داعش يواصل هجماته مجدداً ضدّ القاعدة.. لماذا الآن؟

داعش والقاعدة

داعش يواصل هجماته مجدداً ضدّ القاعدة.. لماذا الآن؟


13/02/2020

يعزى تنامي الصراع وحالة التنافس والشقاق بين تنظيمي القاعدة و"داعش"، الذي يكشف عن أحد وجوهه بين الحين والآخر، حين يقوم عناصر التنظيم الأخير بتجديد هجماته ضدّ التنظيم المنافس، إلى مجموعة من الأسباب المتباينة، وهو تاريخ قديم لا يبدأ مع خسارة التنظيم لآخر جيب له في الباغوز، شرق سوريا، العام الماضي، إنما يعود إلى عام 2011؛ تاريخ اندلاع الثورة السورية.

اقرأ أيضاً: "داعش" والشراكة مع تركيا
يضاف إلى ذلك رغبة "أبو بكر البغدادي" المحمومة في توسيع نشاطه الجهادي، والانتقال إلى منطقة أخرى يتمدّد جغرافياً في حيّزها وعلى أرضها، بواسطة تنظيمه؛ حيث يشمل الأراضي السورية، لكنّ العائق أمامه تمثل في تنظيم "جبهة النصرة"، فرع القاعدة في الشام، والذي عمد إلى الصدام معه، مما أدى لحدوث اقتتال بينهما، ترتب عليه انفصال التنظيمين، في مطلع عام 2014.

حروب "إخوة الدم"
ليست المرة الأولى التي يقوم فيها تنظيم داعش بتنفيذ هجمات في أفغانستان، معقل تنظيم القاعدة، عندما أعلن مطلع العام الحالي تنفيذ هجوم ضدّ حركة طالبان، نجم عنه مقتل وإصابة 60 من عناصرها؛ حيث طاولت الهجمات السابقة والمتكررة أفراد أمن وعناصر من القاعدة، وذلك منذ ظهر داعش في أفغانستان، للمرة الأولى، عام 2014، في المنطقة الواقعة على الحدود مع باكستان، المعروفة باسم "ولاية خراسان"، بعد أن أعلنت مجموعة منشقة من طالبان مبايعتها للبغدادي.

مراقبون وباحثون في شؤون الجماعات الدينية والتنظيمات المسلحة: مقتل البغدادي وخسارة داعش لآخر معاقله سيترتب عليه تنشيط فروعه المحلية

وبحسب مراقبين وباحثين في شؤون الجماعات الدينية والتنظيمات المسلحة؛ فإنّ مقتل البغدادي وخسارة داعش لآخر معاقله سيترتب عليه تنشيط فروعه المحلية، حيث سيظهر احتدام الصراع بينهما على المستوى التنظيمي والعقائدي، خصوصاً في مرحلة الانتشار الجغرافي والقيادة اللامركزية وضعف مصادر التمويل؛ إذ يسعى داعش إلى أن تكون ولاية خراسان نقطة ارتكاز جديدة له، بغية تمكينه من السيطرة على مساحات جغرافية أكبر، في سياق تعامله مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الهزائم التي تعرض لها في كلّ من سوريا والعراق خلال المرحلة الماضية.

اقرأ أيضاً: كلهم داعش وإن اختلفوا!

وشهد منتصف عام 2015 تنافساً شديداً، ميدانياً وسياسياً، بين التنظيمين الجهاديين؛ حيث كشفت وسائل إعلام محلية أنّ تنظيم داعش ينشط في 25 ولاية من أصل 34 في أفغانستان؛ حيث أرسلت حركة طالبان، التي رأت أنّ المجال لا يتسع سوى لعلم واحد وقيادة واحدة في القتال، خطاباً إلى زعيم داعش وقتذاك "أبو بكر البغدادي"، تطالبه فيه بالكفّ عن تجنيد المقاتلين في أفغانستان، وعدم التدخّل في شؤونها بدافع ما أسمته حينها "الأخوّة في الدين"، بيد أنّ داعش يكفّر طالبان بشكل صريح، دون مواربة، في حين تعدّ الثانية التنظيم من "الخوارج".

الجغرافيا تلتهم أعصاب المتطرفين
ووصلت الأمور ذروتها بين التنظيمَين، عام 2017، عندما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن اغتيال القيادي في حركة طالبان، مولوي محمد داوود، حيث ذكر التنظيم في أحد إصداراته المرئية، أنّه حارب ضدّه في ولاية نانغارهار.
وبحسب وكالة "رويترز"؛ فإنّ مقاتلي حركة طالبان الأفغانية اشتبكوا مع مسلحين تابعين لتنظيم داعش، خلال العام الماضي، بغية السيطرة على منطقة في شرق أفغانستان، وهي المعركة التي تعدّ الأعنف والأشرس بين الجماعتَين الجهاديتَين؛ إذ اندلعت معركة عنيفة في إقليم "ننكرهار" الحدودي، شرق أفغانستان؛ حيث هاجم مقاتلو طالبان عناصر داعش، لاسترداد منطقتَي "خوجياني" و"شيرزاد".

اقرأ أيضاً: هل نحن أمام مرحلة جديدة لتنظيم داعش؟ ما أبرز ملامحها؟
وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإنّ الاشتباكات بين التنظيمَين الجهاديين، أسفرت عن وقوع عدد من المدنيين، ممن قتلوا جراء الصراع في أفغانستان، عام 2019، وقد وصل إلى أعلى مستوياته منذ بدء تسجيل تلك البيانات؛ حيث وثق التقرير وقوع نحو 3804 حالات وفاة بين المدنيين، خلال عام 2018 فقط، من بينهم 927 طفلاً، مما يمثل أعلى عدد من الضحايا الأطفال خلال عام واحد.
وفي بيان سابق، صادر عن الدول المشاركة في محاربة داعش، العام الماضي، ورد تعهّد واضح من حركة طالبان بمقاتلة تنظيم داعش من ناحية، وقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة من ناحية أخرى، إضافة إلى عدم السماح باستخدام المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، باعتبارها قاعدة لتهديد أيّة دولة أخرى، حسبما جاء في البيان، وقد دعا تنظيم الدولة إلى منع تجنيد أو تدريب أو تمويل الإرهابيين.

أهداف الصراع وأبعاد التوقيت
وإلى ذلك، يشير مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أنّ داعش إنّما يسعى من خلال رفع مستوى الهجمات ضدّ تنظيمَي القاعدة وطالبان في أفغانستان إلى تحقيق العديد من الأهداف، التي يتمثل أبرزها في تعزيز نفوذ "ولاية خراسان"؛ إذ مثلت السيطرة على مناطق جغرافية جديدة في أفغانستان، أحد الأهداف الرئيسة التي حاول التنظيم تحقيقها خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد الضربات القوية التي تعرض لها داخل كلّ من العراق وسوريا.

حركة طالبان تعهدت بمقاتلة تنظيم داعش من ناحية، وقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة من ناحية أخرى

وتضاف إلى ذلك محاولته استغلال ذلك في توسيع نطاق قاعدته المركزية المؤقتة، وهو ما جعل عملياته في أفغانستان تأتي في المرتبة الأولى، من حيث عدد العمليات، مقارنة بتلك التي تنفذها الأفرع الأخرى للتنظيم خاصة في منطقة الساحل والصحراء، ناهيك عن هدفه في بعث رسالة بإثبات التماسك التنظيمي؛ حيث ترجّح اتجاهات عديدة تصاعد حدة الانشقاقات داخل التنظيم عقب الهزائم التي تعرض لها، لا سيما بعد خروجه من منطقة الباغوز في سوريا، ومن هنا، حرص التنظيم عبر رفع مستوى الهجمات التي يقوم بتنفيذها في أفغانستان إلى إثبات قدرته على التماسك، ووضع حدود لظاهرة الانشقاقات، خاصة أنّه استهدف التنظيمات المنافسة له، والتي سعت بالفعل إلى استغلال الضربات التي تعرض لها لاستقطاب بعض أفراده وضمّهم إليها.

اقرأ أيضاً: تركيا تجدد حيوية داعش وترعى انتقال الإرهابيين من سوريا والصومال إلى ليبيا
وفي السياق ذاته؛ لا يمكن فصل تلك الضربات عن المحادثات التي تجري بين الولايات المتحدة الأمريكية وقادة من حركة طالبان، والتي رأى التنظيم أنّ نجاحها يمكن أن يفرض معطيات جديدة على الأرض لا تتوافق وحساباته، بحسب مركز المستقبل، في "تقدير الموقف" المنشور عبر منصته، حيث سعى عبر تلك الهجمات والعمليات العسكرية إلى التأكيد على أنّه التنظيم الأكثر قوة داخل أفغانستان، وربما الاستعداد مبكراً لما يمكن أن تسفر عنه تلك المحادثات من نتائج، خاصة أنّ توقيت تصاعد حدة الهجمات التي يقوم بها التنظيم يرتبط، بدرجة كبيرة، بتراجع أعداد المتطرفين الذين تمكّن من استقطابهم في الفترة الماضية؛ حيث رأت قيادته أنّ الهزائم التي تعرض لها فرضت تداعيات سلبية عديدة، تمثلت في عزوف بعض تلك العناصر عن الانضمام إليه، وفقدان المناطق التي سيطر عليها، خلال الأعوام الخمسة الماضية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية