"دبلوماسية حافة الهاوية"... كيف يدير إخوان السودان العلاقات الخارجية في ظل الحرب؟

"دبلوماسية حافة الهاوية"... كيف يدير إخوان السودان العلاقات الخارجية في ظل الحرب؟

"دبلوماسية حافة الهاوية"... كيف يدير إخوان السودان العلاقات الخارجية في ظل الحرب؟


12/12/2023

تلتزم وزارة الخارجية السودانية التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون، بعد أن أعادهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إليها عقب انقلابه على حكومة عبد الله حمدوك في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، تلتزم حرفياً بتوجيهات التنظيم الإخواني الذي يقوده علي كرتي خلال الحرب الراهنة. 

وقد عُرفت (جماعة الإخوان) على مدى عقود من سيطرتها على مقاليد حكم السودان، قبل أن يُطاح بها في ثورة شعبية في نيسان (أبريل) 2019، باتباع دبلوماسية حافة الهاوية مع جميع الدول، حتى وجدت نفسها في خصام دائم مع المجتمع الدولي بأسره، قبل أن تستدرك خطورة ذلك في أعوام حكمها الأخيرة، وتقدّم تنازلات كبيرة ومهولة من أجل العودة دولة طبيعة. 

دبلوماسية حافة الهاوية 

أثّرت إدارة العلاقات الدبلوماسية بطريقة عدائية على المواطن السوداني، فحدّت من حركته الخارجية، وأصبح جواز السفر السوداني غير مرغوب به، وظل منذ ذلك الوقت حتى الآن متذيلاً قائمة الجوازات عالمياً، وإن تحسن موقعه بعض الشيء خلال الأعوام الماضية التي تولت فيها حكومة عبد الله حمدوك الحكم، لكنّه ما لبث أن عاد أسوأ بعد الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 نيسان (أبريل) الماضي. 

اشتعلت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع

ومنذ اندلاع الحرب، وعودة جماعة الإخوان المسلمين إلى واجهة القتال بعد سيطرتها على قيادة الجيش ودفعها بميليشياتها للقتال معه، أحكم الإخوان قبضتهم على وزارة الخارجية، فقرروا إنهاء بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، وشنت الجماعة حملة شعواء على الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية (إيغاد)، قبل أن يخرج مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا ليطلق النار على العلاقات مع السواد الأعظم من دول الجوار والإقليم، ويصف قادتها بأبشع الصفات ويتهمها بأسوأ الاتهامات.

طرد متبادل

وفي هذا السياق، كانت صحف ومواقع سودانية قد نشرت مطلع الأسبوع الجاري، في مقدمتها موقع (سودان تربيون)، أنّ حكومة الإمارات أبلغت في 9 كانون الأول (ديسمبر) الجاري السفير السوداني بـ (أبو ظبي) عبد الرحمن شرفي، رسمياً، بأنّ الملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي أشخاص غير مرغوب فيهم، وطالبت بمغادرتهم البلاد خلال (48) ساعة، ولم يصدر عن (أبو ظبي) أيّ تأكيد أو نفي. 

 

ما عدا كوادر جماعة الإخوان المسلمين وقيادة الجيش الحالية، وعلى رأسها عبد الفتاح البرهان وياسر العطا، لا أحد من السودانيين العامة والسياسيين، يرغب في تخريب علاقات بلده مع دول جارة وشقيقة

 

لكنّ وزارة الخارجية السودانية أعلنت الأحد أنّ (15) دبلوماسياً إماراتياً أشخاص غير مرغوب فيهم، وطالبتهم بمغادرة السودان خلال (48) ساعة، وفقاً لوكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا)، التي أضافت أنّ الخارجية السودانية استدعت الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) القائم بالأعمال بالإنابة لسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في السودان بدرية الشحي، وأبلغتها القرار، ولم تعلق (أبو ظبي) أيضاً.

وبحسب مراقبين، فإن الأشخاص الـ (3) الذين أوردت وسائل إعلام سودانية أنّ الإمارات أعلنت أنّهم أشخاص غير مرغوب بهم، يُعتبرون كوادر أمنية إخوانية معروفة؛ هم: العميد أحمد عبد الرحمن البشير، ونائبه المقدّم مدثّر عثمان، المعروف بمدثر القصير، وهو إخواني وصهر مؤسس ميليشيات الجماعة وقائد كتائبهم في الحرب الراهنة وزير خارجية النظام السابق علي كرتي الذي فرضت عليه الخزانة الأمريكية عقوبات مؤخراً. وقد ظل مدثر القصير ملازماً لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، منذ مغادرته مخبأه بالقيادة العامة للجيش في آب (أغسطس)، كظله في حلّه وترحاله وسفره وإقامته، أمّا الثالث، فهو الملحق الثقافي العميد (أمن) الشيخ حمد، ويعمل بجانب ذلك ضابط ارتباط أيضاً. 

مشعلو الحرب 

يتفق مراقبون ومحللون على أنّ جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل النظام السوداني السابق، سيئة السمعة داخلياً وخارجياً، هي التي أشعلت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد أن دقت إسفيناً بين قائديهما اللذين انقلبا على المسار المدني الديمقراطي في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، لكنّ الأخير ما لبث أن عاد واعتذر، واعترف بأنّ ما حدث لم يكن خطوة تصحيحية، وإنّما هو انقلاب عسكري فاشل، لم ينجح حتى في تشكيل حكومة تدير دولاب عمل الدولة، وكان هذا الاعتذار والاعتراف بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)؛ وقد تولت جماعة الإخوان بعد ذلك مهمة إذكاء الفتنة بين القائدين ودفعهما إلى الحرب، حيث تحالفت مع قائد الجيش وحثته على المضي قُدماً في انقلابه والتنصل من الاتفاق الإطاري الذي وقّعه مع المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، وهو تجمع أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني، قادت الثورة الشعبية ضد نظام البشير، وتمكّنت من إسقاطه في نيسان (أبريل) 2019، قبل أن تتحالف مع بعض قادة الجيش في حكومة انتقالية برئاسة عبد الله حمدوك؛ لم يُكتب لها الاستمرار بسبب عرقلة جماعة الإخوان المسلمين وضباطها في الجيش السوداني عملها بوضع الكثير من الفخاخ والعقبات أمامها. 

دبلوماسية الإخوان

وتستحوذ الجماعة ممثلة في الحركة الإسلامية السودانية، وحزبيّ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم (وزير المالية) الحالي، وبعض الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى العديد من الميليشيات المسلحة التابعة لهذه التنظيمات الإخوانية، على معظم الوظائف القيادية المدنية والعسكرية، بعد أن تمكنت من (زرع) كوادرها على مدى (3) عقود حكمت فيها السودان (1989- 2019)، ويُرجح راصدون وباحثون أنّ الضباط المنتمين تنظيمياً للجماعة داخل الجيش فقط يبلغ عددهم أكثر من (3) آلاف، وهكذا فإنّ جميع البعثات الدبلوماسية السودانية تديرها كوادر تنتمي إلى الإخوان، خصوصاً الملحقيات العسكرية التي تقوم بمهام أمنية أكثر ممّا تؤدي وظيفة دبلوماسية تنسيقية. 

وتتأزم علاقة السودان بعدد من دول الجوار على خلفية الحملة الكلامية التي شنها مساعد قائد الجيش السوداني الفريق أول ياسر العطا، وهو (إخواني) الهوى والتوجه، عقب خروجه من مخبئه بسلاح المهندسين بمدينة أم درمان حيث ظل محاصراً هناك من قبل قوات الدعم السريع نحو (7) أشهر، قبل أن يتمكن من الهروب شمالاً إلى منطقة كرري العسكرية التي تسيطر عليها ميليشيات الإخوان مثل كتيبة البراء بن مالك وقوات العمل الخاص وجماعات ممّن يسمّون بالمستنفرين، حيث وصف قادة دول مجاورة وإقليمية بالمرتشين وعصابات المافيا، الأمر الذي أغضب شعوب وحكومات تلك الدول، وطالبت بقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد البعثات السودانية من عواصمها إلى حين اعتذار صريح. 

تخريب متعمد 

ما عدا كوادر جماعة الإخوان المسلمين وقيادة الجيش الحالية، وعلى رأسها عبد الفتاح البرهان وياسر العطا، لا أحد من السودانيين العامة والسياسيين، يرغب في تخريب علاقات بلده مع دول جارة وشقيقة، خصوصاً الإمارات العربية المتحدة، ويرتبط البلدان بعلاقات تاريخية مميزة ومتينة، لكن منذ وصول الإخوان إلى الحكم عام 1989 حاولوا مراراً وتكراراً تخريب هذه العلاقة، إلا أنّهم فشلوا في ذلك، إلى أن أطلقوا الآن كادرهم في الجيش (ياسر العطا) ليقوم بهذه المهمة "شديدة الغباء"، كما يصفها مراقبون ومحللون، حيث يعيش في الإمارات أكثر من (200) ألف سوداني، يكفلون نحو مليون آخرين في بلادهم، ولربما أكثر من ذلك، في ظل الحرب الراهنة، ولذلك لا مصلحة لأيّ سوداني في أن تقوم فئة قليلة غير مفوضة من الشعب بتخريب علاقاته مع أشقائه؛ من أجل إيجاد مشجب جديد تعلّق عليه فشلها في حرب أشعلتها بيديها، ولم تتمكن من تحقيق انتصار واحد على مدى (8) أشهر، فيما وعدت الشعب بحسمها في (6) ساعات، كما قال مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا نفسه لمفرزة من السياسيين قبيل إشعاله الحرب بأيام.

مواضيع ذات صلة:

قادة الجيش السوداني... تصعيد كلامي وتراجع ميداني

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية