هل تكفي المعالجة الأمنية لحلّ أزمة الدولار في السودان؟

هل تكفي المعالجة الأمنية لحلّ أزمة الدولار في السودان؟


20/09/2020

يعيش السودان أزمة اقتصادية بنيوية، يظهر على سطحها انخفاض العملة الرسمية (الجنيه) مقابل الدولار، وارتفاع أسعار السلع، وسوء البنية التحتية، من طاقة ونقل وخدمات، وضعف النظام المالي، وعجز الموازنة، ويمكن القول إنّ نصيب السودان من الاقتصاد الحديث ضئيل جداً.

وهناك أسباب داخلية، منها؛ ضعف المؤسسات الاقتصادية، وتخلف القطاعات الاقتصادية (الإنتاج، الخدمات، المالية)، ووجود الكتلة الأكبر من الاقتصاد والعملات خارج رقابة البنك المركزي، والفساد الإداري، وغير ذلك.

توجد نسبة 80 إلى 95% من الكتلة النقدية في البلاد خارج البنك المركزي وقطاع البنوك، مما يُعرقل قدرة أدوات البنك المركزي على ضبط سوق العملة

وتأتي العقوبات الأمريكية على رأس الأسباب الخارجية، التي تحرم السودان من الارتباط بالاقتصاد العالمي، والحصول على الاستشارات المالية والاقتصادية والقروض والاستثمار من المؤسسات المالية الدولية.

وتصدّرت أزمة سعر الصرف للجنيه مقابل الدولار الأزمة الاقتصادية، كمؤشر على الوضع الاقتصادي في بلد يستورد كثيراً من احتياجاته، ووصل سعر الصرف إلى 235 جنيهاً للدولار، بتاريخ 15 أيلول (سبتمبر) الجاري، بعد أيام من الانخفاض نتيجة حملات أمنية ضدّ تجار السوق السوداء للعملة، بينما سعره في المصرف المركزي 55 جنيهاً للدولار.

الدولار كمؤشّر للاقتصاد

يعكس سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني الحالة العامة للاقتصاد، ويمكن القول إنّه مؤشّر شبه دقيق عن الوضع الاقتصادي الكلي في السودان، وعلى خلاف ما ترى الحكومة؛ فلا يمكن لجهات بعينها تخريب الاقتصاد، لكنّ هناك استغلالاً دائماً للأزمات، أو تعاملاً لا يضع مصلحة الدولة في الاعتبار.

لا توجد ثقة لدى المواطنين في القطاع المصرفي

ويعدّ السعر الموازي (السوق السوداء)؛ المقياس الصحيح لسعر العملة الوطنية، نتيجة اعتماده على العرض والطلب، فلو قلّت الحاجة للدولار من الأفراد والمؤسسات لتراجع سعر صرفه.

وعن أزمة سعر العملة وعلاقتها بالخلل الاقتصادي السوداني، يقول الناشط الاجتماعي، وعضو مجموعة "خبراء المهجر" السودانية، عمر طبيق: "هناك أسباب متعدّدة حول انخفاض قيمة الجنيه، أولها: وجود خلل بنيوي في معادلات الاقتصاد، يتمثّل في ارتفاع حجم الواردات وانخفاض الصادرات، وتمويل الإنفاق الحكومي بطباعة العملة دون رصيد يغطيها، والاستدانة الكبيرة من البنك المركزي، الذي فقد السيطرة على سوق النقد، وتحكم السوق الموازي في حصائل الصادرات وتمويل مشتريات الحكومة والمواطنين من السلع الأساسية، بأسعار السوق السوداء، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار".

اقرأ أيضاً: السودان تضبط متفجرات كانت تكفي لـ"نسف الخرطوم"... ما القصة؟

ويتابع طبيق، لـ "حفريات: "المشكلة تتفاقم بسبب السياسات غير المدروسة من قبل البنك المركزي، ووزارة المالية، والأجهزة التي تنظم الصادرات والواردات".

ووفق الخبراء؛ توجد نسبة 80 إلى 95% من الكتلة النقدية في البلاد خارج البنك المركزي وقطاع البنوك، مما يُعرقل قدرة أدوات البنك المركزي على ضبط سوق العملة، حتى إنّ الحكومة نفسها تضطر لشراء الدولار، عبر وسيط من السوق الموازي، بحسب مراقبين كثيرين، لكنّ الحكومة نفت ذلك، مؤكدة أنّ محفظة السلع الإستراتيجية تتولى عملية التمويل للمشتريات الحكومية، عبر الدولارات المتحصلة من الصادرات، أو التمويل الذي تقدمه البنوك الأجنبية.

الذهب والاتصالات

وفي بيان لوزارة المالية السودانية، في 21 آب (أغسطس) الماضي؛ أشارت الوزارة إلى وجود عمل تخريبي منظّم ضدّ الاقتصاد السوداني، خصوصاً في قطاع الذهب، حيث تُجرى عمليات شراء بسعر أعلى من الأسواق العالمية بنسبة 10%، وتمّ ضخّ كميات كبيرة من العملة المحلية، بعضها مزوّر، لتمويل عمليات الشراء، مما ساهم في انخفاض قيمة العملة.

يعاني السودان من التنقيب غير الحكومي عن الذهب، مما يهدّد سوق النقد

واتّهم مختصون في الاقتصاد السوداني شركات الاتصالات بالتسبّب في أزمة انخفاض قيمة الجنيه، نتيجة الإقبال الكبير منهم على شراء الدولار، لتحويل الأرباح إلى الخارج، مطالبين الحكومة بالإشراف على أرباح هذه الشركات، وعملية تحويلها إلى الخارج.

ويعاني السودان من التنقيب غير الحكومي عن الذهب، مما يهدّد سوق النقد، ويحرم الدولة من ملايين الدولارات شهرياً، وعن ذلك يقول عمر طبيق: "نملك إنتاج ذهب يومي يصل إلى 2 طن من الخام، من 81 نقطة تنقيب عشوائية، وفي حال سيطرة الدولة على إنتاج الذهب، ومراقبة إنتاج شركات الامتياز بكفاءة، يمكن إنشاء بورصة للذهب في السودان، توفر ملايين الدولارات للدولة".

المعالجة الأمنية للأزمة

وشنّت الحكومة السودانية حملة لمطاردة تجار العملة، خلال الأيام الماضية، وإثر ذلك ارتفعت قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار، إلا أنّ الوضع عاد إلى ما كان عليه؛ إذ أدّت المطاردة إلى اختفاء الدولار من السوق، فعاود إلى الارتفاع بقوة مرة ثانية، كما أنّ أسعار السلع لم تتأثر في فترة الانخفاض المؤقت.

وزيرة المالية السودانية المكلفة: هبة محمد علي

وتعليقاً على المعالجة الأمنية لأزمة الصرف، يقول الاقتصادي السوداني، حازم محمود: "السيطرة على جموح الدولار بالاعتماد على العمل الأمني فقط لن يحقق أيّة جدوى، أو نتائج مرضية، بل على العكس؛ يترتب عليها نزول صوري لا أكثر؛ أي أسعار دون حركة بيع أو شراء في السوق الموازي؛ بل قد ينتج أثر سالب من توقف حركة الاقتصاد، ونشوء شكل من أشكال الندرة في السلع؛ بسبب عدم استقرار الاقتصاد".

اقرأ أيضاً: لماذا اختار إخوان السودان الانحياز إلى حزب التحرير المتطرف؟

ويتابع حازم محمود، لـ "حفريات": "مسؤولية السيطرة على جموح الدولار، يجب أنّ تتولاها ثلاث جهات؛ وزارة التجارة والصناعة بنسبة 75% من القرارات اللازمة، وهي حتى الآن تغرّد خارج السرب تماماً، ووزارة المالية من خلال السياسات المالية والنقدية، وهي مسؤولة عن 20% من القرارات، والجهد الأمني يجب ألا يتجاوز 5% من القرارات".

إصلاح الموازنة وتغيير العملة

وتتحمل الدولة الجزء الأكبر عن تعامل المواطنين مع السوق الموازي؛ حيث يبلغ سعر الدولار 55 جنيهاً في البنك المركزي، بينما يصل إلى 235 جنيهاً في السوق الموازي، إلى جانب أنّ البنك المركزي والبنوك التجارية لا تبيع الدولار، لتمويل عمليات الاستيراد، بسعر 55 جنيهاً، بما يؤدي إلى انخفاض الأسعار، وهو ما دفع المواطنين والتجار إلى التعامل مع السوق السوداء، لشراء الدولار أو تبديله.

اقرأ أيضاً: طائرة مساعدات إماراتية ثالثة إلى السودان

فضلاً عن ذلك؛ لا توجد ثقة لدى المواطنين في القطاع المصرفي، إلى جانب ضعف رؤوس أموال العدد الأكبر من البنوك، وضعف ارتباطها بالنظام المصرفي العالمي، لتسهيل تحويلات المغتربين.

وتداولت أوساط سودانية عدّة مقترحات لتغيير العملة، من أجل إعادة الكتلة النقدية إلى القطاع المصرفي، ومكافحة الفساد، وإعادة ضبط النقد السوداني، وهو المقترح الذي رفضته وزارة المالية.

يواجه السودان أزمة اقتصادية خانقة، بعد أن فقد ثلثي إنتاجه النفطي

وعن أهمية المقترح، يقول عمر طبيق، لـ "حفريات": "الكتلة الأكبر من العملة الوطنية بيد فئات محدّدة، هي؛ تجار المحاصيل، أصحاب الشركات والمصانع، شركات الاتصالات، تجار الجملة والعملة، وجهات سيادية، مما اضطر النظام المصرفي للاستدانة من بعض هذه الجهات لشراء السلع، وصرف مرتبات الموظفين، وضاربت هذه الجهات في العملة مما أدّى إلى الارتفاع الجنوني للجنيه مقابل الدولار".

ويضيف: "تغيير العملة سيدفع بكلّ هذه الأموال إلى البنوك لاستبدالها، ومن ثمّ تصادر الدولة الأموال التي تراكمت عبر الفساد، عن طريق مطالبة الجميع بإثبات ملكيتهم للأموال، وهي الخطوة الأولى اللازمة لضبط الاقتصاد".

الناشط الاجتماعي السوداني عمر طبيق: من أسباب انخفاض قيمة الجنيه، وجود خلل بنيوي في معادلات الاقتصاد، وتمويل الإنفاق الحكومي بطباعة العملة دون رصيد يغطيها

وبموازاة ذلك؛ يحتاج السودان إلى إصلاح الموازنة عبر إعادة هيكلة الدعم، ليضمن وصوله إلى مستحقيه فقط، ورفع الدعم عن غير المستحقين، مما يرفع مئات ملايين الدولارات من الدعم عن كاهل الموازنة، ويؤدي إلى قدرة أكبر على ضبط سوق النقد، إلى جانب اتخاذ سياسات الحفاظ على العملة الصعبة.

ويقول الاقتصادي السوداني، حازم محمود: "هناك خطوات عاجلة لا بدّ من شروع الحكومة فيها، منها؛ منع استيراد السلع غير الأساسية مؤقتاً للحفاظ على الدولار، ومصادرة البضائع الواردة دون تحويلات بنكية مسبقة، وإلزام البنوك بسداد حصيلة الصادر نيابة عن المصدرين، والتراجع عن الزيادة في الرواتب لتقليل التضخم، ورفع الدعم جزئياً عن الوقود، وتوسيع دائرة التعامل الإلكتروني في المعاملات المالية، وإعادة النظر في الامتيازات الجمركية لمصانع التجميع، وإنشاء محاكم متخصصة للبتّ في الجرائم الاقتصادية، وتغيير العملة لتقليص كمية النقد المتداولة، وغير ذلك".

اقرأ أيضاً: الأسلحة التركية.. إرهاب عابر للحدود يهدد أمن السودان وإثيوبيا

ومنذ انفصال جنوب السودان، عام 2011، يواجه السودان أزمة اقتصادية خانقة، بعد أن فقد ثلثي إنتاجه النفطي، وارتفعت مستويات التضخم، مما أجبر الحكومة على رفع الدعم عن الدقيق والبنزين، عام 2012، وهو ما أثار ردّة فعل شعبية كبيرة، وسجّل معدل التضخم السنوي 143.78% لشهر تموز (يوليو) الماضي، بارتفاع 7.42% عن شهر حزيران (يونيو) الماضي، الذي سجل 136.36%.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية