أثارت مساعي حزب الإصلاح الإخواني في اليمن، المتعلقة بإدماج فلول تنظيم القاعدة الإرهابي في القوات الموالية له، الكثير من ردود الفعل الغاضبة من استغلال الحزب لـ"اتفاق الرياض"، وما تمخّض عنه من تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ونبّهت شخصيات سياسية وقبلية في اليمن من مساعٍ تقوم بها جبهة الإصلاح الإخوانية بإدماج مقاتلين سابقين في تنظيم القاعدة، لهم خبرة في حرب العصابات، وذلك في إطار تشكيل جيش موالٍ للإخوان مموَّل من دول إقليمية ويأتمر بأمرها، وفق ما نقل "ميدل إيست أون لاين".
وترى الجهات ذاتها أنّ حزب الإصلاح يستعد لشنّ حرب طويلة الأمد، هدفها الأساسي السيطرة على مساحات واسعة وغنية بالموارد الطبيعية، من مأرب شرقي صنعاء إلى أبين وشبوة جنوباً إلى تعز غرباً، مروراً بعدن التي تقع تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، العدو اللدود للإخوان والتنظيمات المتشددة في البلاد.
وتشير مصادر ميدانية مطلعة على ملف القاعدة ونشاطها خلال الأعوام الماضية، خاصة في حرب السيطرة على المكلا، مركز محافظة حضرموت شرق اليمن عام 2015 أو القتال في البيضاء أو أبين، تشير إلى أنّ جبهة الإصلاح تعمل على تجنيد الشباب غير المعروفين وإقصاء القيادات الوسطى والعليا للقاعدة، وهم من تلاحقهم أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية.
واستغلت جبهة الإصلاح هزائم القاعدة، خلال الأعوام الـ5 الأخيرة، لاستيعاب مقاتليها الفارّين، والذين انقطع عنهم الدعم المادي بسبب شحّ التمويل لدى التنظيم المتشدد.
حزب الإصلاح يدمج مقاتلين سابقين في القاعدة لتشكيل جيش رديف هدفه السيطرة على ثروات اليمن
وكان التنظيم قد تمكن قبل أعوام من إضعاف القوى الأمنية واحتلال مناطق بأكملها والاستغناء عن حرب العصابات والعمليات الخاطفة، فقد تمكّن عام 2015 من السيطرة على مدينة المكلا، كما سيطر على مدينة زنجبار مركز محافظة أبين، ومدينة جعار القريبة منها.
لكنّ الجهود الإقليمية واليمنية أطاحت بحلم القاعدة في تشكيل نواة إمارة إسلامية في جنوب ووسط اليمن، حيث تمكّن التحالف العربي، بقيادة السعودية وبالتعاون مع الإمارات التي ساهمت في تدريب نخب عسكرية مناطقية محليّة وأحزمة أمنية، من هزيمة التنظيم وطرده من المناطق التي احتلّها.
ومع هزيمة القاعدة لم يجد الآلاف من الشباب القبلي الذي انتمى للتنظيم من وسيلة لكسب المال سوى الانخراط في الجيش المستقبلي للإخوان.
واستغلت جبهة الإصلاح هذه الجزئية لاستمالة وإدماج هؤلاء الشباب الذين أصبحوا يعانون من الفقر والخصاصة ويبحثون عن التمويل، مع توقف الأموال التي كانوا يحصلون عليها من نشاطهم في القاعدة، مع انسداد سبل الغزو وشحّ التمويل.
ويبدو أنّ جبهة الإصلاح وعدت هؤلاء الشباب والمقاتلين بالإنفاق عليهم وعلى عائلاتهم، مقابل الانخراط في جيشها المستقبلي، فقياديّو الإخوان معروف عنهم ثراؤهم الفاحش وإدارتهم لمشاريع ضخمة في مختلف القطاعات.
اقرأ أيضاً: هل تُفشل قبائل الصبيحة في محافظة لحج اليمنية مخططات حزب الإصلاح الإخواني؟
والإخوان الذين اخترقوا الجيش اليمني اتجهوا خلال الأعوام الماضية إلى تشكيل ميليشيا أو جيش رديف بقيادة القيادي الإخواني حمود سعيد المخلافي، حيث تعجّ معسكرات هذه الميليشيا الواقعة في محافظة تعز جنوب غرب اليمن بمقاتلين كانوا في صفوف القاعدة وقاتلوا معها في أبين والبيضاء وحضرموت وغيرها.
ومن بين أبرز المفكرين، الذين يُعتبرون همزة وصل بين إخوان اليمن والقاعدة، الداعية الإسلامي عبد المجيد الزنداني، وهو أحد كبار مؤسسي الفرع اليمني من جماعة الإخوان، وقد نهل قياديون بارزون في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من معارفه، بل كانوا من خرّيجي مجالسه، وتشبّعوا من فكره وفتاواه الدينية.
اقرأ أيضاً: هل ينجح حزب الإصلاح الإخواني في تفجير الوضع باليمن؟
ولا يُنكر الزنداني هذه العلاقة، فقد دعا في 2014، على الملأ وعبر شاشة تلفزيون محلّي، إلى الحوار مع التنظيم كأحد الشروط الضرورية لتحقيق الاستقرار في البلاد، وحتى لا تعرف حروباً طائفية على غرار ما يحدث في العراق وسوريا.
وكان للزنداني دور في السبعينيات والثمانينيات في تجنيد الشباب اليمني للقتال في صفوف الجهاديين في أفغانستان لقتال الاتحاد السوفييتي، ليصبحوا بذلك النواة الأولى للقاعدة في اليمن بعد عودتهم.
وقد صنفت وزارة الخزانة الأمريكية عبد المجيد الزنداني إرهابياً عالمياً، نظراً لعلاقته بالتنظيم الدولي للقاعدة، وشبهة تعامله مع التنظيم المتطرف المتورط في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001.
ودعت الولايات المتحدة الحكومة اليمنية في العام 2006 إلى تسليم الزنداني، على خلفية تقديم المحكمة الفيدرالية الأمريكية دلائل ومعلومات حول ضلوعه في عملية التخطيط لتفجير المدمّرة الأمريكية "يو.إس.إس كول" العام 2000.
حزب الإصلاح يستعد لشنّ حرب طويلة الأمد، هدفها الأساسي السيطرة على مساحات واسعة من مأرب وصنعاء وأبين وشبوة وتعز
كما تشير مصادر إلى أنّ الإرهابي أنور العولقي الذي قُتل بقصف أمريكي في أيلول (سبتمبر) 2011 استعان بمنازل قادة في جبهة الإصلاح للهروب من محاولات القبض عليه أو اغتياله.
ويُذكر أنّ قيادات أمنية وعسكرية كبيرة في اليمن موالية للإخوان تورّطت في تهريب سجناء من القاعدة، عبر عملية اقتحام مشهورة قام بها مسلّحون من حزب الإصلاح في حزيران (يونيو) 2015 لمبنى السجن المركزي في مدينة تعز بجنوب غرب اليمن، لينخرطوا بعدها في صفوف جبهة الإصلاح ويدعموها في الرحب ضد المجلس الانتقالي الجنوبي اعترافاً بالجميل.
اقرأ أيضاً: حزب الإصلاح وجماعة الإخوان: تحالفات خفية ومآرب مشتركة
هذا، ويمثل المجلس الانتقالي الجنوبي كابوساً يؤرق الإخوان، فقد ظهر في الأعوام الأخيرة قوّة سياسية وعسكرية أولى في جنوب اليمن، منعت جبهة الإصلاح من السيطرة على مناطق واسعة غنية بالنفط والغاز.
وفي سياق متصل، اتبع حزب الإصلاح الإخواني سيناريو واحداً للتوسع في المناطق المحررة، تمثلت بتجميد جبهات القتال مع ميليشيا الحوثي الإرهابية وإفراغها من المقاتلين وتوجيه وحدات الجيش لتحرير المحرر.
وانطلقت المؤامرة من المرتفعات الجبلية الاستراتيجية المطلة على باب المندب وجنوبي اليمن، عندما أطاح الإخوان في حزب الإصلاح مطلع العام - تحت غطاء الشرعية - بأمن مدينة التربة التابعة لتعز، وفق ما نقل موقع "اليمن تايم" قبل أيام قليلة.
ولاحقاً، عينوا قائداً جديداً للشرطة العسكرية في المحافظة، أسندت له مهمة إسقاط بلدات "الحجرية" واستكمال السيطرة على مسرح عمليات القوات غير الخاضعة لسيطرته.
اقرأ أيضاً: اليمن: لماذا ارتعد حزب الإصلاح الإخواني من مظاهرات المهرة؟
ولم يستخدم حزب الإصلاح الشرطة العسكرية فحسب، بل زج بوحدات عسكرية في محور تعز بالجيش اليمني الخاضع لسيطرته، لمشاركة مليشيات "الحشد الشعبي" لخوض أول مواجهة مباشرة مع الوحدات النظامية في اللواء 35 مدرع، وذلك بعد أسابيع من اغتيال قائده العميد ركن عدنان الحمادي.
واتسعت معارك ميليشيات الإخوان من تعز إلى سقطرى ثم شبوة النفطية، وفي مسعى لإخضاع جماعي للسكان، استخدم حزب الإصلاح القوة المفرطة ضد الخصوم بالاعتقالات وقمع التظاهرات، واقتحام منازل القيادات العسكرية والإعدامات الوحشية.