
تاج السر عثمان بابو
أشرنا سابقا إلى استمرار فساد ونهب الطفيلية الإسلاموية وصنيعتها من دعم سريع ومليشيات بعد الحرب كما حدث في نهب حصيلة ٨٠ طنا من الذهب للعام ٢٠٢٤ التي قدرتها صحيفة فايننشال تايمز ب ٦ مليار دولار من طرفي الحرب، إضافة لنهب عائدات الصمغ والثروة الحيوانية الإغاثة ، وصراع حركات دارفور في تقسيم الوزارات الجاري للاستحواذ على وزارتي المالية والمعادن لاستمرار النهب والفساد الذي ازكم الانوف.
إضافة إلى ما أشار له التقرير القطري السنوي لبنك التنمية الأفريقي الخاص بالسودان الذي وصف الحكومة ب “مافيا فساد” أن ما يفقده السودان بسبب الفساد والتعدّي على المال العام والتهرب الضريبي يُقدّر بأكثر من خمسة مليارات دولار سنويًا، وشكّل سوء بيئة الاستثمار وضعف مستوى النظام المالي والمصرفي، عقبة أساسية أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية، التي كانت أرقامها متذبذبة خلال السنوات الماضية، فبعد أن كانت 1.06 بليون دولار في 2016 تناقصت لما يقارب النصف في 2022، لتبلغ 573.5 مليون دولار. إضافة للخسارة التي لحقت بالاقتصاد خلال العام الثاني للحرب التي قدرها التقرير ب 125 مليار دولار، بناءً على التقديرات الأولية. وهي نفس القيمة التي خسرها الاقتصاد خلال العام الأول للحرب، حسب تقرير البنك الصادر في العام السابق.
هذا وترجع جذور وفساد الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية فترة المصالحة الوطنية مع نظام نميري عام 1977 عندما قامت منظمات مثل : منظمة الدعوة الإسلامية ، الوكالة الإسلامية للإغاثة ، جمعية رائدات النهضة ، جمعية شباب البناء ، جمعية الإصلاح والمواساة ، مؤسسة دان فوديو الخيرية. الخ . كما أقاموا مؤسسات تعليمية مثل: إنشاء المركز الإسلامي الأفريقي ، وكلية القرآن: الكريم ، وعدد من المدارس الابتدائية ورياض الأطفال التابعة لمنظمة الدعوة الإسلامية ( لمواجهة التعليم الكنسي والتجاري ) .
ثم بعد ذلك اقتحموا السوق والتجارة ، وهاجر بعضهم لبلاد الخليج بعد انقلاب مايو 1969 حتى توسعوا في العمل التجاري ، كما انشأوا المصارف الإسلامية ( بنك فيصل الإسلامي ، التضامن الإسلامي ) ، كما انشأوا عددا من شركات التأمين والمؤسسات التجارية والعقارية مما خلق بديلا للمصارف الربوية حسب ما كانوا يزعمون . ( انظر : الأمين محمد احمد : الحركة الإسلامية في السودان : السلبيات والإيجابيات ) .
ومعلوم أن النشاط الطفيلي اصبح هو الغالب في فترة مايو وتراجعت الرأسمالية الوطنية التي كانت تعمل في ميداني الإنتاج الصناعي والزراعي نتيجة لارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج ، وأزمة الوقود والطاقة وانخفاض قيمة الجنيه السوداني . الخ. ، وبالتالي سيطر النشاط الطفيلي على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية وظهرت فئات السماسرة التي تعيش على العمولات ، ووكلاء البنوك الأجنبية والشركات الأجنبية ورؤوس الأموال البترولية وشركات النهب والفساد مثل شركة تراياد التي تحالفت مع مجموعة القصر ( نميري ، بهاء الدين . الخ )
وفى هذه البحيرة الراكدة ، وفي أحضان الرأسمالية الطفيلية المايوية، نمت وتطورت الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية ، وكان التقدير أن للإخوان المسلمين حوالي 500 شركة من كبيرة وصغيرة في عام 1980 م ، وتصل حجم رؤوس أموالهم لأكثر من 500 مليون دولار متداولة من بين هذه الشركات في الداخل .( عصام الدين ميرغني : الجيش السوداني والسياسة ، القاهرة 2002 م ، ص 225 )
بعد انقلاب 30 يونيو 1989م سيطرت الجبهة الإسلامية على الحكم ، وفى هذه الفترة هيمنت الفئات الغنية من عناصر الجبهة الإسلامية على مفاتيح الاقتصاد الوطني عن طريق البنوك الإسلامية وشركات التأمين والاستثمار الإسلامية وشركات الصادر والوارد والتوزيع والشركات المساهمة الكثيرة ، والمنظمات التي تلتحف ثوب الأعمال الخيرية مثل: الشهيد ، السلام والتنمية.. الخ
وتجمعت لدى هذه الفئات ثروات ضخمة بعد فرض نظام شمولي فاشي ظلامي دفاعا عن تلك المصالح ولتنمية وتراكم ثرواتها على حساب الشرائح الرأسمالية الأخرى، التي جاءت من المصادر التالية:
– نهب أصول القطاع العام عن طريق البيع آو الإيجار أو المنح بأسعار بخسة لأغنياء الجبهة الإسلامية ومنظماتها.
– التسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والإعفاء من الضرائب .
– الاعتداء على المال العام ، على سبيل المثال جاء في تقرير المراجع العام أن جملة حالات الاعتداء على المال العام في الأجهزة الاتحادية في الفترة من أول سبتمبر 2000 م الى نهاية أغسطس 2001 م ، بلغت 440 مليون دينار ( صحيفة الأيام 21 / 11 / 2001 م ) .
– المرتبات العالية لكادر الجبهة الإسلامية العسكري والمدني والذي كان يشغل وظائف قيادية في جهاز الدولة بعد أصبح التنظيم والدولة وجهين لعملة واحدة ، ذلك الكادر الذي يدير مصالح مؤسسات وشركات الجبهة الإسلامية ويوظف كل إمكانيات وقدرات الشعب السوداني وأمواله لخدمة تلك المصالح ، والصرف المفتوح تحت البنود لهذا الكادر والإعفاء من الجمارك والصرف البذخي على مكاتب هذا الكادر .
– تكثيف جباية الضرائب والفساد ونهب موارد الدولة المالية والعائد من الضرائب والزكاة حتى أصبح ذلك حديث الناس.
– الأرباح الهائلة التي يحصل عليها تجار الجبهة الإسلامية من حرب الجنوب ( تجار الحرب ) : عطاءات ، أسلحة ، ملابس ، مواد تموينية ، الخ.
– بعد استخراج الذهب والبترول ، أصبح ذلك من أهم مصادر تراكم الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية، وتم نهب تلك العائدات التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
– الاستثمار في قطاعي التعليم والصحة.
_ تجارة العملة والسوق الأسود واحتكار قوت الناس والسلع الاستراتيجية .
_ الاستيلاء على شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الإسلامية .
_ الاستثمار في العقارات والمضاربة على الأراضي ، ومشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية والتوسع في تصدير الثروة الحيوانية ، واستيلاء مؤسسات الجبهة الإسلامية على مؤسسات تسويق الماشية .
_ نهب أموال وعقارات المعارضين السياسيين ( الغنائم ).
وغير ذلك من المصادر التي جاءت بالنهب اقتصاديا والقمع سياسيا.
تلك هي جذور النهب والفساد التي تحاول بعد الحرب المواصلة فيه عن طريق القمع سياسيا، لكن ذلك مستحيل بعد الحرب التي أنهكت الطرفين، وثورة ديسمبر 2018 التي ما زالت جذوتها متقدة، و سيكون مصيرها إلى مزبلة التاريخ.
الراكوبة