دراما مصرية تنتصر للمرأة فهل تغازل قانون الأحوال الشخصية؟

دراما مصرية تنتصر للمرأة فهل تغازل قانون الأحوال الشخصية؟

دراما مصرية تنتصر للمرأة فهل تغازل قانون الأحوال الشخصية؟


10/04/2023

حميدة أبو هميلة

هل هي مجرد مصادفة أن يكون العنوان العريض لمسلسلات مصرية في موسم دراما رمضان 2023 هو مناقشة قضايا المرأة، والقوانين والأعراف التي تحكم تعامل الأهل والمقربين معها؟ أم أن نجاح تلك النوعية من الأعمال على مدار الأعوام الماضية شجع المنتجين على تكرار النغمة، أملاً في حصد جدل مشابه ومن ثم تصدر المشاهدات؟

فبعد أن أثار مسلسل "لعبة نيوتن" قبل عامين قضية الطلاق الشفهي وتأثيره الصادم في حياة الطرفين لا سيما المرأة، ثم ناقش مسلسل "فاتن أمل حربي" في موسم رمضان 2022 قضايا عدة مرتبطة بتداعيات الطلاق على الزوجة في ما يتعلق بحق الأم في الولاية التعليمية والنفقة، وقبلها العنف الزوجي، عاد صناع الدراما هذا العام بعدد آخر من القضايا، حيث بدا وكأن المشاهد يتابع قصة تجري فصولها في محكمة الأسرة، أو كأن تلك الأعمال بمثابة رسالة للمعنيين بالأمر تحثهم على ضرورة إنجاز قانون الأحوال الشخصية الجديد المنتظر إقراره منذ مدة.

وعلى رغم واقعية تلك المشكلات وجديتها وأهميتها، لكن تكرار الأفكار أثار التساؤلات، فهل هي مجرد موضة؟ أم أن هناك هماً حقيقياً لدى الصناع الذين كانوا يفضلون الدراما التشويقية والاجتماعية الخفيفة لعرضها ضمن موسم رمضان، أم أن القصص التي تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي حول حالات القهر التي تتعرض لها بعض الفتيات والنساء هي التي تحرك قرارات الإنتاج الدرامي؟

المجلس القومي للمرأة يشيد

قد يكون مسلسل "عملة نادرة" تأليف مدحت العدل وإخراج محمد جمال العدل، وبطولة نيللي كريم من أكثر الأعمال التي حظيت باهتمام فيما يتعلق بإثارته قضايا شائكة لا سيما في صعيد مصر، حيث تدور الأحداث حول امرأة يتوفى زوجها ويترك لها طفلاً، ومساحة شاسعة من الأراضي، وهنا تواجه عائلته شديدة التحكم والتقليدية التي ترفض منحها وطفلها الميراث المستحق بحجة أن النساء لا يرثن الأرض التي هي حكر على الرجال وإنما يمكن تعويضهن مالياً، لكن البطلة تصر على حقها الشرعي والقانوني، وهنا تتفجر الأحداث المليئة بالإصرار من جهة، وأيضاً بممارسة القهر والظلم من جهة أخرى.

أشاد المجلس القومي للمرأة بالعمل عن طريق صفحاته الرسمية وكذلك الرسائل المتوالية من رئيسته مايا مرسي التي قالت عنه: "مسلسل عملة نادرة يجسد شخصية المرأة الصعيدية القوية التي تحاول الحفاظ على ميراثها وميراث ابنها، وتخوض صراعاً شرساً وترفض الاستسلام لحرمانها توريث الأرض، وتخوض حرباً من أجل الحصول على حقوق ابنها من أهل زوجها بعد وفاته".

اللافت أن أزمة الميراث تواجهها أيضاً يسرا بطلة مسلسل "1000 حمد الله ع السلامة" حيث تعود البطلة من الخارج لتجد أقارب زوجها الراحل وقد استولوا على شقتها التي ورثتها منه، وتدخل صراعاً من أجل إثبات حقها.

قضية استحلال ميراث النساء بغير وجه حق أيضاً تناقشها الفنانة روجينا من خلال مسلسل "ستهم" للمؤلف ناصر عبدالرحمن، فبعد وفاة الزوج يرفض شقيق البطلة إعطاءها حقها في ميراثها بزعم أن السيدات لا يرثن في عرفهن، وعلى رغم أنها تعيش حياة شبه معدمة لإعالتها الأطفال بمفردها، لكنها تذهب للعمل بأقسى المهن بل تتنكر في زي رجالي وتحاول الصمود.

رسائل مباشرة

لكن البعض يرى أن نبرة الخطاب المباشر ربما تكون في غير موضعها بخاصة أن بعض تلك الأعمال تبدو وكأنها تلقي ببيان على المشاهدين، وهنا يشير الناقد الفني محمد سيد عبدالرحيم إلى أنه حتى لو اتهمت تلك الأعمال بالخطابية فهو أمر قد يكون في صالح القضية، لأن المباشرة مجدية بالفعل في هذا الجانب، فصناع الدراما يريدون إيصال المفهوم بشكل واضح ومحدد مثلما يحدث في مسلسلي "عملة نادرة وحضرة العمدة" وذلك لتصل المعلومة إلى أكبر شريحة ممكنة من المتلقين، فلكل عمل طريقته، مضيفاً أن جانباً كبيراً من أعمال رمضان هذا العام تعتبر جيدة جداً وستبقى في الذاكرة.

ومن المعروف أن القانون المصري نص على عقوبات صريحة في ما يتعلق بالامتناع عن إعطاء الورثة حقوقهم، حيث جاء في النص: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سنداً يؤكد نصيباً لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين".

وعلى رغم أن قانون الميراث بالتحديد لا يندرج تحت التعديلات المرتقبة في قانون الأحوال الشخصية، لكن التناول الدرامي له يجعله يدور في نفس الفلك، بخاصة أنه يرمز إلى العادة المعمول بها في عدد من المناطق المصرية وهي حجب الميراث عن النساء سواء من الزوج الراحل أو حتى من الأبوين، ولم تتطرق حلقات الأعمال المعروضة للرأي الديني في تلك القضية حتى الآن، بينما حصدت البطلات التعاطف الكبير، لا سيما ممن تعرضن لظروف مشابهة.

ودارت المناقشات بين المعلقين حول أن حجب الميراث عن الورثة الشرعيين بخاصة النساء أمر يرفضه الدين والقانون، لكن حتى لو كان الأمر معمولاً به قبل عقود بحجة أن الرجل هو من ينفق على العائلة، فإن الوضع تغير الآن، فبحسب إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر قبل ثلاثة أعوام فإن أكثر من 13 في المئة من الأسر المصرية تعيلها النساء بمفردهن، وهي نسبة كبيرة، وإن كانت بعض الآراء تشير إلى أن تلك النسبة قد تصل الآن إلى 30 في المئة، حيث إن عدداً كبيراً من النساء يسهمن بشكل فاعل في الإنفاق، كما أن نسبة كبيرة من المطلقات لا يحصلن على نفقة عادلة أو حتى لا يحصلن على أي نفقة بالمرة سواء لهن أو لأطفالهن.

وفي ما يتعلق بأزمة نفقة الأبناء والزوجة بعد الطلاق بالتحديد، تشير المحامية بالاستئناف العالي ولاء عدلي، إلى أن النفقة بالفعل من أكثر الأمور الشائكة، وقيمتها لا تكون منطقية في كثير من الحالات، وذلك لعدم وجود وثيقة تؤكد دخل الزوج الذي يمكنه التحايل بطرق عدة ليدفع أقل مبلغ ممكن، وقد يصل في بعض الأوقات إلى ما يعادل أقل من 20 دولاراً شهرياً، مشيرة إلى أن الدراما لها دور مهم في الوعي والتأثير، حينما تعرض قصصاً من الواقع ممزوجة بالخيال، مؤكدة أن هناك أعمالاً كان لها دور في تعديلات قوانين بالفعل، وزيادة المعرفة والوعي لدى الجماهير وفتح باب مناقشات كان مسكوتاً عنها.

قانون الوصاية

المسلسل الرمضاني الرابع الذي يناقش قضية مهمة أيضاً تخص النساء هو "تحت الوصاية" الذي عرض بداية من النصف الثاني من الشهر، وبطلته منى زكي تؤدي شخصية أرملة ليس لها مصدر دخل يعيل طفليها، وتجد نفسها في مواجهة عائلة زوجها الراحل وبينهم شقيقه الذي يحاول الاستيلاء على ما تركه، متحججاً بأن الأولاد تحت وصايتهم، وفقاً لقرار المجلس الحسبي، لكنها تحاول أن تقاوم الظروف وأن تعمل بنفسها على مركب الصيد مثل زوجها لتوفير الرزق للصغار.

وتعلق المحامية بالاستئناف العالي وعضو اتحاد المحامين العرب ولاء عدلي، قائلة إن المجلس الحسبي التابع لمحكمة الأسرة هو بالفعل من يقر الوصاية على الأطفال دون السن القانونية، وتلك الوصاية عادة ما تكون لأقارب الدرجة الأولى، وفي حال كانت الوصاية من حق شخص غير الأم، بإمكانها أن تتقدم بطلب لمنحها لها في حال كانت مؤهلة لذلك بالطبع، وتشدد على أن البعض من النساء لا يكون لديهن الوعي الكافي بحقوقهن، ولهذا السبب هناك مكاتب استشارة مجانية تابعة لمحكمة الأسرة التي يمكن أن توكل محامياً بشكل مجاني لمن يحتاجون إليه وليس لديهم القدرة المالية، فحرب الوصاية في العمل الدرامي هدفها في الأساس التحايل على عدم إعطاء الأرملة حقها في ما تركه الزوج.

وعلى رغم أن نص قانون الأحوال الشخصية الجديد لم تعرف تفاصيله بشكل كامل حتى الآن فإنه من المتوقع أن يضم بنوداً بعضها محل جدل مثل ضرورة توثيق عقد الطلاق تماماً مثلما يوثق الزواج، وإلزام الزوج بإخطار زوجته الأولى بزواجه بأخرى، وكذلك حرمان الأب من رؤية أبنائه من زوجته المطلقة في حال رفضه الإنفاق عليهم، وكذلك الالتزام بتوثيق اتفاق ما قبل الزواج لتوضيح الذمة المالية للطرفين، وأيضاً إنشاء ما يعرف بصندوق تنمية الأسرة، وكذلك تعديل قانون النفقة، وغيرها من البنود التي تنتظر الموافقات النهائية من الجهات المعنية.

الزواج الثاني

الأمر هنا يقودنا لاستكمال باقي قضايا مسلسلات الموسم حيث تناول مسلسل "علاقة مشروعة" أزمة الزواج الثاني، فالبطل ينعم بحياة موازية بخلاف حياته المعلنة مع زوجته الأولى التي لا تعلم شيئاً عن زيجته الثانية، وبحسب مشروع القانون فإنه من الملزم أن يخبر الأولى وإلا يعاقب بالحبس والغرامة، كما تدور مسلسلات أخرى مثل "مذكرات زوج وكامل العدد والهرشة السابعة" في نفس الفلك المتعلق بالأزمات الزوجية وكيفية التعامل معها، مع اختلاف المعالجة بالطبع.

أما مسلسل "حضرة العمدة" بطولة روبي وتأليف إبراهيم عيسى وعالياً عبدالرؤوف وإخراج عادل أديب، فيمتلئ بقضايا عدة مثيرة للجدل، بينها الهجرة غير الشرعية وختان الإناث وزواج القاصرات، وكذلك أزمة المعلم المتزمت الذي يفرض على الفتيات الصغيرات غير المسلمات ارتداء الحجاب داخل المدرسة، وهي مشكلات تثار بشكل متكرر في المجتمع، حيث إنها تحاكي تماماً ما يحدث في الحياة، ويركز العمل الذي يتحدث عن عمدة امرأة تقود قرية وتواجه بشجاعة الفساد المستشري في ما يتعلق بالتعامل مع النساء.

الملاحظ أن نغمة الاهتمام بأحوال المرأة، وإيضاح بعض المفاهيم المغلوطة في ما يتعلق بالحقوق والواجبات بين الزوجين، باتت سمة غالبة في الخطاب الإعلامي بشكل عام أخيراً، وهو أكثر وضوحاً في الإنتاجات الرمضانية وكذلك المواد الإعلامية، فهل هناك مبالغة قد تأتي بنتيجة عكسية أم أن هذا الاهتمام تأخر كثيراً؟

يعلق الناقد الفني محمد سيد عبدالرحيم، بالتشديد على أن الأعمال التي تهتم بقضايا النساء العادلة في المجتمع يجب أن تكون أكثر من ذلك، في ظل انتشار سلبيات مجتمعية تقع ضحيتها المرأة وعلى رأسها العنف الممارس ضدها ويصل لحد القتل في وضح النهار، بل كان هناك تضامن مع القاتل من قبل بعض الفئات، واستعمال بعض المتطرفين تفسيرات دينية مغلوطة لتبرير فعل المجرم، ولذا يجب أن تلقي الأعمال الفنية الضوء على ظواهر المجتمع، ويتابع "أتمنى أن تكون هناك أعمال درامية أكثر تتحدث عن الفئات المظلومة في محيطنا ليتم تمثيل كل الأقليات على الشاشة".

ويعتقد عبدالرحيم أن الطفرة التي حدثت في دراما المرأة خلال السنوات الأخيرة يعود جزء منها إلى الاهتمام الرسمي بقضاياها ومحاولات تصحيح أوضاعها من خلال مبادرات شتى، فهناك سيدات تولين منصب المحافظ وحقائب وزارية مهمة.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية