دولة النهب : عندما تحالفت الجريمة المنظمة والإسلام السياسي في السودان

دولة النهب : عندما تحالفت الجريمة المنظمة والإسلام السياسي في السودان

دولة النهب : عندما تحالفت الجريمة المنظمة والإسلام السياسي في السودان


17/05/2025

نبيل منصور

من بين دخان الحرب وأنين المدنيين، تَبرُز جريمة صادمة، ليست فقط في بشاعتها، بل في تنظيمها ودقتها وجرأتها: نهب دولة. فهذه السرقة التي حدثت وقمنا بدون وعي بنسبتها طوال الفترة السابقة لـ”لصوص حرب” لم تكن امرا عاديا كعادة الحروب الأخرى، بل عملية ممنهجة تقودها دولة موازية، لها خبرة ثلاثين عامًا في السرقة والاحتيال والتمكين، وعلاقات مع شبكات المال والسلاح والتهريب. إنها “الدولة العميقة الكيزانية” التي لم تكتف بتدمير الحاضر، بل بتدمير المستقبل حين سعت خلال الحرب الأخيرة إلى نهب ما تبقى من بنية البلاد التحتية ومقدراتها الاقتصادية.

لم يُنهب فقط منزل مواطن بسيط، بل نُهبت الوزارات، المؤسسات، المصانع، كوابل النحاس، الحديد، أعمال الناس، العربات … الخ . وكأن هناك خطة مفصلة لاقتلاع قلب الدولة من جذوره.

النهب الذي رأيناه ليس عشوائيًا:

تحركات تمت تحت أعين الشرطة، الجيش، الاستخبارات، الامن، الجمارك، وزارة المالية، موظفي الموانئ … الخ . ولم يسأل أحد. مرت الشحنات المُنهوبة من معادن ثمينة كالحديد والنحاس و…. الخ . أمام الجميع، عبر الميناء ونقاط الحدود، بلا مساءلة. كيف حدث هذا ؟ الجواب لا يحتاج تفكيرًا طويلًا: لأن من يقف خلف هذه الشحنات هو من يملك القرار ويملك الغطاء.

تم كل هذا، بينما الجنود من الجانبين مشغولون بالمعارك . فمن الذي نظّم السرقة؟ من الذي وفّر شاحنات النقل؟ ومن الذي سهّل التخزين واعداد المسروقات للتصدير؟ لا تفسير منطقي سوى أن هناك جهازًا آخر، شبكة تملك الخبرة والدراية والمعلومات، بل قد يكون تخطيط مسبق يعود الي ما قبل الحرب، نقول هذا الكلام بكل ثقة، لأن ما حدث يتجاوز قدرات لصوص الحرب العاديين، ويكشف عن وجود شبكة محترفة ذات خبرة وتجهيز مسبق، هي امتداد لشبكات التهريب القديمة التي استمرت في العمل رغم سعار الحرب.

تفكيك دقيق لشبكات الكهرباء، لمحولات المياه، لتجهيزات المستشفيات، لورش المصانع.. وحتى بيوت المواطنين الفقيرة لم تسلم. نعم كان هناك لصوص عاديين ولكن من استحوذ على “الزبدة” كان يعرف قيمتها، وكان يعرف كيف يخرجها من السودان دون أن يُسأل من أين جاءت، وكيف خرجت، والحرب ما زالت مشتعلة. ببساطة هم من حكمونا ثلاثين سنة، من زرعوا رجالهم في كل مفصل إداري ومالي وأمني في الدولة.

شركات الظل الكيزانية كانت حاضرة في تصدير الحديد، في تهريب النحاس وذلك بما تمتلكه من معلومات وادوات وسلطة . بل يمكننا الان ان نقول انها يمكن ان تكون أعادت تموضعها بطريقة مؤقتة عبر التحالف مع المليشيا نفسها ليسهل حركتها اثناء الحرب . الحرب وفرت لها المناخ المثالي، فاستغلت الفوضى لتنفذ أكبر عملية تفكيك للدولة السودانية منذ الاستقلال.

ما جرى لم يكن فقط من أجل المال، بل كان خطة متعمدة لإلغاء السودان بشكله القديم، وتشكيل خريطة جديدة على أنقاضه. فهذه الكمية من التخريب والتدمير، وهذا الإصرار على النهب، والمنهجية التي تمت بها العملية، لا يمكن أن تكون سوى نتاج عقل إجرامي يظن أنه قادر على الهرب من المحاسبة.

جرائم لم تعرف حد او اخلاق:

إنّ هذا التحالف الدموي الذي يسعى البعض إلى شرعنته أو التغاضي عن طبيعته الإجرامية، لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد أبناء وبنات هذا الوطن، تماماً كما فعل في مجازر سابقة، بدءاً من فضّ اعتصام القيادة العامة، الذي لم يكن حدثاً معزولاً، بل كشف عن نية ممنهجة في استخدام أبشع وسائل القمع والإذلال، حيث لا زلنا نتذكر كيف تعرّضت متظاهرات للاغتصاب حتى داخل المساجد، ورُمي شبّان أبرياء من على الكباري بعد أن رُبطت أرجلهم بكتل إسمنتية. وهي أفعال ليست محصورة في الخرطوم وحدها، بل تكرّرت بأشكال متطابقة في دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، وفي مدن الجزيرة والقضارف وسنار، وحتى في أطراف بورتسودان. هذه الجرائم لم تكن حوادث فردية، بل تعبيراً عن ذهنية إجرامية ترى في الجسد السوداني هدفاً مشروعاً للسحق والإهانة وفي ممتلكاته حق مشروع وغنيمة من أجل كسر إرادة التغيير.

مناشدة إلى الشعب السوداني

يا أبناء وبنات السودان،

ما يجري اليوم في بلادنا ليس مجرد حرب، بل هو مجزرة ممنهجة ضد الوطن، ضد مستقبلكم، ضد أرزاقكم وأحلامكم. لا تكتفوا بالغضب الصامت، ولا تنساقوا خلف روايات التضليل والتزييف، فالصمت في مثل هذا المقام تواطؤ، والحياد خيانة لدماء الأبرياء وكرامة البلاد.

نناشدكم أن تكونوا عيونًا للوطن وضميرًا حيًا:

• وثّقوا ما ترونه من نهب وتخريب وسرقة وتفكيك.

• سجّلوا الأسماء، الأزمنة، المواقع، وأنواع المنهوبات.

• انشروا هذه الشهادات في وسائل التواصل الاجتماعي، فالتاريخ يُكتب الآن، وأي تهاون يعني ضياع الحقيقة.

إن كنتم لا تستطيعون منع ما يحدث، فلا تكونوا جزءًا منه بصمتكم أو حيادكم.

فليكن كل هاتف كاميرا مقاومة، وكل كلمة صرخة، وكل توثيق خطوة نحو العدالة والمحاسبة.

السودان يُنهب أمام أعيننا، فلنكن على قدر المسؤولية.

الخاتمة:

إن من يتعامل مع هذا المشهد كـ”تفلتات أمنية” أو “سرقات فردية” فهو إما غافل أو متواطئ. إنها جريمة منظمة نفذها تحالف الجريمة مع الإسلام السياسي، في ظل غياب كامل للضمير والشرعية. وما لم يتم كشف هذه الشبكة ومحاكمتها، فلن تكون الحرب مجرد صراع عسكري، بل ستكون بوابة لانهيار ما تبقى من السودان كدولة.

الراكوبة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية