حرب غزة.. هل يمدد خطاب الكراهية؟

حرب غزة.. هل يمدد خطاب الكراهية؟

حرب غزة.. هل يمدد خطاب الكراهية؟


03/01/2024

حسين القاضي

لم يكن خطاب الكراهية وتأثيره على السلم والأمن الدوليين، وعلى الإنسانية، مقصوراً على جماعات التطرف الدينى والمتعصبين دينياً، بل إن خطاب الكراهية الذى تتبناه إسرائيل وتأثيره على نشر العنف والفوضى وتقويض عملية السلام فى منطقة الشرق الأوسط لا ينكر، بالإضافة إلى أن خطاب الكراهية يزداد تأثيره فى جميع أنحاء العالم ويؤدى إلى زيادة العنف على مستويات شتى من الأطفال حتى الكبار، ولذا فإن مواجهة خطاب الكراهية بمختلف صوره وأنماطه ومستوياته وأبعاده والداعين له هو من صور مواجهة التطرف والعنف.

مع استمرار الحرب التى يتعرض لها قطاع غزة على يدى قوات الاحتلال الإسرائيلى، نتوقع زيادة خطاب الكراهية فى العالم كله، وهو ما عبرت عنه لجنة بالأمم المتحدة مختصة بالعنصرية، فبحسب تقرير نُشر الشهر الماضى فإن اللجنة الأممية عبرت عن قلقها إزاء ما سمته: «زيادة حادة فى خطاب الكراهية العنصرى ونزع صفة الإنسانية الموجه من الإسرائيليين، بمن فيهم مسئولون كبار، إلى الفلسطينيين، منذ وقوع أحداث السابع من أكتوبر»، وأشارت اللجنة إلى تعليقات أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلى أشار فيها إلى أن الفلسطينيين «حيوانات بشرية»، وقالت اللجنة -التى تتخذ من جنيف مقراً لها- «إن هذه اللغة قد تحرض على أفعال الإبادة العرقية».

وفى سبيل تقويض خطاب الكراهية لا بد من:

- إثراء النقاشات حول خطاب الكراهية وتداعياته وسبل مواجهته وتفكيكه، وتعزيز القيم الجديدة التى تتماشى مع حقوق الإنسان والحريات والمساواة، والمواطنة.

- تأسيس خطاب معتدل يقوم على مبادئ الأخوة الإنسانية وقيم المساواة والكرامة والعدل وقبول الآخر المختلف عنا ومعنا، وجعل «الإنسانية» قبل التدين.

- تسليط الضوء على الكيانات والأنظمة المتورطة والداعمة لخطاب الكراهية والتعصب حول العالم.

ومع أن خطاب الكراهية ليس له تعريف متفق عليه، لكن الأمم المتحدة تعرفه بأنه: «أى نوع من التواصل الشفهى، أو الكتابى، أو السلوكى، الذى يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية أو على أساس الدين أو الانتماء الإثنى أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعى أو أحد العوامل الأخرى المهددة للهوية».

وبالنظر إلى هذا التعريف نجد أن خطاب الكراهية والتعصب يتسع ليشمل دولاً وسياسات، كما يشمل التنظيمات التكفيرية كداعش والقاعدة، ويضيق التعريف فيشمل الفرد الذى يزدرى بغيره داخل الأسرة الواحدة، أو داخل المجتمع، كما أن خطاب الكراهية قد ينتهى بالقتل والإبادة، لكنه يبدأ بالإشارة أو الرسوم أو مقاطع الفيديو أو الخطب أو الفتاوى أو التنمر، أو أى طريقة تحفز على التحيز والازدراء والتحقير والتعصب والاستهجان والعداء من شخص واحد أو مجموعة أشخاص، من دول أو أفراد أو تنظيمات.

لأن خطاب الكراهية يترتب عليه عدد من الآثار كالتسبب فى الأذى على المستوى الشخصى، والتضييق على فرص التنوع والمساواة وحقوق الإنسان، وتقويض التماسك الاجتماعى، وتآكل القيم المشتركة.

وإحدى صور الكراهية والعنف والتعصب منبعها من العصبية الدينية، وهو ما أحدث فتناً طائفية فى بعض البلدان، وهنا نشير إلى أن وجود الكراهية والتعصب أول ما ظهرت كانت فى كتاب (قصة حياتى) للأستاذ أحمد لطفى السيد، حيث كتب فصلاً عن التعصب الدينى، جاء فيه: إن التعصب الدينى الموهوم عديم الأثر فى نفوس مسلمى مصر، فأقام اللورد كرومر دليلين على وجود التعصب، فأرخ الكاتب على التعصب فى مصر على بداية الإنجليز سنة 1905م.

وما قاله أحمد لطفى السيد يدل على أن الاستعمار واحتلال الأرض والأوطان وتهجير أهلها، وصبغها بصبغة بعيدة عن هويتها وقوميتها هو بداية ظهور التعصب والكراهية، ويترتب على أثره استحالة أن يعيش الكردى مع العراقى، والمسيحى مع المسلم، والسنى مع الشيعى، والمتدين مع غير المتدين، ولعب الاستعمار دوره فى تغذية تنظيمات العنف والتطرف، وهى التنظيمات التى تغذى أهداف الاستعمار التى على رأسها نشر الفرقة وزعزعة الأوطان وتبنى خطابات الكراهية والتعصب.

والحقيقة أن الخطاب الذى يقدمه بعض قادة الأديان لمنع الكراهية، هو خطاب لا يجد التأثير المطلوب، فلابد من تحويل المسار المعتاد الذى يتبنى فيه الخطاب الإسلامى المعتدل نماذج مشرقة من مواقف المسلمين تجاه المسيحيين مثلاً، ويتبنى فيه الخطاب المسيحى المعتدل نماذج مشرقة من مواقف المسيحيين تجاه المسلمين مثلاً، فنعكس الأمر؛ ليتبنى المسلمون ذكر مواقف المسيحيين المشرقة، ويتبنى المسيحيون ذكر مواقف المسلمين المشرقة، ويحدث الانتقال من كون الحوار والتعايش متعلقاً بالمثقفين والنخبة، ليكون فرضاً وواجباً يتعلمه الأطفال فى المدارس.

عن "الوطن"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية