرٌ مباشر في إنهاء التضليل والتدليس الذي مارسته الحكومة. أمّا الدبيبة فقد شن الحرب في العاصمة بقوات مختلطة من طرابلس والزنتان ومصراتة. الحرب كانت محاولة لمنع صدور مخرجات اللجنة الاستشارية. وبعد اجتماع برلين باتت الأمور أكثر وضوحًا دوليًا. إطلاق جولة جديدة من الحرب أمر متوقع، لكنّه يتضاءل يومًا بعد يوم. النزعة الجهوية وتوريط المدينتين في وحل الدم والحقد فشلت تمامًا.

كيف تفسرون صعود محمود حمزة وقوة اللواء 444، في مقابل تراجع الدور النسبي لقوات الردع وعبد الرؤوف كارة؟ هل هناك قرار سياسي أو إقليمي يدفع في هذا الاتجاه؟

 المشهد الأمني والعسكري دائمًا مرتبك. حالات الصعود والهبوط فيه مرتبطة بمزاج عام داخلي، وبالخطاب الإعلامي والتسويق الدعائي. لا أملك فهمًا دقيقًا للتراتبية العسكرية، فأنا مدني. لكن أعتقد أنّ الهياكل الأمنية ما تزال فاعلة رغم كل التغيرات، وحتى بعد اغتيال عبد الغني الككلي. على مستوى الحواضن المجتمعية، هناك تفاوت، والمواقف لا تتضح إلا في أوقات العنف. في ليبيا نقول: "الأرض تُحامي عن أهلها" ـ أي إنّ من يلتف حوله مجتمعه المحلي هو المنتصر في النهاية.

هل تعتقد أنّ المظاهرات ضد حكومة الوحدة الوطنية والدبيبة شخصيًا قادرة على زحزحته من منصبه قبل التوافق الدولي وربما المحلي أيضًا؟

 المظاهرات هي الوسيلة السلمية الوحيدة لإيصال صوت الجماهير. وقد كان لها تأثير واضح، فهي من دفعت نحو صدور مخرجات اللجنة الاستشارية وسرّعت من العملية السياسية داخليًا وخارجيًا. اجتماع "برلين 3" بعد (4) أعوام من التوقف كان نتيجة لذلك. هناك اليوم حالة دولية مختلفة أكثر استعدادًا للاستجابة. ليبيا بحاجة إلى توافق دولي وإقليمي ومحلي. فالمستقبل في الشراكة والتضامن، وليبيا بثرواتها يجب أن تكون مستقرة وآمنة في محيطها المتوسطي.

يتبنى تيار دار الإفتاء رؤية الحكومة ويطلق آراء شرعية وظيفية ضد جهاز الردع وسجن معيتيقة. بتقديرك، ما مستقبل هذا الصراع؟

هل فعلًا تمتلك الحكومة رؤية؟ خبر جيد لليبيين إن كانت كذلك! في الواقع، الحكومة لا تملك رؤية أو مشروعًا. هي فقط تلعب على المتناقضات. أحيانًا نراها دينية متشددة، وأحيانًا حداثية منفتحة تستضيف مشاهير الفن. هي حكومة تعرف كيف توظّف المال لتحقيق مصالحها. نحن بحاجة إلى مشروع تنويري يعيد إحياء الثقافة في ليبيا ويعيد تشكيل النخبة. وليس أمام الحكومة إلا المغادرة؛ لأنّها فقدت أسباب البقاء وتحالفاتها الوظيفية غير قادرة على حماية بقائها، لأنّ الأمر مرتبط بوعي المجتمعات المحلية. فكرة السيطرة بقوة السلاح خيار عبثي وانتحار سياسي. أمّا مسألة الدعم العلني لحكومة الدبيبة من دار الإفتاء، فهو ليس سرًا، بل هو أمر معلن عبر كل المنابر، والأمر يرتبط بالاجتهاد في اختيار الحاكم ليحقق مقاصد الشريعة بتجنب الظلم والفساد وضمان الاستقرار وتحقيق التنمية. ولعل العلماء وجدوا في حكومة الوحدة ما يحقق هذه المقاصد، فاختاروا دعمها، وإن كانت الشروط لا تنطبق عليها.

هناك من يرى أنّ دار الإفتاء وتيارها لعبا دورًا خفيًا في إعادة توزيع التوازنات داخل طرابلس، خاصة من خلال دعم قوة 444. ما تقييمك لهذا الرأي؟

 لا شيء يتغير فجأة في ليبيا. لا أحد يملك القدرة على التحكم الكامل بالمسار. هناك أزمة شرعية ومشروعية، وهناك ما أسمّيه "التصاقًا مجتمعيًا"، وهو المؤثر الأهم في ديناميكيات الحواضن الشعبية. وطرابلس تعيش وضعًا استثنائيًا منذ 12 أيار (مايو) 2025، فالمعطيات وخرائط النفوذ تغيرت، والأهم المزاج الشعبي الذي يرى تبعات الاشتباكات وتغيّر موازين القوى، ودخول تشكيلات مسلحة للعاصمة بعد غياب طويل. عادت العاصمة إلى المربعات الآمنة وغير الآمنة، ومن دون شك هناك طرف يتحمّل المسؤولية، وهو الحكومة، وبالتالي سينسحب على داعميها ما ينسحب عليها، وهو ما يجب أن نضعه في دائرة التقييم والتوقع.

هل ترى أنّ حزب العدالة والبناء، رغم تراجعه الظاهري، ما يزال يمتلك أدوات تأثير فعالة في المعادلة الأمنية والسياسية في طرابلس؟ وكيف يتحرك هذا الحزب في ظل الصراع بين الأجهزة؟

 للأسف، رغم تطلّع الليبيين إلى تجربة ديمقراطية حزبية، فشلت الطبقة السياسية. هناك نخب حقيقية، لكنّها لم تستطع أن تكون فاعلة. اليوم، كل طرف عاد إلى أدواته الخاصة، سرًا وعلنًا. لديّ أمل أن نصل يومًا ما إلى ممارسة سياسية حزبية ناضجة وديمقراطية، ولكي يتحقق ذلك ينبغي أن تكون التجربة الحزبية في ليبيا بعيدة تمامًا عن استخدام الدين وتوظيفه في الشأن العام.

هل هناك نية حقيقية لكم نحو الانخراط في أيّ انتخابات قادمة وعملية سياسية؟ وكيف تنظرون إلى موقف المجتمع الدولي من إعادة التوازن داخل طرابلس؟ وهل هناك ضوء أخضر لقوة 444 لمصادرة نفوذ الردع في إطار "تفكيك ناعم"؟

اليوم، هناك حاجة لمنع انزلاق البلاد في أتون حرب مدمرة، وهو واجب وطني وأخلاقي على كل محب للسلام وداعم له، وعليه أن يتحرّك حسب إمكانيته في سبيل ذلك. فخدمة ليبيا يمكن أن تكون من أيّ موقع، ولا تحتاج عملية سياسية، بل إرادة وعزيمة لتحقيق الآمال، واستيعاب حقيقي لثقافة الشراكة والاحتواء للجميع دون تمييز لأجل المستقبل وديمومة الاستقرار والسلام.

الموقف الدولي واضح في رفضه للحرب في العاصمة، ودعم تثبيت وقف إطلاق النار ومخرجات اللجنة الاستشارية. لا يوجد دعم لطرف دون آخر. ما قام به الدبيبة كان خطوة غير محسوبة. المجتمع الدولي يدرك أنّ حكومة جديدة ممثلة للجميع هي السبيل للمضي قُدمًا. الدبيبة جاء باتفاق دولي، وسيغادر باتفاق دولي، خاصة مع شبه إجماع محلي على ضرورة رحيله. وبالنظر إلى قرار المجلس الرئاسي بتكليف آمر جديد لقوة الدعم والاستقرار بعد اغتيال عبد الغني الككلي من قبل قوات الحكومة، يمكن القول إنّ القوى الفاعلية محليًا وإقليميًا ودوليًا لم تقبل محاولة المساس بمعادلات الأمن والتوازن التي حاول ويحاول الدبيبة المساس بها. ووجب التنويه بأنّ قرارًا كهذا لم يكن ليتخذه المجلس الرئاسي دون إجماع محلي ودولي. ومن المؤكد أنّه اتُخذ بعيدًا عن عبد الحميد الدبيبة وبمعزل عنه، ولذا فإنّ الخطوة التي بادر بها الدبيبة وتشكيلاته أدت إلى تفكيكه. فالحرب ومحاولة إعادة تخريط التوازنات دفعته للانتحار السياسي، وأفقدته الزخم والدعم محليًا ودوليًا، وفتحت النقاش العلني عن آلية اختيار بديل له لإعادة تصحيح الوضع في ليبيا وإنهاء الفوضى والعبث.

كلمة أخيرة ينبغي ألّا أكتمها:

إنّ المستقبل في ليبيا للسلام والاستقرار والانفتاح على العالم، وتعزيز التواصل والشراكة مع دول الجوار ودول حوض المتوسط. في ليبيا هناك أجيال جديدة تتطلّع للحداثة والتطور وتريد مواكبة الحضارة. لذا، فإنّ هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ويجب إنهاؤه بمعركة تحديث وتنوير فكري وثقافي يعزز قيم الإنسانية والعلم والمعرفة في مواجهة ضرورية ومؤجلة مع قوى ظلامية راديكالية متطرفة تريد إغراق ليبيا في ثقافة الموت والجهل والمرض والفقر، وتعزيز الاستبداد كفتوى أو كرأي مكتوب بحبر الدم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية