
وصلت المجاعة في قطاع غزة إلى مرحلة خطيرة بعد نفاد المخزون الغذائي من الأسواق والمحال التجارية، في وقت تصعد فيه إسرائيل من حصارها على السكان، من خلال استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع والسلع بكافة أنواعها، وأصبح الوضع أكثر صعوبة بعد توقف عمل المخابز في كافة مناطق القطاع التي يعتمد عليها غالبية السكان في ظل صعوبة تحضير الخبز لعدم توفر الكهرباء والغاز.
وقد توقف قبل أسابيع قليلة عمل المخابز في قطاع غزة، وكان هذا التوقف باكورة إعلان دخول غزة في مجاعة خطيرة، وذلك بعد أن أعلنت منظمة الأغذية العالمية، وهي الجهة المسؤولة عن تشغيل المخابز وتزويدها بالطحين والسولار، عن نفاد مخازنها من الطحين وإغلاق المخابز، وعلى إثر هذا التوقف بدأ المواطنون بالبحث عن أكياس الطحين الذي شهدت أسعاره ارتفاعًا كبيرًا، وذلك تحسبًا لتعرّضهم للجوع واستمرار أمد المعاناة لفترة أطول.
ومنذ الثاني من آذار (مارس) الماضي بدأت إسرائيل بالتنصل من اتفاق التهدئة مع حركة حماس وإغلاق المعابر، وحرمان السكان من الحصول على الغذاء والدواء والماء، ولم تكتفِ بذلك، بل نسفت وقف إطلاق النار بشنّ هجوم مفاجئ منتصف الشهر ذاته، وما زالت تواصل عمليات القتل والإبادة والتجويع ضد السكان في غزة الذين خرجوا لأول مرة منذ اندلاع الحرب مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ضد حماس للمطالبة بوقف الحرب.
تعمّد التجويع
مؤسسات حقوقية وإغاثية دولية حذرت من خطورة تشديد إسرائيل حصارها على قطاع غزة، في ظل انتشار الجوع والعطش والأمراض بين الغزيين، لا سيّما سوء التغذية، وزادت حدة الأمور مع إغلاق جميع المخابز وتوقفها عن إنتاج الخبز، وهذا ما زاد من خطورة الأوضاع. وقد حذرت منظمة الأغذية العالمية من خطورة توقف عملها بعد نفاد مخزونها من الطحين والمساعدات الغذائية نتيجة إغلاق المعابر، وأدانت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" استمرار الجيش الإسرائيلي ارتكاب المجازر بحق المدنيين في غزة، وتعمّد تجويع وتعطيش المواطنين ، بعد نفاد المخزون من المواد التموينية وقطع خطوط المياه عن القطاع.
وقال مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا: إنّ معظم الجمعيات والمنظمات الإغاثية في غزة توقفت عن تقديم الدعم الغذائي لأكثر من مليون ونصف مليون مواطن يعيشون ظروفًا قاسية، ويرجع هذا إلى تعمّد الاحتلال الإسرائيلي تأزيم أوضاع المواطنين بإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات، وأشار الشوا خلال تصريحات صحفية إلى أنّ الأزمة بدأت تظهر مع توقف العشرات من التكايا الخيرية التي تقدم الطعام يوميًا للفقراء، ومع إغلاق أبوابها حُرم مليون مواطن يعتمدون على التكايا من الحصول على الغذاء يوميًا.
تداعيات نقص الغذاء بدأت تظهر على المواطنين من خلال التهافت على البحث عن السلع الغذائية من معلبات وطحين وبقوليات لسدّ جوع أطفالهم، وزاد ذلك مع توقف المخابز التي كانت تقدم الخبز المدعم بأسعار مخفضة، فلم يعد هناك سلع وبضائع كافية في الأسواق، ويومًا بعد يوم تشحّ المواد الغذائية، ويزداد خوف المواطنين من استمرار المعاناة، وعدم تمكنهم من توفير الطعام.
معلبات فقط
في سوق الصحابة وسط مدينة غزة، حيث كان يعج هذا السوق الذي أنشئ حديثا خلال الحرب لبيع السلع التموينية وغير ذلك من السلع، وفيه أصناف كثيرة من المواد الغذائية والتموينية وبأسعار مناسبة، كان يحرص المواطنون على شراء احتياجاتهم من هذا السوق الشعبي، لكن منذ إغلاق الاحتلال معابر غزة بدأت تشح السلع، وما تبقى منها سوى بعض المعلبات التي تحتوي على لحوم حمراء وبيضاء وأسماك التونة والسردين التي ارتفعت أسعارها، وبدأ المواطنون يجدون صعوبة في توفير مستلزماتهم.
ويعتمد أكثر من مليون مواطن في غزة، لا سيّما الذين نزحوا، بشكل أكبر على الطعام الذي تقدمة التكايا الخيرية إلى جانب المساعدات الغذائية التي توفرها المنظمات الإغاثية المختلفة، إلى جانب المبادرات الفردية التي يقدمها رجال أعمال من وجبات طعام ومياه شرب وغير ذلك من المساعدات، لكنّ كل هذه المبادرات والمساعدات توقفت مع إغلاق المعابر وشح المستودعات من البضائع.
وضع خطير
يقول المواطن مفلح الصادي: "اعتدت منذ بداية الحرب على توفير الطعام لأسرتي من التكيات الخيرية، لكنّ هذه التكيات توقفت عن العمل، وبدأت على إثر ذلك أشعر بالجوع والخطر الشديد على حياتي وحياة أفراد أسرتي، بعد أن وصلت إلى وضع يصعب فيه توفير لقمة الطعام، وتوقف المؤسسات الخيرية والإغاثية عن تقديم المساعدات الغذائية".
وأشار في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "إسرائيل تحارب السكان في غزة بلقمة العيش والتجويع كسياسة ضغط بعد فشل الخيار العسكري، وهذه السياسة الظالمة أثرت علينا كمواطنين نعاني من حصار مشدد وموت بطيء؛ نتيجة نفاد الغذاء وتوقف المشاريع الخيرية التي كانت تشكل طوق نجاة لمئات الآلاف من المواطنين".
وبيّن المواطن مفلح أنّه "يعاني من هزال دائم في جسده، وصعوبة أداء مهامه اليومية، نتيجة سوء التغذية وعدم حصوله على الغذاء السليم، كونه وغالبية المواطنين يعتمدون منذ فترة طويلة على اللحوم والخضروات المعلبة، نتيجة منع الاحتلال إدخال اللحوم البيضاء والحمراء إلى غزة، وتعرّض المساحات الزراعية للتجريف، واعتماد السكان على المعلبات في حياتهم".
رحلة البحث عن الطعام
أمّا المواطن رفعت عبد الرحمن، "فإنّه يقطع مسافة طويلة يوميًا من أجل الوصول إلى إحدى التكايا التي تواصل عملها بتقديم الطعام من البقوليات، وما تزال هذه التكية تعمل بما هو متوفر من مخزون لديها، لكن تعاني من ازدحام شديد بعد أن لجأ المئات من المواطنين إليها نتيجة توقف عشرات التكايا بين الأحياء عن العمل".
ويوضح في حديثه لـ (حفريات) أنّ "رحلة البحث عن الطعام باتت محفوفة بالمخاطر، فكل يوم أقطع مسافة طويلة من أجل الوصول إلى تكية خيرية، ولكن عندما أخرج أودع أولادي تحسبًا من عدم عودتي حيًّا إلى الخيمة، نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل للمركبات والمواطنين والمنازل".
ويصف الوضع الذي يعيشه السكان في غزة بالموت البطيء، نتيجة صعوبة حصول المواطنين على الغذاء الصحي والمفيد، فكل ما يحصل عليه السكان في غزة هو مساعدات غذائية عبارة عن معلبات سواء من السردين أو الدجاج أو لحم البقر المفروم، وجميع هذه الأغذية غير صحية، واعتمادنا عليها يعرّض أجسادنا لخطر الموت البطئ مع مرور الوقت".
يُذكر أنّ الجيش الإسرائيلي بدأ شنّ حرب إبادة على قطاع غزة في أعقاب هجوم الفصائل الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وتعمّد فرض عقاب جماعي على السكان، وذلك بقطع إمدادات الطعام والشراب والوقود والدواء، وما زال السكان يعانون في غزة من تبعات ذلك، خاصة في ظل استمرار الحرب، ومنع إسرائيل فتح المعابر وإدخال الغذاء والدواء.