ربّ ضارة نافعة... انحسار مياه دجلة يكشف عن مدينة أثرية عمرها 3400 عام

ربّ ضارة نافعة... انحسار مياه دجلة يكشف عن مدينة أثرية عمرها 3400 عام


07/06/2022

في حين يشكو العراقيون من ندرة المياه وجفاف الأنهار؛ لأسباب كثيرة آخرها قلة سقوط الأمطار، ساعد انحسار المياه في نهر دجلة على اكتشاف مدينة أثرية تعود إلى حقبة إمبراطورية ميتاني عمرها 3400 عام وتقع على نهر دجلة.

ووفقاً للموقع الرسمي لجامعة "توبنغن" الألمانية على الإنترنت، اكتشف فريق من علماء الآثار الألمان والأكراد مدينة ظهرت من مياه خزان الموصل في وقت مبكر من هذا العام، حيث انخفض منسوب المياه بسرعة بسبب الجفاف الشديد في العراق.

 زاخيكو القديمة

يُشكّل نهرا دجلة والفرات منطقة بينهما تُعرف باسم بلاد ما بين النهرين، التي كانت مسرحاً لأحداث توراتية، وفقاً لموقع مجلة "نيوزويك" الأمريكية.

ورجّح علماء الآثار أن تكون المدينة الواسعة، التي تضم قصراً والعديد من المباني الكبيرة، هي "زاخيكو القديمة" التي يُعتقد أنّها كانت مركزاً مهماً في إمبراطورية ميتاني، حوالي (1550-1350) قبل الميلاد، وتقع في كيمون في إقليم كردستان العراق، على حدّ قول "توبنغن"، التي أشارت إلى أنّ العراق من أكثر دول العالم تأثراً بالتغير المناخي، حيث يعاني جنوب البلاد على وجه الخصوص من جفاف شديد منذ شهور.

ولمنع جفاف المحاصيل، تم سحب كميات كبيرة من المياه من خزان الموصل، أهم خزانات المياه في العراق، منذ كانون الأول (ديسمبر)، ممّا أدى إلى عودة ظهور مدينة من العصر البرونزي، التي كانت مغمورة بالمياه منذ عقود، دون أيّ أعمال استكشافية أثرية مسبقة.

 ضغط مفاجئ

كشفت جامعة "توبنغن" أنّ انحسار المياه "غير المتوقع" في نهر دجلة وضع علماء الآثار تحت "ضغط مفاجئ" للتنقيب وتوثيق أجزاء على الأقل من هذه المدينة الكبيرة والمهمّة في أسرع وقت ممكن قبل إعادة غمرها، فقد قرر علماء الآثار؛ الكردي حسن أحمد قاسم رئيس هيئة آثار كردستان، والألمانيان إيفانا بولجيز من جامعة "فرايبورغ"، والبروفيسور بيتر بفالزنر من جامعة "توبنغن"، "بشكل عفوي إجراء تنقيبات إنقاذ مشتركة في كيمون."

يُشكّل نهرا دجلة والفرات منطقة بينهما تُعرف باسم بلاد ما بين النهرين

وقد جرت هذه العملية في شهري كانون الثاني (يناير) وفبراير (شباط) الماضيين بالتعاون مع مديرية الآثار والتراث في دهوك بإقليم كردستان العراق، حيث تم تشكيل فريق لعمليات الإنقاذ في غضون أيام، قبل الحصول على تمويل العمل في فترة قصيرة من مؤسسة "فريتز تيسن" من خلال جامعة فرايبورغ.

ونقلت مجلة "نيوزويك" عن جامعة "فرايبورغ" قولها: إنّ "الفريق الأثري الألماني الكردي كان تحت ضغط زمني هائل، لأنّه لم يكن من الواضح متى سترتفع المياه في الخزان مرة أخرى."

 

رجّح علماء الآثار أن تكون المدينة الواسعة هي "زاخيكو القديمة" التي يُعتقد أنّها كانت مركزاً مهماً في إمبراطورية ميتاني

 

وفي وقت قصير، نجح الباحثون إلى حدّ كبير في رسم خريطة للمدينة، فبالإضافة إلى القصر الذي تم توثيقه بالفعل خلال حملة قصيرة في عام 2018، تم الكشف عن العديد من المباني الكبيرة الأخرى، بما في ذلك حصن ضخم بجدران وأبراج، إلى جانب مستودع تخزين ضخم متعدد الطوابق ومجمع صناعي، وفقاً لـ"نيوزويك".

 ويعود تاريخ المجمع الحضري الواسع إلى زمن إمبراطورية ميتاني، حوالي (1550-1350) قبل الميلاد، التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال بلاد ما بين النهرين وسوريا.

ونقلت "توبنغن" عن عالمة الآثار الألمانية بولجيز قولها: "إنّ مبنى المستودع الضخم له أهمية خاصة؛ لأنّه كان لا بدّ من تخزين كميات هائلة من البضائع فيه، وربما تمّ إحضارها من جميع أنحاء المنطقة"، وقال قاسم: إنّ "نتائج الحفريات تُظهر أنّ الموقع كان مركزاً مهماً في إمبراطورية ميتاني".

 معجزة تحت الماء

اعتبر البروفيسور بفالزنر من جامعة "توبنغن" أنّ العثور على تلك المدينة والألواح المسمارية بهذه الدرجة من الحفظ رغم غمرها بالمياه "معجزة"، قائلاً: "إنّها معجزة أنّ الألواح المسمارية المصنوعة من الطين غير المحروق ظلت على قيد الحياة لعقود عديدة تحت الماء".

وأعرب فريق البحث كذلك عن دهشتهم من حالة الجدران المحفوظة جيداً، والتي يصل ارتفاعها أحياناً إلى عدة أمتار، على الرغم من حقيقة أنّ الجدران مصنوعة من الطوب الطيني المجفف بالشمس، وكانت تحت الماء لأكثر من (40) عاماً.

يأمل الباحثون أن يوفر هذا الاكتشاف معلومات مهمّة حول نهاية فترة ميتاني وبداية الحكم الآشوري في المنطقة

ويعود هذا الحفظ الجيد إلى حقيقة أنّ المدينة دُمّرت في زلزال قرابة عام 1350 قبل الميلاد، حيث دفنت الأجزاء العلوية المنهارة من الجدران المباني، وفقاً لـ"توبنغن"، التي ألمحت إلى أنّ من بين الأمور ذات الأهمية الخاصة، اكتشاف (5) أوانٍ خزفية تحتوي على أرشيف يضم أكثر من (100) لوح مسماري يعود تاريخها إلى الفترة الآشورية الوسطى، بعد وقت قصير من وقوع الزلزال في المدينة، حتى أنّ بعض الألواح الطينية، التي قد تكون حروفاً، ما تزال في مظاريفها الطينية.

 

"توبنغن": انحسار المياه في دجلة وضع علماء الآثار تحت "ضغط مفاجئ" للتنقيب وتوثيق أجزاء من هذه المدينة الكبيرة والمهمّة

 

ويأمل الباحثون أن يوفر هذا الاكتشاف معلومات مهمّة حول نهاية فترة ميتاني وبداية الحكم الآشوري في المنطقة. ولتجنّب المزيد من الأضرار التي لحقت بالموقع المهم بسبب ارتفاع المياه، تمّت تغطية المباني المحفورة بالكامل بأغطية بلاستيكية محكمة الإغلاق ومغطاة بالحصى، كجزء من مشروع ترميم شامل مموّل من مؤسسة "جيردا هنكل"، بهدف حماية الجدران المبنية من طين غير محروق، وأيّ اكتشافات أخرى ما تزال مخبأة في الأنقاض خلال أوقات الفيضانات.

 إلى ذلك، قالت جامعة "فرايبورغ": إنّ الموقع مغمور بالمياه مرة أخرى.

مواضيع ذات صلة:

مع عودة بعثات التنقيب.. اكتشاف آثار نادرة في موقع قديم في العراق

خبراء أمميون يُحذرون من الآثار المدمرة لقانون حماية الإنترنت الإيراني

خبراء أمميون يُحذرون من الآثار المدمرة لقانون حماية الإنترنت الإيراني



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية