النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية: هل تصمت المدافع أخيراً؟

سوريا

النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية: هل تصمت المدافع أخيراً؟


19/05/2019

تبقى المسألة الكردية ومنطقة الشمال الشرقي لسوريا، مفتوحة على عدة سيناريوهات، ومعها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والتي تأسست قبل ثلاثة أعوام، في مدينة الحسكة، بهدف القضاء على ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتقع مناطق نفوذها شرق الفرات، ويشمل محافظتي الرقة والحسكة، إضافة إلى مناطق شرق النهر، في محافظة دير الزور.

اقرأ أيضاً: محكمة دولية.. هل تنهي مشكلة مقاتلي داعش المحتجزين لدى "قسد"؟
وتمثل المناطق التي تفرض قسد سيطرتها عليها أهمية بالغة، من الناحيتين الجغرافية والجيوسياسية، ناهيك عن الأهمية الاقتصادية، ما يجعلها ورقة ضغط قوية ومؤثرة، في سبيل تحقيق عدد من المكتسبات السياسية، بيد أطرافها المباشرين؛ حيث تبلغ المساحة التي تستولي عليها نحو 51 ألف كيلومتراً مربعاً؛ تمتد على نصف طول الشريط الحدودي مع تركيا، وتتاخم أكثر من نصف طول الشريط الحدودي مع العراق.

الإدارة الذاتية لديها مصلحة في الاتفاق مع النظام السوري، كونها تبعد بهذا الاتفاق شبح أيّ توغل عسكري احتلالي تركي

ومن ناحية أخرى؛ تستحوذ الجغرافيا التي تقع فيها قوات سوريا الديمقراطية، والتي يصل عدد مقاتليها، المدعومين من الولايات المتحدة، نحو 60 ألفاً، بحسب تقديرات صحفية، على مساحة هائلة من الموارد الطبيعية، فضلاً عمّا تحظى به من دعم لوجيستي وتدريب، وتوفير معدات عسكرية، مثل: ناقلات جنود، ومدافع هاون، ورشاشات ثقيلة؛ حيث تسيطر على نحو 6%، من حقول النفط والغاز الطبيعي في تلك الأراضي، وقد سيطرت، في نهاية العام قبل الماضي، على أكبر 11 حقلاً للنفط في سوريا.
بيد أنّ حقول النفط الموجودة في منطقة شرق دير الزور، تمثل ما يقرب من ثلث مصادر الطاقة في سوريا، ومثلها حقول الغاز، المتوافرة في مدينة الحسكة، والتي تعدّ أكبر مصدر للغاز الطبيعي في سوريا.
شرق سوريا بين النهب والأطماع ومستقبل التقسيم

تمثل المناطق التي تفرض قسد سيطرتها عليها أهمية بالغة
يترتب على جملة تلك العوامل والمحددات، عدد من الأمور، التي تجعل هذه المنطقة جزءاً من صراع آخر، على تخوم المعركة الكبيرة والمحتدمة، الدائرة في سوريا، وكما أنّ أنقرة تسعى طوال الوقت لشنّ حملات عسكرية ضدّ الأكراد، بهدف فرض هيمنتها ومنع إقامة دولة كردية، تتردّد كلّ فترة محاولات من جانب النظام السوري، تهدف إلى التفاوض والمصالحة مع قسد، وهو الأمر الذي لا يأخذ مسارات نهائية أو حاسمة، لكنّه مطروح طوال الوقت، دون سقف محدد، أو ملامح واضحة ودقيقة.

اقرأ أيضاً: بعد انتصار "قسد".. هل انتهى تهديد داعش؟
مؤخراً، قدم النظام السوري لمجلس الأمن بيان إدانة لقوات سوريا الديمقراطية؛ حيث طالب النظام المجلس بتحمّل مسؤولياته، في وقف ما وصفها بـ "اعتداءات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في مناطق بريف دير الزور شرق البلاد".
ويلفت البيان الذي قدمته الخارجية السورية، وتوقيته، إلى عملية استثمار النظام للاحتجاجات العشائرية، الدائرة في الوقت الحالي ضد قسد، وهي حيلة، أو بالأحرى رهانات، يضعها النظام، بصورة دائمة، في سبيل مواجهته السياسية مع خصومه، والتي ينتقل فيها بين توظيف العنصر الطائفي، تارة، والتناقضات القائمة في بنية المجتمعات التي تحكمها العشائرية، تارة أخرى، خاصة أنّ حضور قياداتها وممثليها القبليين، وتأثيراتهم، قائمة في المجال العام.
رهانات خاسرة
ورغم التهميش الذي عانى منه هؤلاء في ظلّ حكم بشار الأسد، وبعض الامتيازات القليلة، بغرض تأمين وتأميم الصراعات ضدّه، والتي حظي بها بعض الأفراد داخل تلك العشائر، بينما ظلت البنية التحتية تعاني الحرمان والفقر الشديدين، فقد حاول النظام السوري كسب دعم وتأييد العشائر التي تقع في نطاق نفوذه، قبل اندلاع الثورة، حين قام الأسد بزيارة الرقة، والتقى بوفود ممثلة عن القبائل والعشائر.

رفضت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا محتوى البيان الذي صدر من قبل الخارجية السورية
كما أنّه، في نهاية كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، أعلن النظام عقد اجتماع عشائري، في منطقة أثريا، جنوب مدينة الرقة، حضرته المئات من الشخصيات العشائرية، من المساندين للنظام، والذين يعيشون في مناطق سيطرته، إضافة إلى حضور بعض الشخصيات العشائرية العراقية، المعروفة بولائها لإيران، وقد أسفر الاجتماع عن صدور بيان، عكس خطاب النظام، ورؤيته، وسياسته، في المحافظات الشرقية السورية.

اقرأ أيضاً: "قسد" تبعث رسالة إلى سوريا وتركيا.. هذا ما جاء فيها
وبحسب الوكالة الرسمية للأنباء "سانا"؛ فإنّ "الخارجية السورية وجهت رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، حول المجزرة التي ارتكبتها ميليشيا قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، بدعم من التحالف الأمريكي، في مدينة الشحيل بريف دير الزور".
ومن جهتها، رفضت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التصعيد من جانب النظام، وكذلك محتوى البيان الذي صدر من قبل الخارجية السورية؛ حيث وصفته بأنّه بمثابة "دعم مباشر لكل الجهود التي تريد تقسيم الوطن السوري"، وقالت إنّها لم ترَ صحوة للنظام رغم أعوام من الإرهاب والدمار والقتل والتهجير والاحتلال؛ حيث إنّ استثمار النظام للأحداث المقصودة، والتي جرت في مدنٍ بدير الزور، عن طريق بعض المجموعات المأجورة، بحسب توصيفهم، يحمل رسائل كثيرة ومخطط، لا يخدم الشعب السوري مطلقاً.
النظام وقوات سوريا.. خطابات متبادلة
وأوضحت الإدارة الذاتية، في بيان منشور: "لا شكّ في أنّ معركة الانتصار على داعش تمثل مرحلة مفصلية في تاريخ سوريا والمنطقة؛ حيث دلالات ذلك عملياً تتجسّد، اليوم، في حالة الاستقرار التي يشهدها شمال وشرق سوريا، والتي تدلّ على الدور المهم الذي قامت به قوات سوريا الديمقراطية، والإدارة الذاتية في حماية المنطقة، والحفاظ على وحدة واستقرار سوريا، وهو ما يمكن وصفه بكلّ قوة؛ بأنّه أداء للواجب الأخلاقي والوطني بالدرجة الأولى، والذي ما يزال مستمراً في إطار مكافحة الخلايا الإرهابية بالتنسيق مع التحالف الدولي"..

 معركة الانتصار على داعش تمثل مرحلة مفصلية في تاريخ سوريا والمنطقة
ووصفت الخطاب السلبي الذي يعتمده النظام السوري ضدّ الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، فضلاً عن الرسائل الموجهة إلى كلّ من الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، بأنه يحمل ضمنياً مواقف ليست لها صلة بالحقيقة، وذلك من قبيل الأوصاف التي وردت ضد قوات سوريا الديمقراطية، مثل: "الخائنة"، و"المسؤولة عن المجازر"، وهو ما يدفع نحو تقسيم الوطن السوري، والتغطية على التجاوزات التي تتم من قبل بعض الأطراف في ضرب جهود الحل والتوجه الديمقراطي.

اقرأ أيضاً: هذه هي تفاصيل الصفقة الغامضة بين النظام السوري وداعش
وأشارت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلى أنّه "رغم الاحتلال التركي للأراضي السورية، وهجومه على عفرين، ومحاولاته عزلها عن الجغرافية السورية، من خلال الجدار الإسمنتي، والذي يعدّ انتهاكاً صارخاً، لكلّ العهود والمواثيق الدولية، إلا أنّنا لم نرَ ردّ فعل من النظام السوري، وتقديمه شكوى لمجلس الأمن والأمم المتحدة، مع تخلفه حتى الآن في تبني موقف مسؤول".
المواجهة مستحيلة والتفاوض ممكن
إذاً، تبدو مسألة التفاوض والمصالحة بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، عملية قائمة ومطروحة، طوال الوقت، رغم المعوقات التي تتسبب في تجميدها وتعطيلها، لكن من الناحية السياسية؛ ثمة نقاط يتلاقى عندها الطرفان، وهو ما يشير إليه الباحث في الشأن الكردي، باز البجاري؛ إذ يرى أنّ العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، هي "علاقة مصلحية وآنية بين الطرفين"، فالإدارة الذاتية، بعد سبعة أعوام من حكم المنطقة، وهي تعدّ أغنى المناطق السورية بالمصادر الاقتصادية، تجد صعوبة في القبول بتنازلات كبيرة.
وبالتالي، يتطلب الأمر من الطرفين الاعتراف بواقع الحال، وعدم قدرة أيّ منهما على الاستمرار بعملية التهديد والوعيد، دون الوصول لاتفاق جادّ ومقنع للطرفين.

حاول النظام السوري كسب تأييد العشائر التي تقع في نطاق نفوذه قبل اندلاع الثورة حين قام الأسد بزيارة الرقة

ويؤكد في حديثه لـ "حفريات"، بأنّ "هذه العلاقة مرت خلال العقود الثلاثة الماضية، بمراحل متفاوتة، وتراوحت العلاقة بين التحالف والخصومة، بحسب مصالح كلا الطرفين".
وحول إمكانية وفرص التفاوض بين الجانبين، يعتقد الباحث الكردي أنّ الحديث عن العلاقة المستقبلية بين الطرفين، اليوم، تبدو ممكنة، وذلك أكثر من إمكانية الاتفاق بين النظام وباقي التيارات السورية المعارضة الأخرى، خاصة أنّ فكرة التفاوض المباشر مقبولة في الأساس لدى الطرفين، وكانت هناك جولات حوارية سابقة بين الطرفين.
ومن بين تلك الأسباب، التي يرى البجاري أنّها تدفع باتجاه التفاوض، ويرجح عملية التفاوض بدلاً من الخصومة؛ وجود مصلحة مشتركة للطرفين؛ فالنظام السوري يدرك أنه غير مؤهل ليخرج منتصراً، في أيّة معركة مستقبلية مع قوات الإدارة الذاتية، وذلك في ظلّ وجود قوات التحالف في المنطقة، إضافة إلى جاهزية القوات العسكرية للإدارة الذاتية، وصعوبة المعركة معها.

اقرأ أيضاً: النظام السوري يمنح روسيا إقامة مفتوحة على ساحل البحر المتوسط
ومن جهة أخرى؛ فإنّ الإدارة الذاتية لديها مصلحة في الاتفاق مع النظام السوري، كونها تبعد بهذا الاتفاق شبح أيّ توغل عسكري احتلالي تركي في المنطقة، وهذا الاتفاق، إن حصل، سيثبت شرعية الإدارة الذاتية.
بيد أنّه ثمة معوقات، وهي كثيرة، ولا يمكن إغفالها؛ حيث إنّ تركيا، "صاحبة الأطماع التوسعية الاحتلالية، ستقدم كلّ ما يلزم، وتتنازل للنظام السوري إن اضطرها الأمر لذلك، حتى لا يكون للكرد في سوريا أيّ مكسب سياسي"، وهذا ما يدخل  النظام السوري، وداعمه الروسي، في دائرة المقارنات، بهدف خوض مفاوضات جادة مع الإدارة الذاتية، بينما سيظل النظام السوري يعمل على تقديم نفسه، على أنّه صاحب الموقف الأقوى، ويتهرب من أيّ اعتراف رسمي بالإدارة الذاتية، لجهة فرض رؤيته، وهذا ما يحوّل الأمر من مفاوضات إلى عملية عضّ أصابع، بحسب البجاري.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية