قادة الجيش السوداني... تصعيد كلامي وتراجع ميداني

قادة الجيش السوداني... تصعيد كلامي وتراجع ميداني

قادة الجيش السوداني... تصعيد كلامي وتراجع ميداني


04/12/2023

بعد أن ظنّ بعض السودانيين أنّ الحرب في طريقها إلى التوقف عقب النجاح النسبي الذي حققه منبر (جدة 2) في التوصل إلى تفاهمات بخصوص العمل الإنساني وإجراءات بناء الثقة بين الطرفين المتحاربين في السودان، عاد قادة الجيش السوداني مُجدداً إلى (نقطة الصفر)، عقب التصريحات النارية التي أطلقها مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا، بعد تمكنه في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) من فك الحصار الذي كان تفرضه عليه قوات الدعم السريع بقيادة سلاح المهندسين بمدينة أم درمان، والهروب إلى حامية كرري العسكرية؛ شمال أم درمان. 

لم يستثن أحداً 

وكان مقطع فيديو مسرّب لكلمة ألقاها (العطا) أمام مفرزة من مقاتلي هيئة العمليات، وهي ميليشيا إسلامية مسلحة كانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الإخواني في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، وقد تم حلها عقب إطاحته، قبل أن يعيدها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى الخدمة لمساندته في الحرب الدائرة. 

فقد كال مساعد القائد العام للجيش السوداني الاتهامات يمنة ويسرة، وأطلق تهديدات شديدة اللهجة، أعادت للأذهان (عنتريات) نظام الإخوان المسلمين في السودان، وإطلاقه لسانه في شتم الجميع حتى حاصره الجميع وخسر علاقاته الخارجية بالجميع، وفرح الجميع بسقوطه. 

ويُعتبر الفريق أول ركن ياسر العطا أكثر الضباط المساهمين في إشعال الحرب واستمرارها وتخريب علاقات السودان الدولية والإقلمية من خلال تصريحاته غير المسؤولة

مسح الفريق العطا بلسانه ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، وهي دول مجاورة للبلاد، وتربطها بها وشائج وامتدادات سكانية وتداخل ثقافي وعرقي، وتستضيف ملايين السودانيين من لاجئين ومهاجرين (عمال) كما في حال ليبيا، قبل أن يقفز إلى أوغندا، واتهمها بموالاة ودعم من سماهم المتمردين، ووصف قادة كباراً في تلك الدول بالمُرتشين وهددهم بالحرب، فيما عجز لـ (8) أشهر عن إخراج قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم. 

الفريق أول ياسر العطا

ولم يستثنِ ياسر العطا دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ما انفكت منذ عقود طويلة تقدّم الدعم للسودان وللسودانيين الذين يعيش مئات الآلاف منهم في إماراتها، ويجدون فيها مأوى طيباً وعملاً ورزقاً، تعيش عليه عشرات آلاف العائلات المحاصرة في الخرطوم وفي مدن البلاد الأخرى، فضلاً عن هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية المبكرة والسباقة لإغاثة اللاجئين السودانيين إلى دولة تشاد، بإرسال طائرات تحمل مواد طبية وإغاثية، بجانب إنشاء مستشفى ميداني لتقديم الخدمات الطبية والعلاجية بمدينة (أم جرس) التشادية، إلا أنّ مساعد القائد العام للجيش السوداني وضع كل ذلك خلف ظهره، واعتبر الإمارات عدواً وظهيراً لقوات الدعم السريع، كما اتهم قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي تجمع أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني، مؤيد للتحول الديمقراطي والدولة المدنية، وينادي بوقف الحرب عن طريق المفاوضات والحل السياسي. 

لسان منفلت 

وقد انتقدت القوى السياسية والمدنية تصريحات العطا بحق دول الجوار، واعتبرتها ابتزازاً للمجتمع الدولي ومحاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان، وأنّ جماعة الإخوان استخدمت (العطا) المقرب منها للحيلولة دون مشاركة البرهان في قمة المناخ التي دُعي للمشاركة فيها بالإمارات، وقد نجحت في قطع الطريق عليه، منعاً لأيّ تقارب أو محادثات محتملة بين البرهان والقيادة الإماراتية قد تلتئم على هامش القمة. 

ويُعتبر الفريق أول ركن ياسر العطا أكثر الضباط المساهمين في إشعال الحرب واستمرارها وتخريب علاقات السودان الدولية والإقلمية من خلال تصريحاته غير المسؤولة، إذ سبق أن هاجم الرئيس الكيني وليام روتو بطريقة فظة ومنافية للأعراف الدبلوماسية والسويّة السياسية.

وقد انتقدت القوى السياسية والمدنية تصريحات العطا بحق دول الجوار، واعتبرتها ابتزازاً للمجتمع الدولي ومحاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان

وفيما اعتبر القيادي بالحرية والتغيير ياسر عرمان تصريح مساعد البرهان بأنّه يعبّر عن اليأس والجهل في تناول العلاقات الخارجية، ووصف الرجل بأنّه كمن أطلق النار على قدميه، قال زميله خالد عمر، إنّ أزمة السودان داخلية، وإنّ من يريد توسيعها خارجياً سيجلب إلى البلاد المزيد من الخراب والدمار.  

من جهته، وصف وزير الدولة الأوغندي للشؤون الخارجية هينري أوكيلو أوري اتهامات العطا لبلده ولدول الجوار والإقليم بالهراء المطلق.

تأويل قسري

وفي السياق، يؤوّل بعض ظرفاء السودان مقولة "لا يُفتى ومالك في المدينة"؛ إلى نحوٍ من "لا سلام والكيزان في الخرطوم"، وتسود اتهامات على نطاق واسع بأنّ جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بمن يُسمّون بفلول النظام السابق، بقيادة الإخواني المتشدد علي كرتي، هي التي أشعلت الحرب، وهي التي تريد استمرارها وعرقلة كافة الجهود الرامية إلى إيقافها، وأنّها وراء تصريحات مساعد قائد الجيش المتتالية، من أجل قطع الطريق أمام أيّ مفاوضات محتملة. 

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

ولاحظ  مراقبون أنّ خطب العطا، التي وصفوها بالعنتريات الهوائية، تأتي غالباً بعد أن تراجع الجيش وتقدّمت قوات الدعم السريع، التي حققت بالإضافة إلى سيطرتها التامة على معظم مدن العاصمة السودانية الـ (3) مكاسب كبيرة في إقليم دارفور (غرب)، حيث تمكنت في غضون شهر واحد فقط من طرد الجيش من معظم مقراته وحامياته هناك، وفرضت سيطرتها على (4) ولايات من أصل (5) بالإقليم.

العيش في الظلام 

وتجيء تصريحات ياسر العطا الأخيرة بعد أن استبشر ملايين السودانيين النازحين واللاجئين داخلياً وخارجياً، بسبب حرب الـ (15) من نيسان (أبريل) بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بخروج عبد الفتاح البرهان من القيادة العامة العامة بوسط الخرطوم، بعد أن ظلّ متحصناً بها لما يربو على (4) أشهر، بأنّ الحرب ربما ستضع أوزارها، وأنّ الرجل سيقبل حواراً مع  خصمه على طاولة منبر (جدة)، إلا أنّ قائد الجيش ظلّ يراوغ كعادته، يتقدّم خطوة ويتأخر اثنتين، ممّا سرّب اليأس إلى نفوس المتفائلين، وجعلهم ينظرون إلى الرجل وكأنّه لا يريد استعادة الأمن والاستقرار في البلاد. 

وبعد نحو شهرين من إقامته في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر (شرق) واختيارها كعاصمة بديلة عن الخرطوم التي تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها على نحو أكثر من 85% منها، وفقاً لتقارير متواترة ومتطابقة وشهود عيان، تمكن نائب البرهان الفريق أول شمس الدين كباشي المقرب من جماعة الإخوان المسلمين من الهروب، هو الآخر، من المخبأ نفسه الذي كان يتشارك فيه مع قائده، ولحق به إلى مدينة بورتسودان على غرار (أنتم السابقون ونحن اللاحقون)، بيد أنّ هروب (ثالث) المحاصرين، عجّل بوأد الحل السلمي التفاوضي، ولربما سيطيح بمنبر جدة، مرة أخرى وإلى الأبد، فياسر العطا صار كثور في مستودع خزف، كلما رأى ضوءاً آخر النفق أطفأه، بحيث تتمكن جماعته (الإخوان) من الحياة، وهي لا تعيش إلا في الظلام.

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية