دير الزور بين التشييع الإيراني الممنهج وسوء الوضع الاقتصادي

سوريا

دير الزور بين التشييع الإيراني الممنهج وسوء الوضع الاقتصادي


06/10/2019

شهدت محافظة دير الزور توتراً حاداً، في الفترة الأخيرة؛ لأنّها المحافظة المنقسمة بين مناطق يسيطر عليها النظام السوري ومليشيات إيرانية وعراقية، ومناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي.
وتعدّدت أسباب التوتر في المنطقة، بحسب الأخبار التي تناقلتها مواقع ووسائل إعلامية؛ فالمنطقة تشهد أوضاعاً اقتصادية واجتماعية سيئة للغاية، إلى جانب عمليات خطف للنساء، من قبل تنظيم داعش، الذي ما تزال عناصره متواجدة في بعض مناطق في محافظة دير الزور، التي هي فعلياً تحت نفوذ النظام السوري.

يعتقد الصحفي بشار يوسف أنّ كلّ الجهات السياسية، باستثناء النظام السوري، رافضة للهيمنة الإيرانية و"التشييع" الممنهج لدير الزور

يضاف إلى ذلك تغلغل الوجود الإيراني في المنطقة، الذي بات غير مقتصر على التواجد العسكري، بل هناك محاولات لـ "تشييع" المنطقة، من خلال انتشار مراكز وجوامع، مهمتها نشر المذهب الشيعي في منطقة يغلب عليها الطابع العشائري من جهة، والإسلام " السنّي" من جهة أخرى، كما تشهد المنطقة عمليات تهريب للنفط والمواشي من مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية: (قسد)، إلى مناطق يسيطر عليها النظام السوري.
جميع هذه العوامل أدّت إلى انفجار اجتماعي على الأرض؛ إذ شهدت المنطقة مظاهرة حاشدة، في 20 أيلول (سبتمبر) الماضي. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فقد تمّ رصد "مظاهرة كبيرة وحاشدة نفذها أهالي بلدات وقرى خشام والطابية جزيرة ومراط ومظلوم وحطلة والحسينية عند دوار المعامل، شمال مدينة دير الزور، مطالبين بطرد قوات النظام والميليشيات الإيرانية منها، ورفعوا شعارات تطالب التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على هذه القرى، وطالبوا بوقف التمدّد الإيراني في المنطقة".

المنطقة تشهد أوضاعاً اقتصادية واجتماعية سيئة للغاية
وأفاد المرصد أنّ "عدداً من المتظاهرين عمدوا إلى اقتحام حاجز يعرف باسم "حاجز كازية صقر" بالقرب من معبر الصالحية في المنطقة الفاصلة بين مناطق نفوذ قسد ومناطق نفوذ قوات النظام"، كما ذكر المصدر "مقتل اثنين وإصابة 11 آخرين إثر إطلاق قوات النظام السوري الرصاص الحيّ على المتظاهرين عند المنطقة الفاصلة بين مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية ومناطق نفوذ النظام على تخوم قرية الصالحية شمال دير الزور".

اقرأ أيضاً: هل الحلّ في كتابة دستور سوري جديد؟
على صعيد آخر؛ نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً تدين فيه خرق قوات سوريا الديمقراطية للعقوبات الأمريكية والأوروبية، ودعم النظام السوري بالنفط والغاز، وجاء فيه: "إنّ قوات سوريا الديمقراطية تخرق العقوبات الأمريكية والأوروبية، وتدعم النظام السوري بالنفط والغاز، وتطالب بفتح تحقيقات للكشف عن مصاريف عوائد النفط والغاز، خوفاً من أن تصب في دعم الإرهاب"، كما أشار البيان إلى أنّ "مجلس الأمن الدولي فشل في مهمته في حفظ السلم والأمن بشكل كامل في سوريا بعد الحجم المرعب الكثيف من الانتهاكات الممارسة من قبل السلطة الحاكمة ضدَّ الشعب السوري، واستخدام النظام السوري سلاح الدمار الشامل ضدّ شعبه، كما أنّ الأمم المتحدة لم تفرض عليه مجرد عقوبات اقتصادية، أو حظر توريد أسلحة".

اقرأ أيضاً: كيف أثّر ارتفاع سعر الدولار على الحياة اليومية في سوريا؟
كما نوّه البيان إلى أنّ "موجات الغضب الشعبية التي شهدتها عدة قرى وبلدات في دير الزور، في نيسان (أبريل) الماضي، جاءت نتيجة سوء الأحوال الخدمية، وعدم ترميم البنى التحتية أو المشافي، وعدم تقديم الخدمات الأساسية منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة، رغم أنّها منطقة غنية بالنفط".
لكنّ المظاهرات التي قامت ضدّ النظام السوري والميليشيات الإيرانية، ورغم تعدّد أسبابها، الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنّها لا تبتعد كثيراً عن الصراع السياسي في المنطقة؛ إذ إنّ قوات (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، ترغب في إزاحة الهيمنة الإيرانية من المنطقة؛ فالمظاهرات تطورت في المنطقة الحدودية عند ما يعرف بـ "دوار المعامل"، لتشهد في الأيام التالية اعتصاماً للأهالي، برفقة عناصر من قوات (قسد).
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فإنّ "عشرات المواطنين برفقة عناصر من قوات سوريا الديمقراطية يواصلون اعتصامهم ضمن خيمة اعتصام ضمن المنطقة الفاصلة بين مناطق نفوذ قوات النظام ومناطق نفوذ "قسد"، شمال مدينة دير الزور، أي ما يعرف بمنطقة الـ 7 كلم، أو دوار المعامل، وذلك في إطار الحملة التي تقف خلفها "قسد"، لدفع المواطنين بالخروج ضدّ قوات النظام، بغية سيطرة الأول، برفقة التحالف الدولي، على كامل منطقة شرق الفرات بريف دير الزور".
"حفريات" تحدثت مع الكاتب الصحفي السوري بشار يوسف، المهتم بتغطية الأحداث السياسية والعسكرية في مناطق شمال سوريا، حول موضوع خروج المظاهرات مؤخراً في دير الزور. وبسؤاله: هل تعود أسباب خروج المظاهرات إلى تهريب النفط والغاز، أم إلى سوء الأوضاع الاجتماعية والمعيشية في المنطقة، أجاب: "الموضوع ليس له علاقة بمسألة النفط؛ لأنّ الشعارات التي ارتفعت في المظاهرات كانت تطالب التحالف الدولي في السيطرة على هذه المناطق، والتحالف الدولي ليس المعني بالسيطرة على مناطق شرق الفرات؛ بل المسيطر على هذه المناطق هي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكمؤسسات، هناك الإدارة الذاتية، المدعومة بدورها من التحالف الدولي".

اقرأ أيضاً: في الذكرى السادسة لمجزرة الكيماوي: من يحاسب نظام الأسد؟
إذاً؛ الموضوع ليس رفضاً لـ (قسد)، ولا يتعلق بتهريب النفط أو المواشي، في حال أسميناه "تهريباً"، كما يقول يوسف، "فخلفية المظاهرات ترجع إلى أنّ منطقة دير الزور شهدت منذ البداية حراكاً ومظاهرات ضدّ النظام السوريّ، منذ بداية الثورة في سوريا، مطلع عام 2011، وهناك أسباب اجتماعية واقتصادية عديدة؛ فالمناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري، إلى جانب المناطق التي تخضع لسيطرة الميليشيات المؤيدة له، أو الميليشيات الإيرانية، تواجه الكثير من ممارسات هذه الميليشيات؛ كالحواجز الأمنية والعسكرية التي تتقاضى مبالغ مالية (أتاوات) من أهالي المنطقة، إضافة إلى غلاء الأسعار، والفساد الموجود في هذه المؤسسات".

اقرا أيضاً: أردوغان يتخلى عن اللاجئين السوريين والشرطة التركية تطاردهم في الشوارع
ويتابع "عندما تتمّ مقارنة هذه المؤسسات، بحكم العلاقات العشائرية الموجودة في المنطقة، بمناطق قريبة منها، تخضع إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو تابعة للإدارة الذاتية، وحتى المناطق التي لم يعد إليها نازحون كثر؛ فهذه المؤسسات، شئنا أم أبينا، تقدم خدمات أفضل بكثير من الخدمات التي يقدّمها النظام السوري، لعدة أسباب، منها: رغبة الإدارة الذاتية في تثيبت نفسها، بضغط من التحالف الدولي، أو الدعم المادي الكبير المقدَّم لهذه المؤسسات؛ فنحن نعرف أنّ موضوعات، مثل إعادة الإعمار، وتمويل المنظمات الدولية، جميعها لا تقترب إلى مناطق سيطرة النظام، بل فقط جهات تابعة للأمم المتحدة، وبطرق معينة".
ونتيجة لذلك؛ يرى يوسف أنّ المظاهرات التي حدثت مؤخراً أسبابها اقتصادية واجتماعية بشكل رئيس؛ إذ يقول: "مؤكّد أنّ بعض المحرّكين لهذا المظاهرات من الشباب، هم بالأصل رافضون للنظام السوري من الأشهر الأولى للثورة، إضافة إلى "حالة التشييع" التي هي أيضاً تواجَه بالرفض؛ فنحن نتحدّث عن مجتمع عشائري، إسلامي "سنّي"، وفكرة "التشييع" بالنسبة إليهم، مرفوضة".
هناك محاولات لـ "تشييع" المنطقة

تشييع ممنهج في دير الزور
ويرى بشار يوسف؛ أنّ التشييع منتشر بالفعل في دير الزور؛ "إذ بات من المعروف في المنطقة، أنّ هناك مراكز كثيرة يجري افتتاحها، تحديداً في مناطق في دير الزور، وفي البوكمال، والقرى المحيطة حولها، كما يجري افتتاح جوامع ومراكز، وهناك رواتب تدفع من خلال تلك المراكز، وبسبب الوضع المعيشي الصعب، كثير من العوائل والأهالي، يضطرون أحياناً للتعيّش من خلال هذه المراكز؛ لعدم وجود موارد أخرى للعيش أمامهم؛ فهذه المراكز الإيرانية تقوم باستغلال حاجة الناس بهذه الطريقة، إضافة إلى السلطة العسكرية الموجودة، التي هي مليشيات إيرانية".

بيان: موجات الغضب الشعبية التي شهدتها دير الزور في نيسان  الماضي جاءت نتيجة سوء الأحوال الخدمية

وفي الحديث عن الزمن أو المدة التي من الممكن أن يستمر خلالها هذا الوضع في دير الزور؛ يعتقد بشار أنّ "كلّ الجهات السياسية، باستثناء النظام السوري، رافضة للهيمنة الإيرانية و"التشييع" الممنهج للمنطقة، بمن فيهم روسيا، الداعمة للنظام السوري، لذلك، هناك اتفاق يجري الاشتغال عليه، ببطء، لإلغاء دور إيران والميليشيات التابعة لها".
ويضيف: "ما نراه من قصف إسرائيلي على مواقع إيرانية في المنطقة، بموافقة روسية، وتفاهم روسي أمريكي، وبالنسبة إلى التحالف الدولي وأمريكا؛ كان موضوع إخراج القوات الإيرانية من دير الزور تحديداً شيئاً أساسياً، وإذا اضطر الأمر لعملية عسكرية، فالغطاء الجوي سيكون أمريكياً طبعاً، لكنّ القوات البرية ستكون قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالتأكيد".
وأردف قائلاً: "ما يجري مهم للغاية؛ إذ نتحدث عن محافظة مثل دير الزور، يتواجد فيها النفط والغاز، وهناك تقارير منذ فترة، تتحدث عن ثروات أخرى موجودة، تدخل ضمن الصناعات التكنولوجية بشكل عام، فهي منطقة مهمة لجميع الأطراف المتصارعة، عدا أنّها منطقة حدودية مع العراق، التي فيها تواجد أمريكي كبير، لنصل إلى نتيجة مفادها أنّ إخراج إيران من المنطقة بات مطلباً جماعياً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية