نيكولاس مورغان
تتصارع جماعات الضغط المعنية بملف الصراع الليبي في واشنطن من أجل التأثير على سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن بعض الشركات التي تعمل على الضغط لصالح حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، تعمل أيضاً لصالح تركيا، راعية حكومة طرابلس الأولى.
واستعانةُ تركيا بجماعات ضغط في واشنطن أمر معروف جداً؛ وقد أنفقت بسخاء على عقارات مرتبطة بترامب في إطار جهودها للتقرب أكثر من الإدارة الأميركية. وتتعامل حكومة الوفاق الوطني حالياً مع بعض من هذه الشركات نفسها، وأبرزها شركة ميركوري بابليك آفيرز.
وقد حافظت حكومة الوفاق الوطني على هذا التعاون مع شركة ميركوري منذ أبريل الماضي، من أجل حشد الحكومة الأميركية وغيرها من جماعات المصالح لصالحها. ووفقاً للسجلاّت التي تحتفظ بها وزارة العدل الأميركية بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب، فقد وقّع عددٌ من الشخصيات الأبرز في عالم جماعات الضغط على هذا العقد. ومن الشخصيات المسجّلة ضمن جماعات الضغط في عقد حكومة الوفاق الوطني – والذي تشير صحيفة (بوليتيكو) إلى أن قيمته تبلغ 150 ألف دولار في الشهر الواحد – السيناور الجمهوري السابق ديفيد فيتر، وبريان لانزا مستشار ترامب السابق، وسهيلة تايلا الخبيرة السابقة في السياسة التركية الأميركية في سفارة الولايات المتحدة في أنقرة.
ولميركوري تاريخ طويل في العمل مع زبائن أتراك، ومن بينهم مجلس الأعمال التركي الأميركي برئاسة محمد علي يلجنداغ، الحليف المقرّب من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان. وتستعين السفارة التركية في واشنطن بشركة ميركوري أيضاً.
وتُشير سجلّات قانون تسجيل العملاء الأجانب إلى أن جماعات الضغط التي تعمل حالياً لصالح حكومة الوفاق الوطني، جميعها إمّا عملت لدعم المصالح التركية في الولايات المتحدة من قبل، أو مسجّلة في آن واحد لدعم المصالح التركية هناك. وحشد لانزا، مساعد ترامب السابق، مسؤولين في مجلس الوزراء لصالح مجلس الأعمال التركي الأميركي في عام 2018، وهو الآن مدرج في عقد حكومة الوفاق الوطني. أما تايلا، الخبيرة السابقة في السياسة التركية الأميركية لدى السفارة الأميركية في أنقرة، والتي تعمل كعضو جماعة ضغط لصالح السفارة التركية، فقد سُجّلت أيضاً في اليوم الذي وُقِّع فيه اتفاق حكومة الوفاق الوطني في أبريل. وبالنسبة، لموريس ريد، الذي يقود أنشطة ميركوري مع حكومة الوفاق الوطني، فإنه يُقدّم خدماته أيضاً لحكومة طرابلس ومجلس الأعمال التركي الأميركي.
وينصب عمل ميركوري على التأسيس لموقف أميركي واضح بشأن الحرب الدائرة في ليبيا. ومن بين وثائق المعلومات التي قُدِّمت لوزارة العدل ورقةٌ بخصوص قانون تفويض الدفاع الوطني، دعت إلى تقرير بشأن الاستراتيجية الأميركية تجاه ليبيا. وتتضمن هذه الورقة "وصفاً مُفصّلاً للأطراف الأمنية الفاعلة في ليبيا وفي الخارج، وتقييماً للكيفيّة التي تُحرز بها هذه الأطراف الفاعلة تقدماً أو تُقوّض الاستقرار في ليبيا".
هذه التفاصيل هي إشارة ضمنية إلى حكومة طبرق المعارضة لحكومة الوفاق الوطني ومؤيديها.
والضغط على إدارة ترامب من أجل تبني مواقف تصب في مصلحة حكومة الوفاق الوطني هدف مشترك لشركة ضغط أخرى مرتبطة بتركيا، وهي شركة غوثام المتخصصة في تقديم الحلول للحكومات. ومن بين أعضاء جماعات الضغط المسجلين لدعم حكومة الوفاق الوطني الشركاء المؤسسون لغوثام: برادلي غيرستمان وديفيد ايه. شفارتز.
ولدى الرجلين علاقات مع ترامب والدوائر المقرّبة منه؛ فغوثام تساعد شركات ترامب في نيويورك منذ عام 2010، بينما عمل شفارتز مستشاراً لمايكل كوهين، المحامي السابق للرئيس، في التحقيقات ذات الصلة بالمدفوعات غير المشروعة لممثلة الأفلام الإباحية الشهيرة ستورمي دانييلز. في الوقت ذاته، ساعد غيرستمان ترامب في التجهيز لإطلاق حملته الرئاسية في ترامب تاور عام 2015.
وشأنها شأن ميركوري، تسعى غوثام إلى تغيير السياسة الأميركية بشكل حاسم لصالح حكومة الوفاق الوطني. ويلتقي دبلوماسيون أميركيون بالجانبين، لكن الاستراتيجية كانت تواجه ارتباكاً في بعض الأوقات. وفي أبريل الماضي، تحدث ترامب وحفتر خلال مكالمة هاتفية، حيث أثنى الرئيس الأميركي عليه "لمحاربته الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية". وفي وقت لاحق، وبّخت وزارة الخارجية الأميركية حفتر بسبب هجومه على طرابلس.
وقال غيرستمان لموقع أحوال تركية إنه يُحمّل حلفاء حفتر ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون مسؤولية خطأ ترامب المتمثل في إجراء هذه المكالمة مع حفتر، ووصف بولتون بأنه "كارثة".
وتُظهر المستندات التي قدمتها غوثام في إطار قانون تسجيل العملاء الأجانب أن قيمة عقد حكومة الوفاق الوطني ستبلغ 1.5 مليون دولار، وأنه يركّز على تسليط الضوء على إسهاماتها في الأهداف الأميركية، وفي الوقت نفسه إضعاف صورة حفتر لدى الإدارة الأميركية. ولفعل هذا، تعمل غوثام على إبراز انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات حفتر. وقد أعلنت أنها تسعى للاستعانة بصحفيين مستقلّين وإرسالهم إلى ليبيا لذلك الغرض.
ووصف غيرستمان حفتر بأنه "حواري القذافي الذي يقف مع روسيا". فقد ساعد الجنرالُ معمر القذافي في انقلاب عام 1969، قبل أن ينضم إلى المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة ويعود إلى ليبيا خلال انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بالقذافي.
وساند مرتزقةُ جماعة فاغنر الروسيةُ حفتر في حملته ضد حكومة الوفاق الوطني، وهو أمر تنفي موسكو أن يكون مؤشراً على دعمه بأي شكل من الأشكال.
وعملت غوثام في الماضي لصالح مؤسسات سياسية تركية، لكنها مؤسسات غير تابعة للحكومة. ففي مايو 2017، عملت لصالح مجموعة واشنطن الدبلوماسية، وهي منظمة مرتبطة برجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، والذي تُحمّله تركيا مسؤولية محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في عام 2016. وانتهى أجل عقد هذه المجموعة في فبراير 2018.
غير أن غوثام تعمل حالياً مع حكومة الوفاق الوطني، وهي حليف مهم لأنقرة في شرقي المتوسّط. لهذا السبب، انتقد غيرستمان مؤيدي حفتر الذين يعارضون دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني. ووصف غيرستمان المعارضة الأوروبية للقرار التركي بالدفاع عن طرابلس بأنها نفاق هدفه تجنب انتقاد الدعم الذي تقدمه روسيا أو الدول العربية لحفتر.
وبالنسبة لموقف تركيا تجاه ليبيا في الولايات المتحدة، فقد قال غيرستمان "آمل أن تستطيع تركيا العودة إلى حظيرة البلدان الديمقراطية العاقلة، لكني لا أرى أي خطأ في أن تكون هناك علاقة طيبة تجمع ترامب بأردوغان... تركيا طرف فاعل له نفوذ في المنطقة، ولا يمكن تجاهلها".
وقال غيرستمان إن دعم حكومة الوفاق الوطني مهم أيضاً للولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية، كون الولايات المتحدة أكبر مُنتِج للنفط في العالم، ونظراً لأن القيادة الأميركية في أفريقيا عملت على مكافحة الإرهاب من خلال حكومة الوفاق.
وإلى جانب مكتب رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، فقد سجّلت غوثام أيضاً للعمل كجماعة ضغط لصالح المؤسسة الليبية للاستثمار منذ سبتمبر 2019.
وتتلاقى محاولات ميركوري الرامية إلى تحسين صورة حكومة طرابلس في واشنطن مع هذه الموضوعات؛ فقد نشر ديفيد فيتر من شركة ميركوري رسالة في 21 نوفمبر بشأن بيان يتعلق باجتماع ترامب مع مسؤولين من حكومة الوفاق الوطني. في تلك الرسالة، أشار فيتر إلى أن واشنطن اعترفت بحكومة الوفاق الوطني كحكومة رسمية لليبيا منذ عام 2015، ووصف الدعم الروسي لحفتر بأنه سبب لمعارضة تقدم الجنرال في طرابلس.
لم يقع هذا على آذان صمّاء؛ ففي 25 نوفمبر، بعد مرور أربعة أيام على بيان فيتر، وصف مسؤولون أميركيون وجود مرتزقة فاغنر بأنه "مزعزع للاستقرار بشكل لا يوصف". وبعد مغادرته مؤتمر حول السلام في ليبيا عُقد في برلين، سأل أحد الصحفيين وزيرَ الخارجية الأميركي مايك بومبيو حول ما إذا كان ترامب سيعترف بحفتر كزعيم لليبيا إذا استولى على طرابلس. أحجم بومبيو عن الإجابة على السؤال لكنه تروّى للحظة وعدّد المصالح الأميركية في ليبيا.
وقال بومبيو "لدى أميركا مصلحة في مكافحة الإرهاب هناك. هناك فرص مهمة في مجال الطاقة في ليبيا". وعبّر وزير الخارجية الأميركي عن أمله في إعادة فتح المنشآت النفطية التي أُغلقت في تحرُّك تتهم حكومة الوفاق حفتر بالوقوف وراءه.
وعملت ميركوري وغوثام بقوة على الجوانب التي توافق الهوى الأميركي، لكن من غير الواضح ما حجم الدور الذي لعبته ضغوطاتهم في هذه المواقف.
عن "أحوال" التركية