دعوة الإخوان للحوار.. مناورة جديدة تسعى لتجاوز أزمة التنظيم

دعوة الإخوان للحوار.. مناورة جديدة تسعى لتجاوز أزمة التنظيم


11/05/2022

على خلفية الأزمات المتلاحقة، التي تضرب جماعة الإخوان المسلمين، سواء على مستوى الانشقاقات التنظيمية، أو الضربات الإقليمية، وكذا الرفض الشعبي للجماعة في عدد من دول المنطقة، جاء إعلان يوسف ندا، القيادي البارز بالجماعة، والمفوض الدولي باسمها سابقاً، عن دعوته الحوار مع هرم السلطة في مصر.

دعوة ندا التي نشرتها منصة "إخوان سايت"، التابعة لجبهة إبراهيم منير، تتماهى كلياً مع براغماتية الجماعة ورؤيتها الانتهازية؛ التي تعبر عنها كل مرة بتحركات تكتيكيّة، تسعى نحو توظيفها لملء الجيوب والشقوق التي اتسعت في التنظيم، وأربكت مساراته اللوجستية، التي تمكنه من أداء مهامه الوظيفية؛ محلياً وإقليمياً، بيد أنّ الضربات الأخيرة التي وجّهتها تركيا للجماعة ومنابرها الإعلامية، سيما بعد قرار غلق مقر قناة "مكملين" الإخوانية، وتطور العلاقات السياسيّة التركية مع أبوظبي والرياض، وسعي أنقرة أن تكون القاهرة في موعد قريب، دفعت القيادات الإخوانية أن تتحرك خطوة للأمام، وتغازل الدولة المصرية بطرحها تلك المبادرة، خاصّة بعد حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية، مساء 27 من نيسان (أبريل) الماضي.

مناورة جديدة

إلى ذلك، أعلن يوسف ندا، أنّه يطرح للمرة الثانية إمكانية الحوار، في رسالة نشرت نهاية الشهر الماضي، بعنوان: "رسالة ثانية مفتوحة، لمن تردّد في الرد على الرسالة الأولى"، في إشارة لعدم تلقّيه رداً على رسالته الأولى في أيلول (سبتمبر) 2021، والتي قال فيها إنّ الباب مفتوح للحوار مع رئاسة النظام المصري.

وقال ندا: "فشـلت شياطين الغدر أن تـقنعنا بـأن ندخل فـي طريق الثأر". وأضاف متسائلاً: "هذه صفحة من تاريخ مصرنا العزيزة، لم تطو بعد، فهل طويناها إلى غيرها أنقى وأنصع، يحيطها الـتسامـح والـغفران؟". وختم ندا، حديثه قائلاً: "سأظل أقول إنّ بابنا مفتوح للحوار والصفح، بعد رد المظالم".

وكان الرئيس المصري قد تحدث خلال حفل إفطار الأسرة المصرية الذي يقام سنوياً، خلال شهر رمضان قائلاً إنّ "مصر تتسع للجميع، والاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية". معلناً إطلاق "حوار سياسي، مع كل القوى بدون استثناء ولا تمييز".

وفي وقت سابق، شدّد السيسي، على أنّه "لا تصالح مع من يريدون هدم مصر، ويؤذون شعبها". في إشارة إلى ما أشيع عن التصالح مع جماعة الإخوان. وتساءل السيسي، في حديث سابق، "إذا كنت تريد أن تدمر وتخرب وتقتل، كيف أصالحك؟".

من جانبه، يذهب فتوح هيكل، مدير الأبحاث، والمستشار السياسي في مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، إلى أنّ دعوة يوسف ندا، ليست الأولى من نوعها؛ إذ سبق أن وجّه دعوة مماثلة في العام الماضي، ولم يتلق أيّ رد عليها، لذا جاءت دعوته الثانية.

ويلفت هيكل، في تصريحاته لـ "حفريات"، إلى أنّ هذه الدعوة جاءت بعد حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي، حول الحاجة إلى حوار سياسي، يتناسب مع فكرة الجمهورية الجديدة، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وإطلاق سراح عدد من النشطاء السياسيين؛ إذ تكشفت رغبة الجماعة في الاستفادة من تلك الأجواء الانفتاحية، للسلطات المصرية، والخروج من المأزق السياسي الراهن، الذي تعاني منه الجماعة على مختلف المستويات.

 

دعوة ندا تتماهى كلياً مع براغماتية الجماعة ورؤيتها الانتهازية التي تعبر عنها كل مرة بتحركات تكتيكيّة تسعى نحو توظيفها لملء الجيوب والشقوق التي اتسعت في التنظيم

 

ويرى المستشار السياسي لمركز "تريندز"، أنّه من غير المتوقع أن تلقى تلك الدعوة أيّ قبول سياسي أو مجتمعي؛ نظراً لعديد الاعتبارات ومن أهمها:

أولاً: إنّ دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس السيسي، تشمل القوى السياسية والشبابية، التي لم تمارس العنف، ولم ترفع السلاح في وجه الدولة، أو تهدّد أمنها واستقرارها، وذلك لا يشمل بطبيعة الحال الإخوان، ولا الجماعات المتطرفة والإرهابية الأخرى، استناداً لقول سابق للرئيس: "لا مصالحة مع من يريدون هدم مصر، ويؤذون شعبها".  

ثانياً: تدرك السلطات المصرية جيداً، عمق الأزمة التي تعانيها الجماعة، وحجم الرفض الشعبي والسياسي لها في المنطقة والعالم.

ويستطرد مدير الأبحاث في مركز "تريندز" ليلفت إلى أنّ السلطات المصرية تبصر جيداً أزمة الانشقاقات والانقسامات الداخلية في التنظيم، ما يصعب معه أن تقدم السلطات المصرية للجماعة طوق النجاة؛ للعودة مرة أخرى للمشهد السياسي.

ويختتم دكتور فتوح هيكل تصريحاته، بقوله: إنّ الشعب المصري وقيادته السياسية، يدركان جيداً أنّ دعوات المصالحة التي يطلقها الإخوان خلال الفترة الأخيرة، ليست محض تصور إستراتيجي في ذهنية التنظيم، بل تحركات تكتيكية تحت ضغط الأزمة التي يعيشها، ومناورة تسمح بالظهور مجدداً، والاستعداد للانقضاض على السلطة في الوقت المناسب، مثلما كان الحال في مراحل تاريخية مختلفة.

 الجماعة خارج حسابات الحوار الوطني

 من جهة أخرى، أصدرت محكمة جنايات القاهرة في مصر، نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي، حكماً جديداً بإدراج جماعة الإخوان، كجماعة إرهابية وذلك لمدة 5 أعوام.

وتضمن الحكم إدراج أسماء 20 شخصاً من قيادات وعناصر الإخوان على قائمة الإرهابيين، وكذلك أسماء شركتي "أسباير برودكشن هاوس"، و"دلتا التعمير للاستثمار العقاري"، على قائمة الكيانات الإرهابية، على أن يكون قرار الإدراج لمدة 5 أعوام.

وأوصت المحكمة، وفق مسودة الحكم الأخير، بوضع أعضاء التنظيم على قوائم الترقب والوصول والمنع من السفر، فضلًا عن منع الأجنبي المنتمي للتنظيم من دخول البلاد، مع سحب جواز السفر أو إلغائه، ومنع إصدار جواز سفر جديد، أو تجديده، مع عدم التعيين أو التعاقد بالوظائف العامة، أو بشركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام.

ويستبعد الدكتور عمرو الشوبكي، الكاتب والمفكر السياسي المصري، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إجراء أيّ حوار بين النظام السياسي المصري وجماعة الإخوان، تحت مظلّة الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس مؤخراً.

الشوبكي يرى أنّ ثمة إشكالية ينبغي الاشتباك معها، بعيداً عن مسألة وقوع الحوار مع الجماعة من عدمه، وتبدو في تقديره تلك الإشكالية داخل حدود الجماعة نفسها؛ إذ إنّ الحوار لا يقع في المجال السياسي إلّا مع أحزاب وقوى سياسية مدنية، وفق الدستور والقانون، ولا توجد دولة تسمح بظهور كيانات دينية مغلقة، تمرر أعضاءها بحسب ولاءات عقائدية، وتجيز استخدام العنف، بل ومارسته مرات عديدة.

والأزمة، في رأي الشوبكي، تبدو في صيغة الجماعة، التي لا تعرف سوى الولاءات الدينية المغلقة، فضلاً عن كونها مارست دوماً عبر تاريخها، الدور المعوق لعملية الانتقال الديمقراطي، في مراحل تاريخية مختلفة.

 

فتوح هيكل: دعوات المصالحة التي يطلقها الإخوان خلال الفترة الأخيرة، ليست محض تصور إستراتيجي في ذهنية التنظيم، بل تحركات تكتيكية تحت ضغط الأزمة التي يعيشها، ومناورة تسمح بالظهور مجدداً

 

ويتابع الشوبكي تصريحاته قائلاً: إنّ التنظيم منذ العام 2013، تماهى بالكلية مع ممارسات العنف وإراقة الدم، وأضحى مسؤولاً عن سقوط شهداء كثر، بذلوا حياتهم فداء للوطن، والمسؤولية كلها تقع في رقبة التنظيم، الذي يرفع شعارات دينية وعقائدية، تكرس مقولات العنف، ومواجهة الدولة بالسلاح.

ويشدد الشوبكي على ضرورة أن تبصر الجماعة حقيقة أوضاعها، وأن تفكر جيداً في حتمية الدخول نحو مراجعات حقيقية؛ تقبل من خلالها العمل بشروط الدولة الوطنية وأركانها المدنية، مع الانتباه إلى أنّ ذلك لم يحدث حتى اللحظة، منذ العام 1928.

مواضيع ذات صلة:

إخوان المغرب وتوظيف الحواضن الاجتماعية من أجل العودة إلى السلطة

ماذا وراء التصعيد الجديد في خطاب حركة النهضة الإخوانية؟

الهرب من القانون... بين صنعاء وحزب الإصلاح الإخواني

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية