دمشق تمدّ يدها إلى قطر... لننظر إلى المستقبل

دمشق تمدّ يدها إلى قطر... لننظر إلى المستقبل

دمشق تمدّ يدها إلى قطر... لننظر إلى المستقبل


24/05/2023

لم تتضحْ حتى الآن الملابسات التي رافقت "المصافحة" بين الرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والتي كانت وكالة "سانا" السورية أكدت حدوثها، بينما تركت مغادرة الأمير القطري للقمة العربية قبل انتهائها ظلالاً من الشكّ حولها. غير أن مجرد مبادرة الوكالة السورية وانفرادها بنشر خبر المصافحة شكلا أكثر من مؤشر إلى وجود مقاربة سياسية سورية جديدة تجاه دولة قطر، بعد نحو عقد ونيف من انقطاع شهر العسل بين الدولتين الذي امتد طوال العشرية الأولى من القرن الحالي.

وساد اعتقاد أن المغادرة المفاجئة للأمير القطري للقمة العربية التي عُقدت في مدينة جدّة السعودية يوم الجمعة الماضي، قد أجهضت المبادرة السورية، لاسيما في ظل تشديد قطري على أنّ الأمير تميم غادر جدة من دون أن يعقد لقاءات ثنائية، في إشارة فَهِم منها العديد من المراقبين أنها تقصد نفي ما أوردته وكالة "سانا" حول المصافحة. ومع ذلك كان لافتاً أن خطوة الأمير القطري لم تستدرج أي ردّ فعل سوري إزاءها، وهو ما فُسّر بإما أن دمشق لم تر في الخطوة ما يمسّها ويستهدفها، أو أنها قررت التغاضي عنها لأسباب تصبّ في الجهود التي تبذلها العاصمة السورية لتنقية علاقاتها الثنائية مع الدول العربية.

وما عزّز ذلك، أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ولدى سؤاله في مقابلة صحافية عن "المصافحة"، لم يؤكد أو ينف حدوثها، لكنه تحدّث بطريقة مرنة للغاية إزاء قطر، معرباً عن رغبته في تجاوز مناخ التوتر والخلافات بين الجانبين. وقال الوزير السوري في مقابلة أجرتها معه قناة RT: "لا يجب أن نعود إلى الماضي، نحن أبناء الحاضر ويجب أن نتطلع إلى المستقبل". وأشار إلى أنه قد تكون هناك ملاحظات وتقييم مختلف للأوضاع التي تمرّ فيها الأمة العربية والعلاقات بين الدول العربية، مضيفاً أن دمشق تأمل بأن تزول هذه الغيمة كما زالت من الأجواء العربية، وأكد أن الأمور الدبلوماسية يجب أن تأخذ حيزاً من الزمن.

واعتبر بعض المراقبين، أن المقداد من خلال تصريحه بلهجة هادئة والبعيد من أجواء التوتر السابقة، أراد أن يردّ تحية الدوحة التي وجهتها بشكل غير مباشر من خلال عدم خروجها عن الاجماع العربي بخصوص عودة سوريا إلى الجامعة العربية. وبغض النظر عن مدى دقّة ذلك، إلا أنه من الواضح أن مناخاً جديداً بدأ يحيط بملف العلاقة الثنائية بين دمشق والدوحة.

وكان "النهار العربي" قد انفرد في الإشارة إلى وجود علم مسبق لدى دمشق بأن الدوحة لن تعرقل مساعي إعادتها إلى الجامعة العربية، حيث نقل في تقرير منشور بتاريخ 24 آذار (مارس) الماضي "أنه وصلت إلى دمشق من مصادر مختلفة معلومات مؤكدة تفيد أنّ الدوحة لم تعد متمسكة بموقفها الرافض لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وأن ذلك سيشكّل بيئة عربية مناسبة تتيح لسوريا استعادة مقعدها في الجامعة في القمة العربية المزمع عقدها في الرياض". وأكّد المصدر، أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان طمأن المسؤولين السوريين أن الموقف القطري لن يعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وكانت قطر قد مهّدت لهذا القرار من خلال تصريحات أدلى بها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري منتصف شهر آذار (مارس) الماضي قال فيها، إن "موقف دولة قطر من الأزمة السورية يعتمد على محددين رئيسيين، الأول هو أن يقوم النظام بما يلبي تطلعات الشعب السوري في الحل السياسي وبيان جنيف (1 حزيران/ يونيو 2012)، والمحدد الثاني هو الإجماع العربي حول هذه التحركات".

واعتُبر تصريح الأنصاري في حينه بمثابة أول إشارة رسمية قطرية إلى اعتماد الدوحة مقاربة مختلفة للملف السوري، تكون فيها أقلّ تشدداً من المقاربة السابقة التي كانت تجعل من السياسة القطرية بمثابة رأس حربة لإسقاط النظام السوري. ويتمثل الاختلاف في أن الدوحة أصبحت تربط سياستها إزاء الملف السوري بمحددين اثنين هما: تلبية تطلعات الشعب السوري وفق بيان جنيف واحد، والإجماع العربي على التحركات حول سوريا.

ولم يكن استذكار بيان "جنيف 1" ليس سوى محاولة من وزارة الخارجية القطرية لذرّ الرماد في عيون المعارضة السورية، للتلميح أمامها في أنّها لا تزال متمسكة بمواقفها المتشددة السابقة. أما الحقيقة التي ثبتت في ما بعد، فهي أنه لم يكن هناك إلا محدّد واحد للسياسة القطرية يتمثل في السياسة العربية الجديدة بخصوص تطبيع العلاقات مع سوريا، والذي قطع أشواطاً واسعة منذ زلزال 6 شباط (فبراير) الماضي.

ومع ذلك ظلّت التصريحات العلنية للمسؤولين القطريين تؤكد ثبات الموقف القطري من النظام السوري، وأعلنت في أعقاب القمة العربية أن تطبيع العلاقات مع دمشق هو قرار سيادي يعود لكل دولة على حدة، وأن قطر لن تطبّع علاقاتها مع النظام السوري.

وجاءت المرونة السورية بالتزامن مع ما كشفه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن دور قطري- سعودي لإعادة اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية. وقال في مقابلة تلفزيونية الأحد الماضي، إن "قطر والسعودية ستقدّمان دعماً لإعادة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي يسيطر عليها بشار الأسد"، مشيراً إلى أنّ الاتصالات مع الرئيس السوري لإعادة اللاجئين قد بدأت بالفعل.

وكان صندوق قطر للتنمية قد عقد اجتماعاً مع هيئة الكوارث والطوارئ التركية قبل ايام، أسفر عن اتفاق قضى بمساهمة الصندوق في بناء مدينة متكاملة في الشمال السوري، حيث المناطق التي تسيطر عليها تركيا، لصالح اللاجئين السوريين. وذكر البيان الصادر عن الصندوق أنّ المدينة سوف تضم 5000 شقة ومرافق عامة تتضمن مسجداً ومركزاً تجارياً ومدرسة ابتدائية ومدرسة ثانوية إضافة إلى مركز صحي. كما سيتمّ تطويرالبنية التحتية للمدينة عبر إنشاء طرق وحدائق عامة وشبكة كهرباء وخزانات مياه.

وفي وقت سابق من هذا العام، وقّع صندوق قطر للتنمية اتفاقية مع إدارة الكوارث والطوارئ التركية بالتعاون مع جمعية العيش الكريم لتطوير المدينة، لفائدة 50 ألف لاجئ سوري.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية