"دولة حزب الله" أقوى من دولة لبنان

"دولة حزب الله" أقوى من دولة لبنان


30/10/2021

ماجد كيالي

ثمة مئة ألف مقاتل في صفوف "حزب الله"، بحسب ما جاء في الخطاب التهديدي الذي ألقاه أمينه العام حسن نصرالله، مؤخّراً، بعد أحداث الطيونة. بيد أن هذا الرقم، وبغضّ النظر عن دقّته يصفع لبنان بثلاث حقائق خطيرة، الأولى، أن هذا العدد من المسلحين بات يشتغل في حسابات تتعلّق بفرض الهيمنة على لبنان، والمشرق العربي، لا سيما مع مشاركة الحزب في قتال السوريين، إلى جانب النظام، علماً أن هذا الحزب كان توقف عن مقاومة إسرائيل منذ انسحابها من الجنوب عام 2000، باستثناء لحظة خطف الجنديين الإسرائيليين في 2006. والثانية، إن هذا العدد يكشف صراحة أن ذلك الحزب بات، منذ زمن طويل، بمثابة دولة داخل، أو فوق، الدولة في لبنان، إذ إن وجود عشرات ألوف المقاتلين يتطلب وجود شبكة خدماتية كبيرة ومتشعبة ومتغلغلة في كل مؤسسات الدولة وبنى المجتمع في لبنان. والثالثة، أن لبنان بات يقع، منذ زمن، في إطار النفوذ الإيراني، وهو ما ظل بعض المسؤولين الإيرانيين يجهرون به من أن طهران تهيمن على عواصم عربية عدة، هي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء مع إضافة غزة "بحكم هيمنة حماس عليها".

في أية حال لا يمكن تجاهل الحقائق السابقة في التعاطي مع هذا الحزب، الذي أضحى منذ زمن طويل بمثابة جيش لـ"دولة حزب الله"، ما يذكر بالكتاب المبكّر للمفكر اللبناني وضاح شرارة (دار النهار 1996)، بيد أن معنى وجود جيش، مع مؤسسات خدماتية، يفيد بالضرورة بوجود موارد مالية، وعلاقات اقتصادية ريعية، تمكن تلك "الدولة" من الوجود، وذلك الجيش من النشاط، ما يفسر، أيضاً، ضمور الدولة الظاهرة، ونمو الدولة الباطنة المتمثلة بـ"حزب الله" ومؤسساته، لا سيما أنه بات يتحكم بخيارات لبنان الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية.

وفي الواقع، فقد وصلت قوة "حزب الله" إلى حد أنه لا يجاهر فقط بمصادر تمويله المعروفة للقاصي والداني، متحدياً الدولة، إذ إنه يتبجح، أيضاً، بأنه لا يتضرر البتة، أو لا يتأثر سلباً، بكل الضغوط السياسية، أو الأحوال الاقتصادية الصعبة، التي يتأثر بها الشعب اللبناني. فبحسب قول أمينه العام في أحد خطبه: "معاشاتنا وصواريخنا وأكلنا وشربنا من الجمهورية الإسلامية في إيران"، بل إن جبروت القوة وصل به حد توجيه الاتهام لأي طرف لبناني آخر بتمويل خارجي، وكأنه بات هو الدولة، أو كأن إيران باتت جزءاً من لبنان، أو أنه يتصرف كأن لبنان جزءاً من إيران، وهو القائل: "خامنئي قائداً وسيدنا وحسين هذا الزمان".

ومن البديهي أن التدفقات المالية والتسليحية الإيرانية لهذا الحزب منذ إنشائه (مطلع الثمانينات من القرن الماضي)، بواسطة "الحرس الثوري" الإيراني، مكّنته من تحقيق الهيمنة في البيئات التي يشتغل فيها، بداية، وفرض سيطرته الأحادية فيها، إلى أن أضحى بمثابة دولة بكل معنى الكلمة مع جيش ومؤسسات، بدعم من النظام السوري. بيد أنه في مرحلة تالية أضحى ذلك الحزب يشتغل، أيضاً، على تنمية موارد "دولته" الخاصة، من خلال إنشاء شركات، مالية وتجارية وخدماتية وصناعية، وكلها خارج السيستم الاقتصادي، أو العملية الانتاجية، للبنان، مع نظام للتملص من الضرائب، ومع قنوات التهريب لبضائع مشروعة أو غير مشروعة.

ما يفترض ملاحظته هنا أن "دولة حزب الله" تلك أنبنت على ركائز عدة، أهمها:

- أولاً، القاعدة الاجتماعية/ الطائفة، مع تمييزنا هنا بين الطائفة كجماعة دينية، وبين الطائفية التي تضفي طابع الوظيفة السياسية، أو الاستخدامية لجماعة معينة.

- ثانياً، الميليشيا المسلحة، بمعنى أن "حزب الله" ما كان له أن يكون بتلك القوة لولا أنه حزب مسلح، وهذا ليس شيئاً ثانوياً في معادلات، أو حسابات، القوة في السياسة في لبنان.

- ثالثاً، وجود دولة مركز، وهي إيران، بمعنى أن ذلك الحزب لا يشتغل لحسابه وإنما يشتغل كذراع إقليمية لإيران في لبنان وفي المشرق العربي، وهذا بالتأكيد بالضد من مصلحة "شيعة" لبنان، ومصلحة كل اللبنانيين؛ علماً أن هذا الحزب هو الذي أدخل الاعتقاد بمبدأ "ولاية الفقيه" في مذهب الشيعيّة اللبنانية، وهو الأمر الذي عارضه العديد من أئمة الشيعة الكبار في لبنان (كما في النجف في العراق).

- رابعاً، واضح أن وجود إيران، وإغداقها المال والسلاح على "حزب الله"، وتوفير حليف بحجم النظام السوري في لبنان، مكّنه من الوجود على هذا النحو الذي أصبح عليه، إذ إنه فيما بعد خروج الجيش السوري من لبنان استطاع فرض ذاته بقوته الذاتية، بدليل اعتصام الـ18 شهراً في أواخر عام 2006، حول السرايا الحكومية في بيروت لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وهو الأمر الذي توّج باستعراض القوة لمجاميع "القمصان السود" في بيروت.

باختصار المشكلة مع "حزب الله"، لا تكمن في طابعه الديني، فهذا شأنه، وإنما هي تكمن في المجالات الآتية:

 أولاً، ادعاؤه أنه "حزب الله" وهذا افتراء على الذات الإلهية ومحاولة احتكار لاسم الله، وهو ما يتبدى في استدعائه الخطاب الديني في معاركه وخياراته السياسية، على نحو ما نلاحظ في خطابات زعيمه.

 ثانياً، انه حزب لجماعة دينية محددة ترتكز على إعلاء شأن العصبية الطائفية، في خطاباته وبنيته الداخلية، وهذا ما ينزع عنه صفة أنه حزب وطني لبناني، لا سيما مع تابعيته لمرجعية "الولي الفقيه"، أي للمرشد الأعلى في إيران، وصيحاته أن "لبيك يا حسين" و"هيهات منا الذلة"؛ بخاصة مع عدم شموله في تركيبته على لبنانيين، من مختلف المكوّنات الطائفية والمذهبية.

 ثالثاً، الطابع المافيوي لبعض أنشطته، أو إظهار قدرته على السيطرة والترويع، يأتي ضمن ذلك عمليات اغتيال الخصوم التي شهدها لبنان، قبل اغتيال الحريري (2005) وبعده، والتي وضعته موضع الشبهة، وضمنها عمليات اغتيال شخصيات "شيعية" مؤثرة في الحياة الثقافية ولبنان، من حسين مروة إلى مهدي عامل وصولاً إلى لقمان سليم.

 رابعاً، إن هذا الحزب ينتمي الى منظومة الأحزاب الدينية "السلفية"، التي تؤدي دوراً كبيراً في تأجيج الصراعات الطائفية، والمذهبية، في المجتمعات العربية، لا سيما أن هذا الحزب يعتمد سردية "المظلومية" الشيعية، ويشتغل على تنمية عصبيتها في لبنان، في استدعاء للماضي في صراعات الحاضر السياسية.

 خامساً، إنه بات يحتكر التقرير بمصير لبنان، وخياراته السياسية الداخلية والخارجية، وضمن ذلك إزاء إسرائيل، والتورط في الحرب الوحشية ضد السوريين.

سادساً، إنه بات بمثابة حارس لنظام الفساد والطائفية في لبنان، وهو ما تبدى في انخراطه النشط في إجهاض انتفاضة الشعب اللبناني، التي انطلقت قبل عامين، ما يؤكد أن "حزب الله" في ذلك يدافع عن "دولته" هو، وليس دولة لبنان.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية