كلهم داعش وإن اختلفوا!

كلهم داعش وإن اختلفوا!


12/02/2020

كفاح محمود كريم

يبدو إن مقولة تعددت الأسباب والموت واحد تتطابق تماما مع نتائج ما سنبحثه في هذا المقال عن تعدد المسميات والعناوين لكيان أو أصل فكري واحد، وما تسببه تلك التعددية من مآسي وكوارث لشعوب ودول، وكما إن الموت نتيجة حتمية وان تعددت أسبابه، فان الخراب والدمار نهاية مؤكدة لسلوكيات تلك الكائنات وان اختلفت في أسمائها ونقطة شروعها، وهي بالتالي من إنتاج تراكم هائل من ثقافات وتقاليد بدائية متخلفة ما تزال تتكلس في مفاصل النظم السياسية الشمولية وملحقاتها، وعودة سريعة إلى تاريخ لم يمض عليه سوى نصف قرن، سندرك ترجمة حقيقية لتلك الثقافة المقيتة في الغزو والنهب والسلب والتدمير.

دعونا نتذكر أيام حكم البعثيين ومقولات صدام حسين الشمولية، وخاصةً تلك التي استخدمها الكثير شمّاعة للتخلص من التوظيف في حزبهم، وأصبحت مقولة طالما رددها كل محاصر من المستقلين والمنتمين لأحزاب ممنوعة حينها، تلك المقولة التي غدت سُلم النجاة، وهي واحدة من أقوال صدام حسين عندما خاطب مجموعة من الموظفين، قائلاً "إنَّ الموظفين المخلصين بعثيون وإن لم ينتموا"، وفي واحدة أخرى قال "العراقي بعثي وإن لم ينتمِ"، وكأنما المنتسب لحزبهم معصوم من أي شائبة، وهو مثال مفترض للإخلاص والوطنية، ويمتلك الحقيقة المطلقة التي تؤكد سيادة وتميز وتفوق تلك الطبقة أو القومية أو العرق أو الدين والمذهب، وهكذا بقية أصحاب هذه النظريات التي تؤدلجها لدعم بقائها الأبدي في السلطة!

ورغم التضحيات الجسام والخسائر الفادحة التي خلفتها تلك النظريات والأفكار، وشهدنا قسم كبير منها في بُلداننا الشرقية عموماً والشرق أوسطية خاصةً، ابتداءً من مصر ومروراً بالعراق وسوريا واليمن وليبيا والجزائر وانتهاءاً بإيران التي كمنافستها تركيا ما رأت غير المذهب وسيلة لإعادة امبراطوريتها إلى الظهور بعدما حكم الزمن عليها بالزوال، تدخلت قوى عظمى لتغيير نمط تلك الأنظمة على افتراض أنها ستأتي ببديل يختلف في نهجه ويقترب من التجارب الأوروبية في نُّظم المؤسسات والتبادل السلمي للسلطة، وابتدأت في العراق حيث أسقطت عسكرياً الهيكل الإداري لنظام صدام حسين وحزبه، وألغت بجرة قلم مؤسسات مضى على تكوينها عشرات السنين منذ تأسيس مملكة العراق مطلع عشرينيات القرن الماضي، لكنها لم تدرك - تلك القوى- أن مجرد إسقاط هيكل الحكم لا يعني انتهاء ثقافته وسلوكياته التي تكرست في عقلية معظم الأهالي بمن فيهم الكثير من الحاكمين الجدد، وخاصة فيما يتعلق بالثوابت الأساسية، وهي النظام الديمقراطي الجديد وقبول الآخر واحترام مؤسسات الدولة والقانون المشرع.

إن نشوء تنظيمات مسلحة خارج المؤسسة العسكرية مدعومةً من السلطة يعكس هذه العقلية مهما كانت الأسباب الموجبة، بما فيها تلك التي أسسها النظام السياسي لغرض خدمته في تحقيق مآربه، خاصة تلك التي ادّعى فيها احتواء العشائر وتسليحهم بوحدات تحت مسميات مختلفة، وهو ما فعله نظام البعث الأول في الحرس القومي والثاني في الجيش الشعبي، وفلول الأفواج الخفيفة (الجته) في كردستان، ولاحقاً الميليشيات المسلحة التي نشأت على أسس مذهبية، وما يحدث اليوم وخاصة بعد اندلاع التظاهرات في الوسط والجنوب العراقي، وعمليات التصفية المنظمة للناشطين في تلك الاحتجاجات فراداً وجمعاً، يؤكد أن هذا النهج ما يزال أسير ثقافة الغزو التي رافقت المجتمعات عبر آلاف السنين، وتسببت في إنتاج الانقلابات والميليشيات والقتل باسم الرب تارةً وباسم القومية تارةً أخرى، وهي اليوم وبدون استثناء، استنساخ لعمليات وفعاليات القاعدة وداعش، وما تفعله الميليشيات اليوم ليس في العراق فحسب وإنما في كل من سوريا وإيران وليبيا واليمن ولبنان، اختراقا للقانون تحت أي مسمى أو تكييف خارج المؤسسة العسكرية، إنما هو امتداد لفكرة الغزو البربري والإرهاب الداعشي وأن اختلفت التسميات.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية