رئيسة وزراء إيطاليا ليست موسوليني، لكنها قد تكون ترامب

رئيسة وزراء إيطاليا ليست موسوليني، لكنها قد تكون ترامب

رئيسة وزراء إيطاليا ليست موسوليني، لكنها قد تكون ترامب


16/10/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

كتب الفيلسوف المواقفيّ غي ديبور، في عام 1968، أنّ إيطاليا «تُلخّص التّناقضات الاجتماعيّة للعالم بأسره». وبالتّالي، فإنّها تُعدُّ «مختبراً للثّورة المضادّة الدّوليّة».

الآن، ينشغل المحلّلون السّياسيّون في أنحاء العالم كافّة بتحليل تصريحات جيورجيا ميلوني لتحديد ما إذا كانت فاشيّة، أو فاشيّة جديدة، أو ما بعد فاشيّة. ويتساءلون: لماذا يبدو أنّ الإيطاليّين على استعداد للتّفكير في العودة إلى شكلٍ من السّياسة كان سائداً في أحلك أوقات بلادهم؟

لكن هل تتعامل إيطاليا مع عمليّة تهدف إلى إحياء ماضيها الفاشيّ حقّاً؟ والأهم من ذلك، هل تُعدُّ إيطاليا مختبراً يمكن لباقي العالم أن يتبعه في نهاية المطاف؟ الإجابات، على التّوالي، هي: لا و(لذلك) نعم.

أولئك الذين يصفون حزب «إخوان إيطاليا» بأنّهم فاشيّون يُخطئون الهدَف. إنّ حزب ميلوني هذا ليس وريثاً لحركة بينيتو موسوليني الفاشيّة بقدر ما هو أوّل مُحاكاة أوروبيّة للحزب الجمهوريّ الأمريكيّ.

بينيتو أندريا موسوليني (29 يوليو 1883 - 28 أبريل 1945)

إنّ ميلوني زعيمة سياسيّة فَطِنة وقادرة على لعب اللعبة الطّويلة. في عام 2012، تركت الأمان النّسبيّ لحزب سيلفيو برلسكوني من أجل تأسيس حزبها الصّغير «إخوان إيطاليا». تمهّلت وبنت بشقّ الأنفس أتباع الحزب على مرّ السّنين. وفي عام 2021، رفضت طريقاً سريعة للوصول إلى السّلطة ورفضت الانضمام إلى حكومة وحدة وطنيّة بقيادة ماريو دراغي.

أوّل امرأة تفعل ذلك

الآن، فازت بهذه السّلطة. وهي أوّل امرأة تفعل ذلك في مجتمع بطرييركيّ بشكل مؤلم. من غير المحتمل أن تكون لديها أيّ رغبة في تبديد مثل هذا الإنجاز من أجل عمليّة إعادة إنتاج رخيصة للفساد الفاشيّ بعد مرور مائة عام عليه. يكمن هدفها في تنمية نواة لسياسةٍ إيطاليّةٍ وأوروبيّةٍ جديدة.

ظهرت هذه الرّغبة بوضوح في الفترة التي سبقت الانتخابات. فعلت ميلوني كلّ ما في وسعها لتؤكّد للإدارة الأمريكيّة الاستمراريّة الكاملة لموقف إيطاليا المؤيّد لحلف شمال الأطلسيّ، والمناهض لروسيا، والمناهض للصّين. وفي الوقت نفسه، هَدِفت إلى طمأنة الأسواق الماليّة - ونعم، الاتّحاد الأوروبيّ - بأنّ حكومتها ستُبقي الدّين العام تحت السّيطرة. في كلتا الحالتين، أحبطت حليفيها الصّغيرين الآن، برلسكوني وماتيو سالفيني، اللذين كانا يروّجان لسياسات متعاطفة مع روسيا وإنفاق غير مبالٍ.

إذا كانت  رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني تريد أن تصنع التّاريخ حقّاً، فعليها أن تُصبح أوّل زعيمة من أقصى اليمين مؤيّدة لأوروبا، وأن تُرفِق القوميّة الإيطاليّة بالأوروبيّة

إذا تمكّنت من طمأنة واشنطن وبروكسل بشأن السّياسة الخارجيّة والاقتصاديّة، كما فكّرت بشكل صحيح، فستُترَك في سلامٍ نسبيٍّ لبناء قوّتها وتنفيذ أجندتها في الدّاخل. لن يُخاطر أحدٌ بنبذ الحكومة الإيطاليّة، خلال أزمة أمن وطاقة وتكلفة معيشة، لمجرّد الدّفاع عن المهاجرين أو لحماية الحقوق الإنجابيّة للمرأة.

هذه المقاربة، مهما كانت انتهازيّة، تسمح لها بخلق مكان لنوع جديد من أنظمة أقصى اليمين في أوروبا. هذه السّياسة اليمينيّة - وهي صقريّة في السّياسة الخارجيّة، أرثوذكسيّة في السّياسة الاقتصاديّة، نُستالجيّة وقوميّة ومناهضة للحرّيّات المدنيّة - تفتقر في جوهرها لليبراليّة. لكنّها تَهدِف إلى نيل احترام ما كان يُطلق عليه «المؤسّسة»، بما في ذلك عن طريق عدم تقويض سيادة القانون على طريقة رئيس الوزراء المجريّ، فيكتور أوربان.

ليست منبوذة فاشيّة

لأنّ ميلوني بالتّحديد ليست منبوذة فاشيّة، فإنّ أفعالها تُقدّم مخطّطاً لأوروبا، إن لم يكن للعالم. ربما ولّت الأيّام التي بدا فيها انتصار شعبويّي ومتطرّفي أقصى اليمين غير وارد أو يتعذّر الدّفاع عنه. قد نكون، بدلاً من ذلك، في حالة يمينيّة منحطّة جديدة: حيث يصبح ذاك الفضاء المشرّف والضّروريّ في الأنظمة الدّيمقراطيّة - الفضاء الذي يشغله جاك شيراك أو مارجريت تاتشر أو أنجيلا ميركل - منحرفاً ومشغولاً باستمرار من قِبل أمثال ترامب وميلوني. قد تنجح ميلوني في تحويل اليمين المتطرّف من مكانة شخصيّة دخيلة في السّياسة الأوروبيّة إلى شخصيّة داخليّة متشبّثة.

الرئيس الأمريكي السابق دونالد رامب

في حالة الولايات المتّحدة، هذا الانحطاط قاده الحزب الجمهوريّ - كما أعيد تشكيله من خلال تواطؤه مع دونالد ترامب - الذي وصفه كاتب العمود في الفاينانشيال تايمز، إدوارد لوس، بحقّ، مؤخّراً بأنّه قوّة سياسيّة «عدميّة، وخطيرة، وساقِطة». لقد انفصل نصف الطّيف السّياسيّ التّقليديّ في الولايات المتّحدة وأخذ معه صحّة الدّيمقراطيّة الأمريكيّة. تلك العمليّة نفسها - بدلاً من الظّهور المثير لحكومة فاشيّة، ولكن قليلة الدّوام، في إيطاليا - قد تكون هي ما يترسّخ في أوروبا الآن.

سوف تُوضع النّظريّة على المحكّ في أقلّ من عام في إسبانيا، حيث أصبح التّحالف بين حزب فوكس اليمينيّ الأقصى وحزب الشّعب اليمينيّ الوسطيّ سريع الانحطاط أمراً مطروحاً على الأوراق.

من المؤسف أن يكون التّقدميّون الإيطاليّون هم ميسّرو هذا التّحوّل. حصل المعسكر اليساريّ الليبراليّ على أصوات أكثر من تحالف اليمين. لكنّ اليمين كان، على وجه التّحديد، تحالفاً متماسكاً، في حين كان المجال التّقدميّ منقسماً وعوقب بشدّة في الجزء الأول بعد نظام ما بعد الانتخابات. رفض ديمقراطيّو يسار الوسط، بقيادة إنريكو ليتا، أيّ تحالف مع «حركة الخمس نجوم» ذات الميول اليساريّة، ورفض الليبراليّون الوسطيّون بدورهم الدّيموقراطيّين. وقد مهّدت هذه النّرجسيّة غير المتعاونة الطّريقَ لانتصار اليمين المتطرّف.

إذا تمكّنت ميلوني من طمأنة واشنطن وبروكسل بشأن السّياسة الخارجيّة والاقتصاديّة، كما فكّرت بشكل صحيح، فستُترَك في سلامٍ نسبيٍّ لبناء قوّتها وتنفيذ أجندتها في الدّاخل

قد يكون الاتّحاد الأوروبيّ ضحيّةً لمثل هذا التّحوّل. ميلوني لديها معارضة غريزية للاندماج الأوروبيّ وهو أمر تشارك فيه اليمينيّين الشّعبويّين. وهذا أمر مؤسّف وخطير: الاتّحاد الأوروبيّ على وشك مناقشة إلغاء «التّصويت بإجماع الآراء»، وهو إجراء ضروريّ لإعطاء صوت قويّ في الشّؤون الخارجيّة، وسياسة الدّفاع، والطّاقة. حلفاء ميلوني التّقليديّون، بما في ذلك أوربان، يُعارَضون. يمكن توقّع تقوية الحكومة الإيطاليّة الجديدة محور بودابست-ووارسو المعادي لسياسات الاتّحاد الأوروبيّ.

تكمن المصلحة الوطنيّة لإيطاليا في وجود اتّحاد أوروبيّ قويّ قادر على الدّفاع عن مواطنيه في وقت الأزمات الجيوسياسيّة والاقتصاديّة. إذا كانت ميلوني تريد أن تصنع التّاريخ حقّاً، فعليها أن تُصبح أوّل زعيمة من أقصى اليمين مؤيّدة لأوروبا، وأن تُرفِق القوميّة الإيطاليّة بالأوروبيّة. يمكن أن تقول: «أوروبا تحمي» - أوروبا قويّة تتوقف عن إضاعة الوقت في الحقوق والقيم، وتركّز، بدلاً من ذلك، على القوّة الصّلبة التي تهرب من الدّول القوميّة الأوروبيّة: الأسلحة، والطّاقة، والسّياسة الخارجيّة. أن تصبح مزيجاً من مارين لوبان داخل الوطن وإيمانويل ماكرون خارجه. ومن غير المرجّح أن يحدث ذلك.

تطلّعات طويلة المدى

لا يزال من الممكن أن تحتفظ ميلوني بالنَّصّ الشّعبيّ القديم المتطرّف في مواضع أخرى، ممّا يدفع البلاد إلى نقاشات لا نهاية لها حول الهجرة، ونبذ عواصم أوروبيّة أخرى، والتّسبّب في فوضى ماليّة بسبب سياسات اقتصاديّة متهوّرة. إذا فعلت ذلك، فستكون رسالتها مجرّد ومضة أخرى على مخطّط السّياسة الإيطاليّة الحديثة، التي تتميّز بدورةٍ لا نهاية لها من التّناوب بين التّطرّف والتّكنوقراطيّة. وإذا التزمت بتطلّعاتها طويلة المدى، بدلاً من ذلك، فقد تكون قادرة على جرّ التّيار اليمينيّ الأوروبيّ السّائد على انقطاعها التّرامبيّ.

نَظَرَ ديبور إلى العواقب ذات البُعد الدّوليّ لإيطاليا على أنّها مختبر سياسيّ. وقال إنّ الحكومات الأخرى «تنظر بإعجاب إلى الدّولة الإيطاليّة بسبب شعور الكرامة الهادئ الذي تغرق به في الوحل». ربما كان شديد التّفاؤل. هذا ليس وحلاً بل رمالاً متحرّكة. وهي تُغرق أيّ شخص معجب بها لفترة طويلة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

لورينزو مارسيلي، الغارديان، 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية