زخم دبلوماسي يرسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط

زخم دبلوماسي يرسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط

زخم دبلوماسي يرسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط


16/04/2023

حراك دبلوماسي مكثف تشهده منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، مع مسار مصالحات وتهدئة للتوترات بين الخصوم الإقليميين، وهذا من شأنه أن يعيد ترتيب الوضع والعلاقات بالمنطقة، على وقع تقارب المواقف بمراجعات أثبتت أهمية وجود صياغة جديدة للأمن العربي بما يغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية.

وتذهب أغلب القراءات إلى أنّ سقوط مشاريع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة ساعد في توجيه بوصلة معظم القادة العرب للعمل على تصفير المشاكل، وإعادة تنظيم فوضى تراكمات "الربيع العربي".

رغبة سعودية في إعطاء دفعة قوية لجهود الاستقرار

هذا الاتجاه عزّزه توصل إيران والسعودية بوساطة صينية إلى اتفاق، تم بموجبه استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت نحو (7) أعوام، في خطوة باركتها الولايات المتحدة بحذر، وقد أشار نص الاتفاق إلى رغبة سعودية في إعطاء دفعة قوية لجهود الاستقرار في المنطقة، في الوقت الذي يركز فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تنفيذ خطة رؤية المملكة 2030 الاقتصادية الطموحة.

ومن شأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران أن يرسم خريطة إقليمية جديدة في المنطقة التي بقيت طويلاً منقسمة بين النفوذين، السعودي والإيراني، إذ يُعدّ إنهاء المملكة للقطيعة الدبلوماسية مع إيران حليفة دمشق، خطوة تذهب إلى أبعد من مجرد استئناف علاقات ثنائية إلى ترتيبات أوسع نطاقاً.  

سقوط مشاريع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة ساعد في توجيه بوصلة معظم القادة العرب للعمل على تصفير المشاكل

ونقل موقع "ميدل إيست أون لاين" عن الباحث في شؤون الأمن القومي أحمد رفعت: "الآن تتقارب المواقف وتذوب بمراجعات أثبتت أهمية وجود صياغة جديدة للأمن العربي تغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية، وإنّ عودة سوريا للحضن العربي والبدء في إعادة إعمارها خطوات مهمة في هذا الاتجاه".

كما نقل الموقع عن فالي نصر من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن: "العرب والإيرانيون والأتراك يحاولون إنشاء منطقة رمادية، حيث يمكنهم جميعاً التعايش، بدلاً من منطقة إمّا سوداء وإمّا بيضاء".

توصلت إيران والسعودية بوساطة صينية إلى اتفاق، تم بموجبه استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت نحو (7) أعوام

واعتبر أنّ بعض حلفاء أمريكا خلصوا إلى أنّ مصالحهم لا تخدمها منطقة شديدة الاستقطاب، موضحاً أنّ "هناك ديناميكية في المنطقة تدفع الجميع إلى منطقة الوسط".

سوريا تنفتح على العالم العربي

الاتفاق السعودي الإيراني اعتبره خبراء في العلاقات الدولية محرك التحالفات العربية الجديدة، بينما تبدو سوريا مركزها، فقد تسارع الاندفاع العربي نحو دمشق، وتسارع المسار السعودي ـ السوري من خلال زيارة وزير خارجية دمشق فيصل المقداد إلى المملكة، التي احتضنت اجتماعاً عربياً موسعاً حول تطبيع العلاقات العربية مع سوريا وعودة دمشق إلى الجامعة العربية.

وكانت الإمارات سباقة في استئناف العلاقات مع سوريا في العام 2018، وإعادة تنشيط دبلوماسيتها وفق واقعية سياسية ورؤية استشرافية تقوم على تعزيز التنمية والاستقرار الإقليمي.

الاتفاق السعودي الإيراني اعتبره خبراء في العلاقات الدولية محرك التحالفات العربية الجديدة

وإلى جانب الإمارات، كانت مصر تدعم منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2014، خيار الدولة ووحدة الأراضي السورية، ورفضت في القمة العربية في شرم الشيخ أن تمثل المعارضة سوريا، وهو موقف تطور إلى إعلان دعمها للجيش العربي السوري ولوحدة واستقرار البلاد، معبّرة عن رفضها للتدخلات الخارجية في الشأن السوري، وتطالب كذلك بإنهاء الاحتلال التركي للشمال السوري.

وتدير القاهرة هذا الملف "بما يمنع الاعتراضات داخل الجامعة من بعض الدول التي لم يتغير موقفها من الأزمة هناك وتحتاج إلى حوار سريع، إمّا لتغيير موقفها، وإمّا لمنع وقوفها ضد عودة سوريا إلى أمّتها".

هذا الاتجاه عزّزه توصل إيران والسعودية بوساطة صينية لاتفاق تم بموجبه استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت نحو (7) أعوام

وأعلنت تونس، التي كانت مهد ما يُسمّى بـ "الربيع العربي"، أنّ الرئيس قيس سعيّد أعطى أوامره ببدء إجراءات تعيين سفير بلاده لدى دمشق، في خطوة لها أهميتها ورمزيتها،   وأجرى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في الجزائر أمس محادثات مع مسؤوليها بخصوص مساعٍ عربية جارية لحلّ الأزمة السورية.

ويرى محمد مصطفى مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط في تصريح لقناة روسيا أنّ الحراك الدبلوماسي والسياسي الأخير يرسم ملامح "وجوهر نظام إقليمي شرق أوسطي جديد"، مشيراً إلى اتصالات ومباحثات وزيارات متبادلة "قد يبدو الكثير منها مفاجئاً أو حتى مستغرباً".

الرئيس التونسي أعطى أوامره ببدء إجراءات تعيين سفير بلاده لدى دمشق، في خطوة لها أهميتها ورمزيتها

وأوضح أنّ سوريا تحولت في ظل عزلتها عربياً إلى ساحة مواجهة بين قوى عظمى متنافسة، وكذلك إلى محور صراع بين القوى العربية والإقليمية المجاورة، وقوى غربية تتقدمها الولايات المتحدة.

وقال مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط: "من هنا جاءت كثافة التحركات العربية الجارية مع الجانب السوري وعمقها، إدراكاً من سوريا ومن قوى عربية أساسية لحقيقة مفادها أنّه من الصعب بل من المستحيل تدشين نظام قوي آمن، إقليمياً عربياً أو شرق أوسطي، في غياب سوريا".

واعتبر الباحث في شؤون الأمن القومي أحمد رفعت في تصريحات للقناة الروسية الناطقة بالعربية أنّ هناك زخماً في الحراك العربي الدبلوماسي والسياسي باتجاه سوريا، مشيراً إلى أنّه ربما يفسر القرار العربي بأنّه عاطفي، وربما يقرأه آخرون بأنّه تصحيح لخطأ، مشدداً على أنّه في النهاية يبقى قراراً مهمّاً جداً.

إحلال السلام في اليمن

ومع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، توالت ردود الأفعال والبيانات الداعمة التي تؤكد على أهمية "خفض التصعيد" وتعزيز الدبلوماسية في الشرق الأوسط، خصوصاً في ما يتعلق بالملف اليمني، الذي اقترب من الحل، ليتم إحلال السلام التام في مرحلة أخيرة.

فقد نجحت المملكة في إقناع اللاعبين الرئيسيين في الحكومة الائتلافية اليمنية بالموافقة على وقف إطلاق النار، وفق تقارير إعلامية، وذلك في سياق محادثات مع الحوثيين حول مستقبل العملية السياسية في البلاد.

الاتفاق السعودي الإيراني اعتبره خبراء في العلاقات الدولية محرك التحالفات العربية الجديدة، بينما تبدو سوريا مركزها

والتقى مسؤولون سعوديون مع الحوثيين، في حضور وسطاء من سلطنة عُمان الأحد، في العاصمة اليمنية صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، في خطوة أثنى عليها العديد من المراقبين والخبراء السياسيين، باعتبارها مؤشراً على حرص الرياض على إيقاف الحرب المستمرة منذ (8) أعوام، التي بدأت في عام 2015.

في السياق، يقول الأكاديمي الإعلامي السعودي عبد الله الرؤوف لموقع "الحرة": إنّ ما يحدث حالياً في اليمن، خاصة زيارة السفير السعودي، يُعتبر مؤشراً قوياً على وجود فرص حقيقية للسلام.

وأشار إلى أنّ الخطوات السعودية في اليمن جاءت بعد الاتفاق السعودي-الإيراني، والذي نتج عن قناعة ترسخت لدى الإيرانيين بأنّ استمرار استراتيجية عداء السعودية مكلفة، وأنّ من مصلحتهم التعاون مع المملكة ليكونوا جزءاً من الاتفاقات الإقليمية المهمة، بحسب رأيه.

ووضع الخبير السعودي آمالاً على تحقيق سلام فعلي في اليمن، بسبب ما وصفه برغبة الجانب الإيراني شعباً وحكومة في السير في هذا التوجه ودعمه بشدة، وهو ما يتفق مع رغبة الجانب السعودي.

ومن جانبها، أشادت إيران بالتطورات التي تشهدها الأزمة اليمنية، وقال المتحدث باسم الوزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: "إنّنا نشهد تحركات جديدة في الشأن اليمني، ومنذ بداية هذه الأزمة أكدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي كان وما زال لديها موقف مبدئي واضح ومعلن في ما يتعلق باليمن، أنّ الحل الوحيد للأزمة هو الحل السياسي، بحيث تتواجد جميع الأطراف اليمنية للتفاوض والتباحث مرتكزة على ضمان مصالح الأمة اليمنية لتقرير مصير هذا البلد ولتشكيل حكومة فيه، وفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية (إرنا).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية