حافظ للقرآن ويخشى الحسد والطائرات.. معلومات لا تعرفها عن محمد عبدالوهاب

تحلّ اليوم الأحد، ذكرى ميلاد موسيقار الأجيال الراحل محمد عبد الوهاب، الذي يعد واحداً من أبرز الموسيقيين على الساحة الفنية في تاريخ الوطن العربي، تمكن من جذب الأنظار لموهبته منذ أن كان طفلاً.

عُرف الراحل بمواهبه الاستثنائية والمتعددة فهو مؤلف وملحن وممثل، وفي كل اتجاه ذهب إليه حقق نجاحاً كبيراً.

اقرأ أيضاً: "لا غناء ولا موسيقى".. ميليشيات الحوثي تحاصر فناني اليمن

وضمن الاحتفالات بذكرى ميلاد موسيقار الأجيال، تقيم دار الأوبرا المصرية في الثامنة من مساء اليوم الأحد، حفلاً فنياً على المسرح الكبير.

ويحيي الحفل، الفنان صفوان بهلوان، بمشاركة عدد من الفنانين منهم؛ آيات فاروق، وأحمد عفت، وسارة سحاب، وذلك تحت قيادة المايسترو سليم سحاب؛ حيث يقدمون باقة متنوعة من أغاني عبد الوهاب مثل "بتلوموني ليه، من غير ليه، مصريتنا، أسألك الرحيلا"، وغيرها.

وفي هذه المناسبة، تفتح أبواب متحف عبد الوهاب، ومتحف الآلات الموسيقية بمعهد الموسيقى العربية مجاناً للجمهور لمدة 5 أيام اعتباراً من صباح اليوم، وحتى الخميس 17 آذار (مارس) من الساعة الـ 10 صباحاً وحتى الـ 3 عصراً، وذلك ضمن عدة فعاليات تشمل أمسيات لمختلف فرق الموسيقى العربية ونخبة من أعمال الموسيقار الراحل.

في طفولته التحق  بكتّاب جامع سيدي الشعراني بناءً على رغبة والده الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه بعد ذلك في وظيفته        

ويضم متحف محمد عبد الوهاب عدة أقسام هي قاعة الذكريات التي تشمل جناحين، الأول يلقي الضوء على ملامح طفولته ونشأته وخطواته الأولى في عالم الفن والسينما.

 تاريخ ميلاده غير معروف

ولد محمد عبد الوهاب في 13 آذار (مارس)  في حي باب الشعرية بالقاهرة بعد انتقال أسرته من قريتهم بمحافظة الشرقية، وكان أبوه هو الشيخ محمد أبو عيسى المؤذن والقارئ في جامع سيدي الشعراني بباب الشعرية وأمه فاطمة حجازي التي أنجبت 3 أطفال منهم محمد وبنتين.

اقرأ أيضاً: الموسيقى السودانية تفقد أحد عمالقتها.. وفاة الموسيقار بشير عباس

وحتى اليوم، يختلف المؤرخون حول العام الذي ولد فيه موسيقار الأجيال، إذ لا يوجد أي مصدر رسمي أو بحثي أشار إلى عام ميلاده بشكل أكيد، ولكن المؤكد أنه ولد في 13 آذار (مارس)، وفق صحيفة "الوطن" المصرية، والتي أوردت أنها بحثت في كل المؤلفات التي تناولت قصة حياته منها "محمد عبدالوهاب حياته وفنه" للراحلة الدكتورة رتيبة الحفني، و"وموسوعة محمد عبدالوهاب" للدكتورة إيزيس فتح الله، وغيرها من المراجع.

ويتفق مؤرخو حياة محمد عبد الوهاب وأبرزهم رتيبة الحفني وإيزيس فتح الله، على أنّ ميلاده كان في الفترة ما بين عامي 1897 و1900 وذلك بناء على شهادات من أقرب أقرانه وأصدقائه. أما الفنانة منيرة المهدية فقد أعلنت تاريخاً آخر لميلاده حيث قالت في حديث إذاعي العام 1927 إنّ محمد عبدالوهاب مثل أمامها دور مارك أنطوان في عمل مسرحي وكان عمره في ذلك الوقت 25 عاماً أي إنّه من مواليد 1902.

حافظ للقرآن

في طفولته التحق عبد الوهاب بكتّاب جامع سيدي الشعراني بناءً على رغبة والده الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه بعد ذلك في وظيفته. وبالفعل حفظ عدة أجزاء من القرآن قبل أن يميل إلى الطرب والغناء، فقد كان يذهب إلى أماكن الموالد والأفراح التي يغني فيها شيوخ الغناء في ذلك العصر مثل؛ الشيخ سلامة حجازي وعبد الحي حلمي وصالح عبد الحي، وهو أمر كانت ترفضه عائلته وتعاقبه على فعله.

في العام 1927، سجل أول أسطوانة من ألحانه وكلمات الشيخ يونس القاضي "فيك عشرة كوتشينة" وظهر فيها تأثره بموسيقى سيد درويش

بعدها قابل عبدالوهاب الأستاذ فوزي الجزايرلي صاحب فرقة مسرحية بالحسين الذي وافق على عمله كمطرب يغني بين فصول المسرحيات التي تقدمها فرقته مقابل خمسة قروش عن كل ليلة، وغنى أغاني الشيخ سلامة حجازي متخفياً تحت اسم "محمد البغدادي" حتى لا تعثر عليه أسرته إلا أنّها نجحت في العثور عليه وازدادت إصراراً على عودته لدراسته، فما كان منه إلا أن هرب مع فرقة سيرك إلى دمنهور حتى يستطيع الغناء، وطُرد من فرقة السيرك بعد ذلك ببضعة أيام لرفضه القيام بأي عمل سوى الغناء فعاد إلى أسرته بعد توسط الأصدقاء له.

لقاؤه بأحمد شوقي

وأمام إصرار محمد عبدالوهاب على الغناء، وافقت أسرته أخيراً على غنائه مع إحدى الفرق، وهي فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي (المحامي) على مسرح برنتانيا مقابل 3 جنيهات في الشهر، وكان يغني نفس الأغاني للشيخ سلامة حجازي.

وفي إحدى الليالي، حضر أحمد شوقي لمشاهدة أحد عروض الفرقة وبمجرد سماعه لعبدالوهاب، استنكر أن يحترف العمل في هذه السن الصغيرة، وحاول منعه بشتى الطرق لكنه لم ينجح في تثبيط عزيمته، انزعج عبد الوهاب لهذا الموقف كثيراً وظل يخشى الظهور أمام شوقي، ولم يسمعه الأخير يغني ثانيةً إلا بعد 10 أعوام، ففي العام 1924، أتت لمحمد عبد الوهاب فرصة عمره، حيث التقى بأمير الشعراء مرةً أخرى، واستمع إلى غنائه في حفلٍ على مسرح سان ستيفانو بالإسكندرية.

كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سبباً رئيسياً في التعاون بين أم كلثوم وعبدالوهاب والثمرة "أنت عمري"

لم يكن باستطاعة شوقي أن يضيف شيئاً لموهبة عبدالوهاب، لكنه جمّلها بأشياء في حياته كان من شأنها صقل تلك الموهبة وتسليحها بالدراسة والثقافة، فقد قرر أن يتبناه فنياً واهتم بإكمال تعليمه ليس فقط للغة العربية والشعر، وإنما الموسيقى الغربية أيضاً والثقافة العامة، واستمر شوقي في رعاية عبدالوهاب وتقديمه إلى صفوة المجتمع من المثقفين وأصحاب النفوذ، كما قدم له أشعاره وشجعه على تلحينها إلى أن توفي العام 1932.

اقرأ أيضاً: الموسيقى.. فلسفة تتجاوز التاريخ

في العام 1972، سجل عبد الوهاب أول أسطوانةٍ من ألحانه وكلمات الشيخ يونس القاضي، "فيك عشرة كوتشينة"، وقد ظهر فيها تأثره بموسيقى سيد درويش. لتتوالى بعد ذلك أغانيه ومن أشهرها: "اجري اجري"، "همسة حائرة"، "أنا والعذاب وهواك"، "يا ورد مين يشتريك"، "أحبه مهما أشوف منه"، "المية تروي العطشان"، "الوطن الأكبر"، "انسى الدنيا وريح بالك"، "بالك مع مين"، وغيرها من الأغاني الخالدة. وبعد ضعف صوته تفرغ تماماً للتلحين الذي أبدع فيه بمئات الأغاني لعشرات المطربين والمطربات، حتى عُرف بـ"النهر الخالد".

"لقاء السحاب" بأمر من عبد الناصر

يذكر الموسيقار محمد عبد الوهاب أنّ أول لقاء بينه وبين كوكب الشرق أم كلثوم لم يكن على ما يرام وذلك لأنه عرض عليها أغنية "غاير من اللي هواكي قبلي ولو كنت جاهله"، ولكنها رفضت أن تغنيها فغناها هو. وبعد ذلك اشتعلت شرارة المعركة بين القطبين، وكانت الحرب والمنافسة بينهما على أشدها هو يغني وهي تغني، هو يحيي حفلاً كل أسبوع وهي كذلك، حتى أن الصحف آنذاك لقبتهما بـ"العدوين"، وامتد الصراع بينهما على تولي نقيب أصحاب المهن الموسيقية المواجهة التي كانت الغلبة فيها لكوكب الشرق.

كانت أم كلثوم تستخدم جميع أسلحتها لخطف الأغاني من محمد عبد الوهاب، لتبقى هي في القمة، وكانت العلاقة بينهما كالعلاقة بين القط والفار، إلى أن جاء "لقاء السحاب"، وفق ما أورده موقع "البلد نيوز" المصري.

كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سبباً رئيسياً في هذا التعاون بين هذين العملاقين الفنيين، فهو من طلب منهما تقديم عمل فني مشترك، حيث كان الموسيقار محمد عبد الوهاب يقدم عملاً فنياً للرئيس الراحل، وتصادف وجود كوكب الشرق لتحية عبدالناصر، الذي وجه الكلام للثنائي قائلاً: "لن أغفر لكما عدم اشتراككما سوياً".

عبدالوهاب كان يخاف من الحسد وحين يشعر بعدم الارتياح تجاه حديث شخص ما فإنه "يمسك الخشب فوراً"

وكان عبد الوهاب في تلك الفترة يلحن أغنية "أنت عمري" لنفسه، ليكتشف بعد أن أنهى بعض مقاطعها أنها مناسبة كبداية للعمل الفني المشترك بينهما، وأسمع الأغنية لأم كلثوم وأُعجبت بها، ليكون "لقاء السحاب" وتغني أم كلثوم الأغنية بالفعل العام 1964.

أشياء يخافها عبد الوهاب

ومن الطرائف التي يعترف بها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن نفسه، أنه كان يخاف يخاف من الطائرة وفضّل التنقل بحراً بالسفن، لأنه يخشى الطيران، وبرر ذلك بقوله: "الطائرة تفقده حريته ويتم ربطه في مقعد الطائرة وكأنه حقيبة يتم شحنها فقط".

عبدالوهاب ذكر أيضاً أنه يخاف من الحسد، وحين يشعر بعدم الارتياح تجاه حديث شخص ما فإنه "يمسك الخشب فوراً"، عملاً بالمثل الشعبي السائد في مصر قديماً، كما أنه أعلن أنه يتفاءل بيوم الإثنين ويكره يوم الأربعاء، وفق ما أورده موقع "العين".

ثلاث زيجات

تزوج محمد عبد الوهاب 3 مرات، الأولى في بداية مشواره الفني من سيدة تكبره في السن، ويُقال إنها أسهمت في إنتاج أول فيلم له هو "الوردة البيضاء" وتم الطلاق بعدها بـ 10 أعوام.

ثم تزوج للمرة الثانية في العام 1944 من إقبال، وأنجبت له 5 أبناء هم أحمد ومحمد وعصمت وعفت وعائشة، واستمر زواجهما 17 عاماً وتم الطلاق في العام 1957، أما زواجه الثالث والأخير فكان من الفلسطينية نهلة القدسي.

توفي محمد عبد الوهاب يوم 4 أيار (مايو) من العام 1991،  إثر جلطة في الدماغ نتيجة سقوطه الحاد على أرضية منزله بعد انزلاقه المفاجئ من سجاد الأرضية، وشُيع في جنازة عسكرية في يوم 5 أيار (مايو) بناء على قرار رئيس الجمهورية وقتها.