حقول القمح مهددة شمال سوريا لهذه الأسباب

حقول القمح مهددة شمال سوريا لهذه الأسباب


06/06/2022

في خضم أزمة قمح وحبوب عالمية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، يهدّد التغيّر المناخي مصير الزراعة، ولا سيّما القمح الذي يُعدّ ركيزة للاقتصاد ومصدراً رئيسياً للدخل وشبكة أمان اقتصادية مهمّة للأسر الفقيرة في شمال شرق سوريا، على غرار مناطق أخرى في سوريا، فعلى بعد (40) كيلو متراً شمال شرق مدينة الحسكة، يتجول موسى فاطمي (85 عاماً) بين حقول القمح على أطراف قريته أم حجرة (قولو بالكردية) متحسراً على خسائر "بالملايين".

ووفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية "أ ف ب"، لم يجد موسى فاطمي من حلٍّ سوى بيع إنتاج حقوله في شمال شرق سوريا إلى رعاة الأغنام مقابل أسعار رمزية، متكبداً خسارة مالية كبيرة، بعدما أفقد الجفاف آمال المزارعين بحصد محاصيل قمح وفيرة هذا العام.

يهدّد التغيّر المناخي مصير الزراعة، ولا سيّما القمح الذي يُعدّ ركيزة للاقتصاد ومصدراً رئيسياً للدخل للأسر الفقيرة في سوريا

ونقلت الوكالة عن فاطمي قوله: "للعام الثاني على التوالي نواجه الجفاف، في كل عام نتحسّر على العام الذي سبقه". ويعود بذاكرته إلى أعوام كانت أرتال الشاحنات تنقل أكياس القمح من أرضه بلا توقف إلى صوامع الحبوب، مضيفاً: "لم نحصد حقولنا حتى لتأمين قوتنا من الخبز".

في منطقة تعتمد بغالبيتها على الزراعة البعلية وهطول الأمطار، زرع فاطمي (200) دونم بالقمح. وعوض أن يحصد محاصيل وفيرة، انتهى الأمر بالأغنام تلتهم محصوله، مؤكداً: "لم نستفد من كلّ هذه المساحات الشاسعة أو نحصد حبة قمح، أشعر بالأسف حين أرى الأغنام ترعى في الحقل".

ويتكرر مشهد الأغنام التي تحولت حقول القمح إلى مراع لها في المنطقة التي كانت تُعدّ قبل اندلاع النزاع عام 2011 بمثابة مخازن حبوب سوريا، وتُعدّ اليوم الأكثر تأثراً بالجفاف وتدنّي مستوى الأمطار، وهو تحدٍّ يواجهه العراق المجاور أيضاً.

قرب قطيع أغنام في قرية البركو المجاورة، يشرح سلمان البركو (55 عاماً) "أثر التغير المناخي علينا كمزارعين، من شح المياه وضعف الإنتاج وقلة هطول الأمطار والتغيرات الجوية".

على غرار مزارعين آخرين، وجد نفسه مجبراً على بيع محصول (157) دونماً للرعاة، مقابل (15) ألف ليرة (4 دولارات) للدونم الواحد، بينما كلفة زراعة الدونم تجاوزت (20) ألفاً، غير أنّ ذلك "لا يعوّض ذلك خسائرنا"، وفقاً لفاطمي.

 ريّ الحقول

قبل النزاع، اعتادت سوريا تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح مع إنتاج يتجاوز (4) ملايين طن كل عام، إلا أنّه مع توسّع رقعة المعارك، وتعدّد الأطراف المتنازعة، انهار الإنتاج إلى مستويات قياسية، وباتت الحكومة مجبرة على الاستيراد خصوصاً من حليفتها روسيا.

ويهدّد انخفاض الإنتاج قرابة 60% من السكان الذين يعانون أساساَ من انعدام الأمن الغذائي، في بلد غالبية سكانه تحت خط الفقر.

على بعد (40) كيلو متراً شمال شرق الحسكة، يتجول موسى فاطمي بين حقول القمح متحسراً على خسائر "بالملايين"

 وتثير تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الدولية على سوريا مخاوف إزاء تفاقم الجوع. وإن كانت شحنات القمح ما زالت تصل إلى سوريا من روسيا، إلا أنّ ذلك لا يزيل الخشية من تراجع إمدادات القمح.

ويعود انخفاض إنتاج القمح في سوريا، وفق تقرير نشرته منظمة (IMMAP) الدولية المتخصصة في إدارة البيانات في نيسان (أبريل) الماضي، إلى الجفاف الناجم عن تغير المناخ. وقد شهدت معظم أجزاء شمال شرق سوريا "فترات جفاف طويلة خلال مواسم المحاصيل الشتوية، التي جفّفت الكثير من محصول القمح النامي".

ونتيجة عوامل عدّة مرتبطة بالتغيّر المناخي، من المحتمل أن تتعرض مناطق شمال شرق سوريا على المدى الطويل للجفاف مرة كل (3) أعوام، وأن ينخفض هطول الأمطار بنسبة 11% خلال العقود الـ3 المقبلة، وفق التقرير.

وبالفعل، انخفض إنتاج القمح خلال الأعوام الأخيرة في شمال شرق سوريا، وقد سجّل الموسم الزراعي الشتوي 2020 - 2021 مستوى الإنتاج الأدنى منذ عام 2017 في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، وفق بيانات  منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).

وشكّل إنتاج القمح في محافظة الحسكة الموسم الماضي 26% ممّا كان عليه العام الذي سبقه، بعدما تراجع من (805) آلاف طن في موسم 2019-2020 إلى (210) آلاف طن الموسم الماضي.

 سدود تركية

وتتحمل تركيا جانباً كبيراً من المسؤولية عن جفاف الأراضي التركية ولا سيما شمال شرق سوريا، الذي احتلته أنقرة في 2018، حيث أقامت تركيا 5 سدود عملاقة على نهر الفرات في إطار مشروع الغاب الذي بدأت العمل فيه في سبعينيات القرن الماضي وما زال العمل جارياً في سدين آخرين.

ولا تزال تركيا ماضية في بناء المزيد من السدود على نهري الفرات ودجلة اللذين يمثلان شريان الحياة لسوريا والعراق. وتوزعت السدود التركية على (14) سداً على نهر الفرات، أبرزها سد أتاتورك، و(8) سدود على نهر دجلة، أبرزها سد إليسو، كجزء من مشروع جنوب شرق الأناضول.

وقد أدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80% حتى قبل الأزمة الحالية، بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 40%. وأعلنت تركيا مؤخراً استكمال العمل في سد إليسو، على بعد نحو (50) كيلو متراً من الحدود العراقية، وسط تقديرات بأنّها ستحرم العراق من نحو 50% من حصته المائية.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية