
كان كل شيء في صباح الثالث من كانون الأول (ديسمبر) 2024 ينذر بأنّ الأمر أصبح غير عادي، وأنّ سقوط حلب في يد الفصائل ما هو سوى مقدمة لحدث جلل، وقد بات واضحاً أنّ الفصائل لن تتوقف إلّا بعد سقوط دمشق.
كان من الواضح في ذلك اليوم، وفق معلومات تحصلت عليها (حفريات) من مصادر ميدانية خاصّة، حدوث انشقاقات بين قيادات القوات العسكرية الحكومية، فضلاً عن فرار بعض العناصر إلى العراق. الأمر الذي دفع العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري، بعد جولة ميدانية في ريف حماة الشمالي، إلى طلب عقد اجتماع عاجل مع اللواء كمال حسن، رئيس شعبة المخابرات العسكرية؛ بعد أن نما إلى علمه انسحاب عدد من كبار الضباط من مواقعهم.
وبحسب مصدر سياسي تواصلت معه (حفريات)، وتحفظ على ذكر اسمه، فإنّ الاجتماع عقد صباح 3 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وحضره ضابط الارتباط بين حزب الله والجيش السوري سلمان جمعة، واللواء فؤاد حمدان رئيس أركان الفيلق الرابع اقتحام، وفي الاجتماع فاجأ جمعة الحضور بأنّ عناصر حزب الله سوف تواصل انسحابها من سوريا، في ظل وجودها دون غطاء يحميها، بعد انسحاب عدد كبير من قوات الحشد الشعبي، وتخلي الجنود السوريين عن قواعدهم.
ارتباك بين عناصر الجيش العربي السوري
زحفت الفصائل منذ مساء 2 كانون الأول (ديسمبر) نحو بلدة حلفايا الواقعة في شمال حماة، ووجدتها خالية من أيّ عناصر تابعة للجيش العربي السوري، وبات الطريق خالياً أمام الفصائل حتى قرية مريود شمال شرق حماة.
وبحسب (خالد .أ) وهو أحد الجنود في الجيش السوري، فإنّ غالبية العناصر المقاتلة التابعة للجيش فقدت الاتصال بالقيادات الميدانية، لافتاً في تصريحات خصّ بها (حفريات) إلى أنّه كان في نوبة حراسة بشمال حماة ضمن إحدى كتائب المدفعية المتمركزة في بلدة محردة، حيث تبقى هو و(5) جنود فقط، بعد أن غادرت قوات تابعة للحشد الشعبي البلدة قبل يومين بكامل عتادها.
ويتابع المصدر: "كانت مهمتنا قطع طريق تقدم الفصائل، وهو أمر مستحيل في ظل وجود مدفع واحد فقط في الكتيبة، فاضطررت إلى الانسحاب مع رفاقي، وانضممنا إلى رتل تابع لقوات الحكومة في كفر عارة شمال حماة.
خيانة وانتقام
في مساء الثالث من كانون الأول (ديسمبر) كان القيادي في حزب الله سلمان جمعة عائداً من اجتماعه مع القيادات العسكرية السورية، التي كانت تعلم وحدها وجهته إلى مطار دمشق، انتقالاً إلى بيروت، فاستهدفته غارة إسرائيلية على طريق مطار دمشق الدولي قرب جسر بلدة عقربا، فلقي مصرعه في الحال، ممّا أصاب قيادات حزب الله في سوريا بالغضب، فقد اتهمت القيادة العسكرية السورية بتسريب موقع سلمان جمعة للاستخبارات الإسرائيلية، واستقرت في النهاية على الانسحاب الكامل من سوريا بكامل العتاد، وبالفعل صدرت الأوامر لنحو (2000) مقاتل بإخلاء مواقعهم بشكل فوري.
أحدث الانسحاب الكامل لقوات حزب الله من سوريا أزمة كبيرة، حيث أصبحت بعض القواعد العسكرية خالية، بينما ارتبك الجنود السوريون الباقون بسبب انقطاع الاتصال مع القيادة العسكرية.
وبحسب مصدر عسكري سوري، فإنّ الانسحاب المفاجئ لقوات حزب الله، فتح الطريق أمام الفصائل للاتجاه نحو جبل كفراع الاستراتيجي، شمال مدينة حماة، بينما واصلت قوات النظام التمركز عند مدخل مدينة حماة.
وفي تلك الليلة أعلنت هيئة تحرير الشام أنّها سيطرت على قرية الهاشمية المجاورة لمدينة حماة من الجهة الشرقية، بينما انسحبت قوات النظام من محاور حماة باتجاه منطقة السلمية.
في تلك الآونة أعلن حسن عبد الغني الناطق باسم غرفة عمليات الفتح المبين، السيطرة على (14) قرية وبلدة جديدة على محاور مدينة حماة وريفها، من بينها الرهجان ومعرشور.
رئيس الأركان يفقد صوابه
بحسب مصدر عسكري سوري، فإنّ انسحاباً مفاجئاً لقوات النظام في شرق حماة، تسبب في غضب هائل لرئيس الأركان، الذي طلب من اللواء آدم فياض قائد الفرقة 18- دبابات بسرعة التقدم لتطويق المنطقة الشرقية، لكنّ الأخير تعلل بأنّه لا بدّ من التمركز حول العاصمة للتصدي لهجوم عناصر جيش الإسلام، التي كانت تتقدم آنذاك من بلدة عقيربات بريف حماة إلى تدمر والقريتين والبادية بريف حمص، ومن ثمّ الغوطة الشرقية، وصولاً إلى دمشق.
وبالمثل، رفض اللواء سهيل فجر حسن قائد الفرقة 15 - قوات خاصة، التقدم إلى حماة. وفي تلك الآونة أعلن المتمردون سيطرتهم على قرى مريجب الجملان، وشخيتر والحسناوي، والشاكوسية شرق حماة.
ومع صباح يوم 4 كانون الأول (ديسمبر)، وبحسب مصدر ميداني خاص، تواصل مع (حفريات)، وتحفظ على ذكر اسمه، انقطع الاتصال تماماً مع اللواء نضال صالح دليلة قائد الفرقة الثالثة، وكان هناك نحو (10) مقاتلين تابعين للنظام، و(3) دبابات فقط تتمركز في سهل الغاب بريف حماة، وقعت فريسة سهلة، بالإضافة إلى رتل عسكري ضل طريقه في محيط جبل كفراع قرب مدينة حماة، وتمّ أسر عناصره. كما أعلنت الفصائل سيطرتها على اللواء الثامن في محيط مدينة حماة.
وبحسب المصدر الميداني السابق، فإنّ تجمعاً لقوات الجيش العربي السوري حوصر تماماً عند دوار السباهي في مدخل حماة الشمالي مساء 4 كانون الأول (ديسمبر)، حيث صدرت للمقاتلين أوامر بالصمود دون تقديم أيّ إمداد، حتى وقت متأخر من المساء، ثم صدرت الأوامر لقوة من الجيش العربي السوري بالتقدم لنجدة المجموعة المحاصرة، لكنّ الفصائل نجحت في استهدافها بقصف مدفعي وصاروخي عنيف، عند جبل زين العابدين شمال مدينة حماة.
ومع ساعات المساء الأخيرة، والساعات الأولى من صباح 5 كانون الأول (ديسمبر)، أعلنت الفصائل السيطرة على قرى الشير وسوبين وزور الجديد وخربة الحجامة شمال حماة، بعد معارك مع قوات النظام. كما سيطرت الفصائل على جسر محردة غرب حماة. ودخلت قرية المجدل شمال حماة، وبلدتي الجديدة والرصيف في سهل الغاب بريف حماة الغربي، دون قتال.
ارتباك وتحركات عشوائية
بسبب الارتباك الشديد في صفوف القيادة العليا للجيش العربي السوري، أصدر اللواء علي صالح غريب، قائد الفرقة السادسة، أوامره بتحرك حافلتين إلى حماة عبر جسر المزارب، لكنّ طول خطوط الإمداد جعل استهداف الحافلتين أمراً يسيراً، وهو ما حدث بالفعل.
هذا الترنح في تحركات الجيش العربي السوري، دفع قائد قوات النظام في بلدتي المباركات والشيخ هلال إلى تسليم مواقعه وإلقاء السلاح، وبذلك قطع طريق حماة-سلمية، وطريق حماة-الرقة، أمام القوات الحكومية.
وبشكل مفاجئ، انسحبت عناصر الحرس الثوري الإيراني من مواقعها حول حماة، وأخلى الجيش الروسي موقعاً للرادار الروسي (48Y6-K1 Podlet) في حماة، وهو جزء من منظومتي (S400) و(S300)، ممّا أدى إلى سقوط مستودعات الرحبة وخطاب شمال مدينة حماة، وكذا استهداف حافلة مشاة للقوات الحكومية في جبل زين العابدين بريف حماة، كانت في طريقها للانسحاب.
وبحسب قيادة عسكرية ميدانية، سلمت الفرقة 25 "النخبة" التابعة للجيش العربي السوري موقعها في مدرسة المركبات المدرعة بحماة لهيئة تحرير الشام دون قتال، واستولى المتمردون على العديد من دبابات القتال الرئيسية (واحدة على الأقل من طراز T-90)، ومركبات الدعم/النقل، ومركبة IMV من طراز Tigr-M، وذلك بعد أن أتمت ميليشيات حزب الله انسحابها من محيط الموقع.
وبدون قتال أيضاً سيطرت الفصائل المسلحة على بلدات العمقية، والحواش، والحويجة، والحمراء، وجسر بيت الراس، والمنارة، والحويز، والشريعة والتوينة وحويجة السيل، في سهل الغاب بريف حماة، بعد انسحاب قوات الحرس الثوري الإيراني.
وعليه، أصبحت حماة على بعد خطوة واحدة من السقوط التام في أيدي الفصائل، وقد صدرت أوامر لفلول القوات العسكرية التابعة للجيش العربي بالانسحاب إلى دمشق، وفي الطريق إلى العاصمة خلع معظم الجنود ملابسهم العسكرية، وألقوا السلاح.
انهيار آخر جيب للمقاومة
كان جيب المقاومة الرئيسي في حماة يوجد شرقاً في بلدة معرشهر، حيث تتمركز ميليشيات لواء (فاطميون) "مرتزقة أفغان"، وبعض عناصر من الفرقة (25) قوات خاصّة، التابعة للقوات الحكومية.
وبحسب مصادر ميدانية، أبدى المقاتلون الأفغان مقاومة شرسة، واستمرت المعارك حتى مساء 5 كانون الأول (ديسمبر) قبل أن يتم تصفية جيب المقاومة عن آخره؛ وأصبح الطريق مفتوحاً لسيطرة الفصائل على بلدة السعن الاستراتيجية، شرق حماة.
وانتهى اليوم بسقوط مدينة حماة في قبضة الفصائل، والاستيلاء على مطار حماة العسكري، وبينما أعاد الجيش العربي السوري انتشاره خارج المدينة، أعلن زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع السيطرة على مدينة حماة، بعد سقوط بلدة قمحانة، وباشرت الإدارة العسكرية للفصائل تأمين مدينة السلمية، بعد اتفاق مع الأهالي.