حرائق ووفيات.. اشتداد موجات الحر وأزمة طاقة تهدد أوروبا

حرائق ووفيات.. اشتداد موجات الحر وأزمة طاقة تهدد أوروبا


20/07/2022

تتواصل موجة الحر الخانقة في عدد من الدول الأوروبية، والتي سجلت ارتفاعاً قياسياً في درجات الحرارة، تسبب في حرائق في بعضها، من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في حين أسفرت عن وفاة المئات في إسبانيا والبرتغال، وسط تحذيرات أطلقتها الأمم المتحدة من تواتر هذه الموجات من الحر.

وتعد موجة الحر هذه هي الثانية خلال شهر في أوروبا؛ إذ اعتبر تزايدها نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري وفق العلماء، كما تزيد انبعاثات غازات الدفيئة من شدتها ومدتها وتواترها.

وفيات وحرائق

سجلت البرتغال أكثر من ألف وفاة بسبب موجة الحر الحالية، وشددت كبيرة مسؤولي الصحة أمس على ضرورة أن تتجه البلاد إلى مواجهة آثار تغير المناخ في الوقت الذي يستمر فيه ارتفاع درجات الحرارة.

وقالت غراسا فريتاس كبيرة مسؤولي الصحة في البرتغال لوكالة "رويترز": "البرتغال من بين إحدى مناطق العالم التي يمكن أن تكون (أكثر) تأثراً بالحرارة الشديدة". وأضافت "يتعين علينا أن نكون مستعدين أكثر وأكثر لفترات من درجات الحرارة المرتفعة".

وتجاوزت درجات الحرارة في المناطق التي يضربها الجفاف في البرتغال 40 درجة مئوية الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أنّ درجات الحرارة انخفضت خلال الأيام القليلة الماضية، قالت فريتاس إنها ما زالت فوق المعدلات العادية في مثل هذا الوقت من السنة.

تعد موجة الحر هذه هي الثانية خلال شهر في أوروبا

وكانت السلطات الصحية في البرتغال قد سجلت 238 وفاة زائدة خلال موجة الحر في الفترة من 7 إلى 13 تموز (يوليو)، لكن فريتاس قالت إنّ عدد الوفيات زاد الآن إلى 1063 في الفترة حتى 18 الشهر  الجاري.

في إسبانيا قالت السلطات الصحية إنّ موجة الحر أودت بحياة 360 شخصاً، في حين لقي ما لا يقل عن 13 شخصاً مصرعهم في بريطانيا جرّاء حوادث مرتبطة بموجات الحر.

وفي فرنسا قالت السلطات إنها أجلت أكثر من 12 ألف شخص جنوب البلاد، وسط عمليات متواصلة لمكافحة النيران التي أتت على عشرات الكيلومترات في إقليم لاجيروند.

وواصلت عدة دول في أوروبا الغربية مكافحة حرائق الغابات المدمرة، نتيجة موجة الحر التي من المتوقع أن تستمر إلى ما بعد عطلة نهاية الأسبوع، وقد تحطم العديد من الأرقام القياسية لدرجات الحرارة في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، وفق التوقعات.

درجات قياسية 

وتخطت درجات الحرارة أمس في بريطانيا وللمرة الأولى عتبة الأربعين مسجلة 40,2 درجة في مطار هيثرو، على ما أعلنت وكالة الأرصاد الوطنية، وفق ما أوردته وكالة "فرانس برس".

وجاء المستوى الجديد بعد ساعة على تسجيل 39,1 درجة مئوية في نهاية الفترة الصباحية في تشارلوود، في جنوب لندن.

 في إسبانيا قالت السلطات الصحية إنّ موجة الحر أودت بحياة 360 شخصاً، في حين لقي ما لا يقل عن 13 شخصاً مصرعهم في بريطانيا جرّاء حوادث مرتبطة بموجات الحر

ويعود المستوى القياسي الأخير المسجل في بريطانيا إلى 25 تموز (يوليو) 2019 وبلغ 38,7 درجة مئوية في كامبريدج في جنوب شرق إنجلترا.

وسجلت حوالى 60 بلدة فرنسية تقع معظمها في غرب البلاد درجات حرارة قياسية في منطقة شهدت حرائق هائلة.

وقال ستيفن بيلتشر، رئيس قسم العلوم والتكنولوجيا في وكالة الأرصاد الجوية الوطنية البريطانية إنّ "التغير المناخي الناتج عن غازات الدفيئة جعل تسجيل درجات الحرارة القياسية هذه أمراً ممكناً ونحن نرى هذا الاحتمال الآن". وأضاف "هذه الظروف المناخية القاسية ستصبح أكثر تطرفاً".

سجلت حوالى 60 بلدة فرنسية تقع معظمها في غرب البلاد درجات حرارة قياسية في منطقة شهدت حرائق هائلة

في غضون ذلك، أعلنت فرقة الإطفاء في لندن أمس وقوع حادث كبير فيما كان رجال الإطفاء يحاولون إخماد حرائق اندلعت في أنحاء العاصمة البريطانية خلال موجة حر حطمت الرقم القياسي.

كذلك، كان حوالي 100 إطفائي يحاولون بعد ظهر اليوم السيطرة على حريق اندلع في بلدة في شرق لندن.

موجات الحر قد تصبح أكثر تواتراً

ودعت الأمم المتحدة الثلاثاء القادة إلى أن "يعوا" المشكلة خلف موجات الحر مثل تلك التي تجتاح أوروبا حالياً، والتي قد تصبح أكثر تواتراً بسبب تغير المناخ حتى عام 2060 على الأقل.

وقال الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيتيري تالاس في مؤتمر صحافي في جنيف إن "موجات الحر هذه تصبح أكثر تواتراً بسبب تغير المناخ" وستزداد في العقود المقبلة.

دعت الأمم المتحدة الثلاثاء القادة إلى أن "يعوا" المشكلة خلف موجات الحر مثل تلك التي تجتاح أوروبا حالياً، والتي قد تصبح أكثر تواتراً بسبب تغير المناخ حتى عام 2060 على الأقل

وأضاف تالاس عن موجة الحر الحالية "آمل في أن يؤدي هذا النوع من الظروف المناخية إلى زيادة الوعي لدى كثير من الحكومات".

غازات الدفيئة

ويأتي تكاثر موجات الحر نتيجة مباشرة للاحترار المناخي على ما يرى علماء؛ إذ إنّ انبعاثات غازات الدفيئة تزيد من حدتها ومدتها وتواترها.

وقال ستيفن بيلتشر رئيس قسم العلوم والتكنولوجيا في وكالة الأرصاد الجوية الوطنية إنّ "التغير المناخي الناتج عن غازات الدفيئة جعل تسجيل درجات الحرارة القياسية هذه أمراً ممكناً ونحن نرى هذا الاحتمال الآن"، وفق ما أوردته "الإندبندنت" بالعربية.

من جانبه، قال روبرت ستيفانسكي رئيس الخدمات المناخية التطبيقية في المنظمة "ما يقلقنا هو أنّ الفاصل الزمني بين هذه الأرقام القياسية يتقلص" مشيراً إلى أنّ البرتغال اقتربت هذا الأسبوع من الرقم القياسي الأوروبي البالغ 48,8 درجة مئوية والذي سجل العام الماضي في صقلية (إيطاليا).

يأتي تكاثر موجات الحر نتيجة مباشرة للاحترار المناخي على ما يرى علماء

وأضاف تالاس أنه نظراً إلى التركيزات الحالية لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي من المتوقع أن تستمر الزيادة في وتيرة موجات الحر "حتى عام 2060 على الأقل، بغض النظر عن نجاح التدابير المناخية".

كما حذر من آثارها على الصحة مذكراً بالخسائر الفادحة التي تسببت بها موجة الحر عام 2003 التي راح ضحيتها أكثر من 70 ألف شخص.

وقال "نتوقع زيادة في عدد الوفيات بين المسنين والمرضى" فيما أودت موجة الحر الراهنة بحياة عديد من الأشخاص في إسبانيا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي.

غاز الأوزون

وحذر برنامج مراقبة الأرض التابع للاتحاد الأوروبي "كوبرنيكوس" من أنّ موجة الحر التي تجتاح أوروبا حالياً ويرافقها جفاف حاد تفاقم مخاطر نشوب حرائق وتزيد التلوث بغاز الأوزون.

ويتشكل غاز الأوزون حين تتفاعل انبعاثات من الوقود الأحفوري وملوثات أخرى من صنع الإنسان بوجود ضوء الشمس. والأوزون غاز دفيئة رئيس وأحد مكونات الضباب الدخاني الحضري ويضر بصحة الإنسان ويمنع عملية التركيب الضوئي في النباتات.

وأوضح مارك بارينغتون العالِم في قسم مراقبة الغلاف الجوي في "كوبرنيكوس"، أنّ "الأضرار المحتملة لتلوث قوي جداً بغاز الأوزون على صحة الإنسان قد تكون كبيرة من ناحية الأمراض التنفسية والقلبية".

وأضاف أنّ المستويات العالية من الأوزون السطحي قد تسبب التهاباً في الحلق وسعالاً وصداعاً وتزيد خطر الإصابة بنوبات الربو. ويُشكل غاز الأوزون حالياً مصدر قلق كبير للمناطق الزراعية والأمن الغذائي.

 إيناغاس: هذه الزيادة الهائلة في الطلب على الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء ترجع بشكل رئيسي إلى ارتفاع درجات الحرارة المسجلة نتيجة موجة الحر

وسبق أن اكتشف العلماء "تلوثاً مرتفعاً للغاية بالأوزون السطحي" في كل أوروبا الغربية والجنوبية، وخصوصاً في جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية وبعض مناطق شمال إيطاليا.

وفي حال تحسن الوضع في شبه الجزيرة الإيبيرية، قد تؤثر مستويات أوزون سطحي مرتفعة جداً في "المناطق الشمالية الغربية في الأيام المقبلة".

أزمة طاقة تلوح في الأفق

في غضون ذلك، تستعد أوروبا لاحتمال حدوث أزمة غاز كاملة نهاية هذا الأسبوع، تماماً كما أدت موجة الحر التاريخية إلى زيادة الطلب على الطاقة للمساعدة في تبريد المنازل والشركات في القارة.

ووفق ما أوردته شبكة "سي ان ان" من المقرر إعادة فتح خط أنابيب نورد ستريم 1 - وهو شريان مهم يربط الغاز الروسي بالكتلة الأوروبية - يوم الخميس بعد 10 أيام من أعمال الصيانة الروتينية. 

لكن القلق يتزايد من أنّ روسيا ستبقي الصنابير مغلقة ردًا على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي منذ غزو موسكو لأوكرانيا في شباط (فبراير).

قال روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الألماني، في وقت سابق من هذا الشهر، إنّ البلاد يجب أن "تستعد للأسوأ".

سبق أن اكتشف العلماء "تلوثاً مرتفعاً للغاية بالأوزون السطحي" في كل أوروبا الغربية والجنوبية

وقال هابيك في مقابلة إذاعية: "أي شيء يمكن أن يحدث. يمكن أن يتدفق الغاز مرة أخرى أكثر من ذي قبل. قد لا يأتي شيء على الإطلاق".

ينقل خط الأنابيب 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا، أو حوالي 40٪ من إجمالي واردات خط الأنابيب من روسيا.

وأدت درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة الطلب على الكهرباء لتشغيل وحدات تكييف الهواء.

وقالت شركة إيناغاس، مشغل نظام نقل الغاز في إسبانيا، الأسبوع الماضي إنّ الطلب على الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء سجل رقماً قياسياً جديداً قدره 800 جيجاوات ساعة.

تبلغ مستويات تخزين الغاز في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي حالياً حوالي 64٪، وفقاً لمؤسسة مشغلي البنية التحتية للغاز في أوروبا

وقالت إيناغاس في بيان صحفي الخميس الماضي، إنّ "هذه الزيادة الهائلة في الطلب على الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء ترجع بشكل رئيسي إلى ارتفاع درجات الحرارة المسجلة نتيجة موجة الحر".

كان بعض المحللين أكثر تفاؤلاً، بالنظر إلى مصادر الطاقة البديلة في أوروبا وحقيقة أنّ الموجة الحارة ستنتهي بحلول منتصف الأسبوع.

في غضون ذلك، تتسابق الدول الأوروبية لملء مرافق تخزين الغاز لديها لتجنب نقص الطاقة المحتمل بشكل كارثي خلال فصل الشتاء.

وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، في بيان صحفي الإثنين، إنّ "الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة" لدعم إمدادات الطاقة. وأضاف: "إذا قررت روسيا قطع إمدادات الغاز تماماً قبل أن تتمكن أوروبا من رفع مستويات تخزينها إلى 90٪، فسيكون الوضع أكثر خطورة وتحدياً".

تبلغ مستويات تخزين الغاز في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي حالياً حوالي 64٪، وفقاً لمؤسسة مشغلي البنية التحتية للغاز في أوروبا.

وتقوم المؤسسة بتأمين إمدادات الغاز على وجه السرعة من دول أخرى؛ لأنه يخفض واردات الغاز الروسي. وقعت المفوضية الأوروبية، الإثنين، مذكرة تفاهم مع أذربيجان لمضاعفة سعة طريق توصيل الغاز الرئيسي خلال السنوات القليلة المقبلة.

 

مواضيع ذات صلة:

أوروبا على صفيح ساخن... حيرة بين خطط المناخ وتأمين إمدادات الطاقة

ما علاقة تغيّر المناخ بالصحة العقلية؟

هل هناك وقت ومناخ لحل أزمات تركيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية