ديكتاتورية أردوغان: السجن 17 عاماً لصحفي تركي بسبب مقال

ديكتاتورية أردوغان: السجن 17 عاماً لصحفي تركي بسبب مقال


01/12/2020

بعد خمس سنوات من السجن، حكمت محكمة إسطنبول، في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على الصّحفي محمد بارانسو، المراسل السابق لصحيفة "Taraf" اليومية المغلقة، على خلفية مقال نشر عام 2013، يتعرّض لوثائق سرّية، تتعلّق بقضيّة انقلاب 2003.

فتح حكم السجن على بارانسو، مجدداً، باب الحديث عن حرية الصحافة في تركيا، والتي تدهورت عبر السنوات الخمس الأخيرة، حتى وصلت إلى مرحلة تنذر بانفجار وشيك.

رأس الدولة التركية يحاول تفكيك المؤسسات، ويخضعها لحكم الفرد الواحد والصوت الواحد، وهو ما فتح المجال أمام الضغوط السياسية لخنق المجال الإعلامي

بخطى متسارعة، يمضي النظام الحاكم في تركيا نحو الفاشية، التي باتت ملمحاً واضحاً لأسلوب الحكم، فخلال حملتها الأمنية الأخيرة، ألقت قوات الأمن القبض على مئات المواطنين، غالبيتهم من الأكراد، بتهم تتعلق بالإرهاب، والتي أصبحت التهمة الرسمية لكلّ معارض سياسي، بعد انقلاب 2016 المزعوم، والذي كان باباً دخل منه الرئيس التركي، ليسطر اسمه بحروف من دماء في سجل الديكتاتوريات الحاكمة.

تطرّق مقال بارانسو، إلى مجلس الأمن التركي، الذي اتخذ قراراً بإسقاط شبكة فتح الله غولن، عام 2004، كما أوضح بارانسو أنّ مجلس الأمن التركي قد اقترح على الحكومة إعداد خطّة عمل ضدّ شبكة غولن، التي تتهمها الحكومة بتدبير الانقلاب الفاشل، عام 2016.

اقرأ أيضاً: ديكتاتورية الجماهير: كيف تتحول الثورات إلى أدوات لقمع الحريات؟

وجّهت المحكمة أربع تهم لـ "بارانسو"، وذلك قبل النطق بالحكم في القضية المركزية، وهي تأمين معلومات سرّية تتعلق بأمن الدولة، وكشف معلومات سرّية، وحيازة غير مصرّح بها لوثائق ومعلومات تتعلق بعمليات وكالة الاستخبارات الوطنية، وأخيراً الكشف عن محتويات الوثائق والمعلومات المتعلقة بواجبات وعمليات وكالة الاستخبارات من خلال الصحافة.

الصحفي محمد فوزي لـ"حفريات": الحكم بالسجن على بارانسو، يأتي في إطار عملية تصفية الحسابات بين حزب العدالة والتنمية، وحزب الخدمة (جبهة غولن)

يشتهر بارانسو بتقاريره الاستقصائية عن مؤامرة الانقلاب، والتي ذكرت المحكمة أنّها تستند إلى أدلّة ملفقة، وعليه فقد تمّ اعتقاله، في الثاني من آذار (مارس) عام 2015، بتهمة الحصول على وثائق سرّية للدولة ونشرها، وذلك فيما يتعلق بالكشف عن وثيقة عسكرية تسمى "خطّة إجمين" (السيادية)، وبعدها بأربعة أشهر، حكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة 19.5 عاماً، بعد إبلاغه، عام 2013، عن تزوير جمركي يتعلّق بصفقة استيراد أرز معدّل وراثياً، وفي جلسة الاستماع الأخيرة، قبل النطق بالحكم، في تموز (يوليو) عام 2015، حُكم عليه بالسجن عامين بتهمة انتهاك الخصوصية، وأربع سنوات بتهمة الكشف عن معلومات محظورة، و13 عاماً وستة أشهر، بتهمة عضويته في منظّمة غولن الإرهابية، بإجمالي 19.5 عاماً.

يأتي القمع الذي تعّرض له بارانسو، كنموذج للحالة التي بات عليها حال الإعلام التركي، والذي وصفته منظّمة العفو الدولية، في آب (أغسطس) الماضي، بـ "السجن الأكبر للصحفيين في العالم"؛ ففي عام 2016 كان ثلث الصحفيين، والعاملين في المجال الإعلامي، والمسؤولين التنفيذيين في المهنة، يقبعون في سجون تركيا، علماً بأنّ كثيرين منهم ما يزالون ينتظرون تقديمهم إلى المحاكمة.

الإمساك بمفاصل الدولة

يتابع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عملية السطو على الديمقراطية التركيّة، التي حاول أردوغان تقنينها، بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، لينفضّ منها، ملتفتاً إلى المعارضة، ولا سيما جبهة فتح الله غولن، الكابوس الأكبر في حياة الحزب الحاكم، ويرى الباحث في العلوم السياسية، والكاتب الصحفي في جريدة "النهار" اللبنانية، محمد فوزي، أنّ الحكم بالسجن كلّ هذه السنوات على بارانسو، يأتي في إطار عملية تصفية الحسابات بين حزب العدالة والتنمية، وحزب الخدمة (جبهة غولن)؛ حيث إنّ جريدة "طريق"، التي نشرت مقالات بارانسو، تعدّ أحد الأذرع الإعلامية لحركة غولن، التي يعدّها الرئيس التركي المنافس الأقوى، والخطر الأكبر أمام تثبيت دعائم سلطويته، التي يكرّس لها يوماً بعد يوم، فضلاً عن كون هذا الحكم يأتي في إطار جهود حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس التركي، للسيطرة والتحكّم في كافة مفاصل الدولة، خصوصاً فيما يتعلّق بالقضاء والإعلام.

ويفصّل فوزي، في تصريح لـ "حفريات": "أمّا عن الإطار الأول؛ فكما هو معلوم اتهم الرئيس التركي حركة "فتح الله غولن" بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي حدثت عام 2016 في تركيا، وتبع هذا الاتهام توظيف من قبل أردوغان لذلك في التنكيل بكلّ من لا يدين له بالولاء في مؤسسات الدولة المختلفة، والتضييق على كافة الأصوات المعارضة، خصوصاً ممن ينتمون لحركة غولن، فنجد أنّ بعض التقارير الحقوقية تشير إلى اعتقال ما يزيد عن الـ 80 ألف شخص، وفصل وتوقيف ما يزيد عن 150 ألف شخص من أعمالهم، فضلاً عن أحكام السجن المشدّد، التي طالت مئات الأشخاص، ثم جاءت التعديلات الدستورية، عام 2017، والتي حوّلت النظام السياسي من البرلماني إلى الرئاسي، وتوسّعت مع هذا التحوّل صلاحيات الرئيس التركي، إلى المدى الأبعد في تاريخ الدستور التركي، منذ عام 1987؛ حيث منحته صلاحيات شبه مطلقة، وهو ما عزّز من قدراته فيما يتعلّق بالسيطرة على كافة مفاصل الدولة".

اقرأ أيضاً: هل يثق مناصرو أردوغان بقدرته على تحسين الاقتصاد؟.. استطلاع رأي يجيب

ويحاول الحزب الحاكم، بحسب فوزي، السيطرة على كافة مؤسسات الدولة، "خاصّة ملفّي القضاء والإعلام؛ حيث يلاحظ أنّ الحزب يعمد إلى "تسييس" القضاء، وهو النهج الذي أشارت إليه وأكّدته عدّة معطيات، أبرزها تحذير هاشم كيليج، رئيس المحكمة الدستورية العليا في تركيا، في 2015، من أن يتحوّل القضاء في البلاد إلى "أداة انتقام"، على يد السلطات السياسية".

الانقلاب على المسار الديمقراطيّ

جاء التحول في محاولات تسييس القضاء التركي، بعد أن عزّزت شخصيات مدعومة من حزب العدالة والتنمية قبضتها على محاكم رئيسة، قدّم إثرها رئيس المحكمة الدستورية العليا استقالته، فضلاً عن عدد كبير من القضاة، تمّ إلقاء القبض عليهم بتهمة الانتماء لجماعة غولن.

 يشير فوزي إلى تقرير سابق لشبكة "التوازن والرقابة" الحقوقية التركية، عن الديمقراطية في تركيا، تضمّن استطلاع رأي لـ 266 ألفاً و993 مواطناً، قال أغلبهم إنّهم فقدوا ثقتهم في القضاء تحت حكم العدالة والتنمية، برئاسة رجب طيب أردوغان.

جدير بالذكر؛ أنّ أردوغان  وحزبه الحاكم قد أشادوا سابقاً بهذه التحقيقات، التي نشرها بارانسو، معتبرين إياها سبقاً صحفياً، لكن حين بدأ الصراع مع جبهة غولن، وتعاظمت سلطة الحزب، تمّ اتهام الكاتب وجريدته بالخيانة، وهي تهمة جاهزة تُلقى في وجه كلّ من يبدي أيّ شكل من أشكال المعارضة على حكم أردوغان وحزبه.

اقرأ أيضاً: بعد أن ضعف سياسياً.. أردوغان يلجأ لصراع الحضارات لإنقاذه

 ويستدلّ فوزي، بما حدث في شبكة قنوات وإذاعة "تي آر تي"، الخاضعة للدولة؛ حيث قامت الحكومة أكثر من مرة، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بتغيير معظم العاملين في الشبكة، واستبدالهم بصحفيين وعاملين يدينون بالولاء للحزب الحاكم، فضلًا عن سيطرة الحزب على عملية إصدار التصاريح للوكالات الإعلامية والصحف، وذلك من خلال المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، الذي تسيطر عليه الدولة أيضاً، بالتالي؛ فإنّ رأس الدولة يحاول تفكيك المؤسسات، ويخضعها لحكم الفرد الواحد والصوت الواحد، وهو ما فتح المجال أمام ممارسة كافة الضغوط السياسية لخنق المجال الإعلامي، وتوحيد مساره، بما يخدم أجندة النخبة الحاكمة من العدالة والتنمية. 

الصفحة الرئيسية