خبراء عراقيون يكشفون لـ"حفريات" خلفيات الاتفاق السعودي الإيراني

خبراء عراقيون يكشفون لـ"حفريات" خلفيات الاتفاق السعودي الإيراني

خبراء عراقيون يكشفون لـ"حفريات" خلفيات الاتفاق السعودي الإيراني


15/03/2023

إثر الإعلان عن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بعد انقطاع منذ عام 2016، برعاية الصين، تباينت ردود الفعل السياسية، العربية والدولية. فالاتفاق الثلاثي، الذي تم بعد مفاوضات قادتها بكين، سبقته رحلة شاقة من المحادثات بين الرياض وطهران من خلال وساطات إقليمية، برزت فيها أدوار كل من سلطنة عمان والعراق، في الفترة بين عامي 2021 و2022.

كواليس عودة العلاقات

انخرطت بغداد في دور مهم ومركزي بخصوص جولات الحوار السعودي الإيراني. وبينما كانت الفترة التي شهدتها هذه المفاوضات بين الخصمين الإقليميين، هي نفسها الفترة التي تولى فيها مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، فالأخير كشف عن كواليس عديدة تتعلق بالمحطات التي سبقت الوصول للنتيجة النهائية والإيجابية، فضلاً عن ظروف وملابسات المرحلة التي تولى فيها منصبه الأمني في رئاسة المخابرات العراقية، ثم انتقاله لرئاسة الوزراء.

عرج الكاظمي على المعضلات الأمنية والإقليمية التي واجهته، ومنها تهديدات تنظيم داعش الإرهابي وخطط مواجهته واستدراج قادته، فضلاً عن مقارباته السياسية لحلحة الأزمات التي تعانيها بلاده، وضرورة عمل علاقة وازنة مع المحيط الإقليمي العربي. فيما كشف عن زيارته الأولى لإيران بعد وصوله لمنصب رئيس الوزراء ولقاء المرشد الإيراني، علي خامنئي، وكذا الرئيس الإيراني، وقتذاك، حسن روحاني، بالإضافة إلى قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني.

المحلل السياسي العراقي نبيل جبار التميمي: الانفتاح خير من التخندق

وفي هذا اللقاء المهم الذي جمعه بهؤلاء المسؤولين ضمن آخرين، في طهران، كشف الكاظمي عن موقفه، الصريح والعلني، من رفض انتهاك سيادة العراق بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في مطار بغداد، نهاية عام 2020. ثم رفض تبعية بغداد لطهران، ومطالبته بعلاقة ندية (دولة مع دولة). كما بدد مخاوف الإيرانيين من الوجود الأمريكي بالعراق، والذي اعتبره وجوداً مهماً لمساندة القوات الأمنية العراقية في مكافحة الإرهاب، دون أن يشكل ذلك الوجود أيّ تهديد لدول الجوار، بل أبدى تحفظه من الميليشيات التي حاولت تخويف الكاظمي أو بعث رسائل تهديد مباشرة وغير مباشرة له بعد فترة وجيزة من انتقاله لمنصبه الجديد في رئاسة الحكومة، سواء عبر محاولات اغتياله المتكررة (ثلاث محاولات)، أو اغتيال نشطاء وباحثين مقربين منه، مثل هشام الهاشمي.

رفض تبعية بغداد لأي طرف

وقال الكاظمي في حوار انفردت به جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية، إنّ الحوار السعودي الإيراني، الذي استضافه العراق، تطرق إلى الملفات كافة، منها الملف اليمني وموضوع الحوثيين، ولبنان، موضحاً أنّه "كان صريحاً وشاملاً مثمراً".

ووصف الكاظمي الحوار بأنّه "كان مبنياً على الصراحة والوضوح"، لافتاً إلى أنّه "حصل اعتراف بحدوث أخطاء بينها ما حصل للسفارة السعودية في طهران". وتابع: "كان هناك اتفاق على بناء عناصر الثقة بينهما في المرحلة الأولى، ثم الانتقال إلى الحوار الدبلوماسي وعودة العلاقات".

وذكر رئيس الحكومة العراقية السابق أنّ العراق بدأ في الانحسار منذ عام 2006 عندما "بدأ يبتعد عن محيطه العربي، ومحيطه الإقليمي، تحت عناوين فئوية. وأول أمر قمت به عندما جئت، هو إعادة التشديد على بناء هوية وطنية عراقية؛ فقد أوقفت الألقاب في وزارة الدفاع على أساس عشائري أو قومي أو مذهبي".

الاتفاق الثلاثي، الذي تم بعد مفاوضات قادتها بكين، سبقته رحلة شاقة من المحادثات بين الرياض وطهران من خلال وساطات إقليمية، في الفترة بين عامي 2021 و2022

وشدد على أنّ العراق بحاجة إلى "هوية وطنية عراقية". وقال: "عملت على أن يكون الجيش العراقي لكل العراقيين، وليس موزعاً على أساس طائفي أو مذهبي في المواقع العليا أو الدنيا. العراق كان بعيداً ومنحسراً في علاقاته الخارجية. أنا عملت على إعادة العراق إلى محيطه العربي. العراق بلد عربي بامتياز. نعم هناك قوميات... الكرد وآخرون، ومن حقهم الحفاظ على هوياتهم، ولكنّ العراق في النتيجة جزء من العالم العربي والعالم الإسلامي. عملت على إعادة بناء علاقاتنا مع العالم العربي، مع دول الخليج بالخصوص، ومع الأردن ومصر ولبنان وحتى الدول العربية البعيدة. كنا في أمسّ الحاجة إلى البناء، وإعادة هذا الانتماء إلى العراقيين، وبالفعل كان هناك تعاطف وارتياح في الشارع العراقي لهذه العودة إلى المحيط العربي. وهذا إنجاز مهم جداً. وبالفعل الدول العربية التي انفتحنا عليها كانت أكثر الدول مبادرة إلى المساهمة في العراق، والمساهمة في الاستثمار في العراق، لكن هناك من سمّى هذه الاستثمارات بأنّها استعمار خليجي للعراق. هناك من لا يرغب بدخول هذه الاستثمارات إلى العراق تحت عنوان أن يبقى العراق بعيداً عن هذا المحيط".

انفتاح العراق

واعتبر الكاظمي أنّ الحوار بين الرياض وطهران شهد "تقدماً" في العراق، وأنّ "أول تقدم أنّهم التقوا، للمرة الأولى، وجهاً لوجه، وتكلموا بكل صراحة"، وقال إن "الإيرانيين سمعوا وجهة النظر السعودية، وسمع السعوديون وجهة النظر الإيرانية".

كما أوضح أنّ الحوار السعودي الإيراني كان على مستوى رؤساء الأجهزة، و"تناولت المفاوضات قضايا متعددة وكانت ناجحة جداً، وحققنا تقدماً كبيراً ووصلنا إلى المرحلة النهائية"، لافتاً إلى أنّه كان يحضر الجلسات ويديرها داخل "مكان سري في بغداد"، مشدداً على أنّ الجلسات كانت تستمر أحياناً 5 أو 6 ساعات.

المحلل السياسي العراقي علي البيدر: تدشين واقع إقليمي جديد

ووفق الكاظمي فإنّ "نجاح الحوار السعودي الإيراني ساعد على التهدئة في المنطقة"، وقال إنّ "السعودية دولة مهمة جداً في المنطقة، وإيران دولة مهمة في المنطقة، وهما جارتان مسلمتان، والمصالح المشتركة كثيرة بينهما. ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان داعماً للحوار السعودي الإيراني، وكان يبحث عن مشتركات منذ فترة طويلة".

وفي حديثه لـ"حفريات"، أوضح الباحث والمحلل السياسي العراقي، نبيل جبار التميمي، أنّ رئيس الوزراء العراقي السابق قد أبدى اهتماماً لافتاً بالانفتاح على الدول العربية، بينما لم يكن هذا الاهتمام السياسي الأول من نوعه، وقد سبقه بذلك رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، الذي تولى منصب رئيس الوزراء خلال الفترة بين عامي 2014 و 2018.

ويمكن القول إنّ السياسيين الشيعة في العراق لديهم انقسامات وتباينات في الرؤية السياسية تجاه هذا الأمر المتعلق بانفتاح العراق على محيطه الحيوي الإقليمي والعربي، فـ"منهم من يؤمن بالانفتاح السياسي والاقتصادي مع البلدان العربية، كما هو الحال مع تجربتيْ العبادي والكاظمي، وكذا رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، ومنهم من هو لديه تحفظات بخصوص شكل وطبيعة العلاقات التي يمكن إقامتها مع البلدان العربية. وتتأثر السياسات الخارجية تجاه الدول العربية طردياً بمدى تطور العلاقات الايرانية العربية"، حسبما يقول جبار التميمي.

مبادرات العراق السياسية

وفي تقدير الباحث والمحلل السياسي العراقي، أنّ سياسات الكاظمي الأخيرة، التي عكست انفتاحا أوسع تجاه الدول العربية، قد تسببت في إعادة صياغة وتقييم العلاقات العراقية العربية لدى النخبة السياسية العراقية، وفي مقدمتهم السياسيون الشيعة؛ فاتضح من خلال التجربة أنّ "الانفتاح العربي قد يثمر عن نتائج أكبر بكثير من الانعزال أو التخندق. ولذلك؛ قد نرى أنّ الخطاب السلبي، أحياناً، الموجه ضد الحكومات العربية قد انحسر تدريجياً، وباتت الأطراف تبحث عن مصالح ومشاريع مشتركة رغم الحذر".

إلى ذلك، يرى المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، أنّ عودة العراق لمحيطه الإقليمي، وممارسة دوره الإيجابي بالمنطقة من خلال الحاضنة العربية، هي "نتيجة حتمية"، وتؤشر إلى "زيادة درجة النضج داخل المنظومة السياسية"، الأمر الذي أسهم في خلق "رأي عام سياسي وطني تجاه استعادة مساحة الدولة داخل المشهد بعد فترة سادت فيها سطوة الأحزاب السياسية" والتي نفذت أجندات خارجية، بل كانت تعيق تنفيذ مشاريع الدولة، وتكريس المصالح الفئوية والطائفية والحزبية.

الباحث والمحلل السياسي العراقي، نبيل جبار التميمي، لـ"حفريات": رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي أبدى اهتماما لافتاً بالانفتاح على الدول العربية

 ويؤكد البيدر، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ هذا التطور السياسي والإيجابي، نجح في تدشين واقع إقليمي جعل العراق في "قلب أدواره المحورية والمركزية" من خلال التحالف العراقي الأردني المصري في قمة بغداد، موضحاً انخراط العراق بفعالية في السياسة الخارجية مثل "وساطة بغداد في العلاقات الإيرانية والسعودية".

وكان الكاظمي قد لمّح، في حواره الصحفي، عن دور الوساطة الذي قام به بين طهران وواشنطن، وقد كان قناة تواصل بين الطرفين، لافتاً إلى زيارة قام بها إلى السجون الإيرانية التي يقبع فيها مزدوجو الجنسية، في إطار تفاهمات متقدمة بشأن الإفراج عن مواطنين أمريكيين من أصول إيرانية.

وهنا، انتقل العراق، وفق البيدر، من مرحلة رد الفعل إلى بناء "المبادرات السياسية باستغلال وتوظيف موقع العراق الاستراتيجي، ثم تحويله لورقة جيوسياسية، الأمر الذي يحقق له وزناً سياسياً داخل الإقليم وخارجه؛ فالعراق لديه الموارد البشرية والإمكانيات المالية والطاقة التي تؤهله لهذا الدور بعد عقود من التهميش والتراجع بفعل الاحتلال الأمريكي، وتداعياته، ناهيك عن المرحلة السابقة (فترة صدام حسين) والتي كان موقع العراق فيها بخصوص السياسة الخارجية ضعيفاً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية