جدل في فرنسا حول طرد إمام مغربي... ما علاقة الإخوان المسلمين؟

جدل في فرنسا حول طرد إمام مغربي... ما علاقة الإخوان المسلمين؟


10/08/2022

بعد أيام قليلة من إعلان وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، نيّته طرد الإمام المغربي حسن إيكويسن، الذي يُعتقد أنّه مقرب من جماعة الإخوان المسلمين، عرقلت المحكمة الإدارية الفرنسية تنفيذ القرار، ممّا أثار حالة من الجدل داخل الأوساط الفرنسية والأوروبية على نطاق واسع؛ حيث امتد نظر القرار إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي رفضت بدورها تعليق قرار الطرد.

وبحسب تقرير لإذاعة "مونت كارلو" الدولية، فقد أصدرت المحكمة الإدارية بباريس قراراً بـ"صورة مستعجلة" يوم الجمعة الماضي لتعليق طرد الإمام إيكويسن، الذي يتهمه وزير الداخلية الفرنسي بـ"التحريض على الكراهية والتمييز والعنف"، ولا سيّما ضد المرأة.

وفي أول ردّ فعل على قرار المحكمة الإدارية، عبّر دارمانان عن أسفه من قرار المحكمة، وأعلن أنّه سيقدم طلب استئناف أمام مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية في البلاد.

 نشط على السوشيال ميديا

يتمتع حسن إيكويسن بدرجة من الشعبية على شبكات التواصل الاجتماعي، ولديه ما لا يقلّ عن (176) ألف متابع لقناته على اليوتيوب، ويتابع صفحته على الفيسبوك نحو (45) ألف شخص، ينشر فيها خُطبه ومداخلاته عن الإسلام وتاريخ الحضارة الإسلامية، علماً أنّه يحمل شهادة جامعية في التاريخ.

وعزا إيكويسن، على منصتيه، ذلك إلى ما وصفها بـ "الأخبار الزائفة" التي قال إنّ بعض المواقع الإعلامية تعمدت نشرها عنه بـ"إخراج اقتباسات لخطبه من سياقها"، وتوعد في هذا الخصوص برفع شكوى بتهمة التشهير ضد صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.

 

بعد أيام من إعلان وزير الداخلية الفرنسي نيته طرد الإمام المغربي حسن إيكويسن، عرقلت المحكمة الإدارية الفرنسية تنفيذ القرار

 

وقال إيكويسن، وهو من مواليد عام 1964 بمدينة دينين شمال فرنسا: إنّ والده أجبره على التنازل عن الجنسية الفرنسية وهو في الـ16 من عمره، ثم حاول الحصول عليها بعد سن الرشد ولكن دون جدوى، فبقي حاملاً للجنسية المغربية ومقيماً في فرنسا بموجب تصاريح كانت تُجدد بانتظام، إلى أن رفضت السلطات تجديدها له مؤخراً.

روابط مع الإخوان

عزا إيكويسن رفض السلطات منحه الجنسية الفرنسية إلى روابطه الوطيدة مع ما كان يُسمّى سابقاً بـ"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، وأصبح يُدعى حالياً بـ "مسلمي فرنسا"، المعروف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض الدول.

وقد وافق المغرب على استقبال إيكويسن لدى ترحيله، وأصدر تصريحاً قنصلياً في هذا الخصوص، بحسب أقوال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان.

يتابع صفحته على الفيسبوك نحو 45 ألف شخص

وأمرت المحكمة الإدارية وزير الداخلية بمراجعة قضية إيكويسن في غضون (3) أشهر، وبأن تردّ إلى إيكويسن تصريح الإقامة الصادر له.

وفي 3 آب (أغسطس) الجاري، أظهر استطلاع للرأي صادر عن معهد CSA الفرنسي أنّ 9% من الفرنسيين يؤيدون طرد الأئمة الأجانب المناهضين لقيم الجمهورية.

ما التهم الموجهة إليه؟

وُجّهت إلى إيكويسن تهم التحريض على الكراهية، وكذلك معاداة السامية، والتحيز ضد النساء، من واقع خطبه في الفترة بين عامي 2003 و2019، ومن مؤتمرات نُظم بعضها قبل نحو (20) عاماً.

والأسبوع الماضي، أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان أمام نواب البرلمان عن الطرد الوشيك للإمام المغربي المولود في فرنسا وغير الحامل للجنسية الفرنسية. وأوضح الوزير أنّ "هذا الداعية كان يلقي خطاب كراهية ضد قيم فرنسا منذ أعوام"، ويؤخذ عليه المساهمة "في نظريات مؤامرة بشأن الإسلاموفوبيا".

وفي آخر تصريحات له بهذا الشأن، اعتبر جيرالد دارمانان أنّ "الدعاة الأجانب المعادين للسامية الذين يدلون بتصريحات تنكر المساواة بين المرأة والرجل، الذين يعتبرون الاعتداءات مؤامرات، ويعتبرون أنّ الإبادات الجماعية لم تكن موجودة أو أنّه مبالغ فيها للغاية، هؤلاء السادة ليس لديهم ما يفعلونه على أرض الجمهورية، وسأستخلص من ذلك كل النتائج، وبالفعل قد جعلت منها قضية تخصّ الجمهورية".

 

وُجّهت إلى إيكويسن تهم التحريض على الكراهية، ومعاداة السامية، والتحيز ضد النساء، من واقع خطبه في الفترة بين 2003 و2019

 

وتابع جيرالد دارمانان بالقول: "هذا الرجل لا مبرر لوجوده على أرض الجمهورية، لقد اختار هو نفسه ألّا يكون فرنسياً، أودّ أنّ أكرر هنا: إنّه من جنسية أجنبية، إنّه متطرف لأنّ أجهزة المديرية العامة للأمن الداخلي اعتبرت منذ (18) شهراً أنّه يجب إدراجه على قائمة إس (الخاصة بالأشخاص الذين يشكلون خطراً محتملاً على أمن الدولة)، لا مبرر لوجوده على أراضي الجمهورية".

خبر إدراج إيكويسن على قائمة "إس" جاء بعد قرار المحكمة الإدارية تعليق ترحيله في تطور لافت لقضيته، ممّا أثار تساؤلات فيما إذا كان ذلك سيُؤثر على قرار مجلس الدولة بشأنه.

حيثيات القضاء الإداري

اعتبرت محكمة باريس الإدارية في حكمها أنّ "السبب الوحيد القائم على وجود أعمال تحريض صريح ومتعمد على التمييز ضد المرأة لا يمكنه أنّ يبرر إجراء الطرد دون المساس بشكل خطير وغير متناسب بحقه في العيش حياة خاصة وعائلية عادية".

محكمة باريس: السبب الوحيد القائم على وجود تحريض صريح ومتعمد على التمييز ضد المرأة لا يمكنه أن يبرر إجراء الطرد

وأشارت المحكمة بشكل خاص إلى أنّ الإمام البالغ من العمر (58) عاماً "مولود في فرنسا حيث يقيم منذ ولادته مع زوجته وأولاده الـ5 الفرنسيين وأحفاده الـ15 الفرنسيين".

من جهتها، اعتبرت لوسي سيمون محامية الإمام المغربي قرار المحكمة الإدارية بباريس أنّه "موزون وسليم"، صدر عن المحكمة التي "رفضت التصريحات التآمرية معتبرة أنّها على الرغم من كونها مؤسفة لا تُعدّ بالمعنى القانوني استفزازاً صريحاً للكراهية"، لافتة إلى أنّ "إيكويسن يشكر العدالة الفرنسية لأنّها حافظت على رباطة جأشها رغم التغطية الإعلامية لهذه القضية".

 موقف أوروبي غريب

على نحو مغاير لقرار المحكمة الإدارية الفرنسية، رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الخميس الماضي طلباً بتعليق إجراء طرد الإمام المغربي من فرنسا.

وتسمح المادة (39) من نظام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لها، وفي حالات استثنائية جداً، بإصدار أمر باتخاذ "تدابير مؤقتة" عندما يتعرّض مقدمو الشكاوى "لخطر حقيقي بحدوث أضرار لا يمكن إصلاحها".

 

عزا إيكويسن رفض السلطات منحه الجنسية الفرنسية إلى روابطه الوطيدة مع اتحاد "مسلمي فرنسا" المعروف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين

 

وفي حين اعتبر وزير الداخلية جيرالد دارمانان أنّ رفض المحكمة الأوروبية "يأتي ليؤكد على شرعية قراره"، قالت لوسي سيمون محامية الإمام: إنّ المحكمة الأوروبية "لم تصدر قراراً في قضية موكلها، وإنّما رفضت النظر فيها"، ممّا لا يعني أنّها توافق الوزير في قراره أو تختلف مع قرار المحكمة الإدارية بباريس، حسب تقدير عدد من المحامين نُشرت آراؤهم في صحيفة "ليبيراسيون".

انقسام في ردود الأفعال

أثار إعلان الترحيل للإمام المغربي احتجاجات داخل الطبقة السياسية الفرنسية، وفي مقدمتها النائب اليساري عن دائرة الشمال دافيد غيرو، الذي اعتبر أنّ "هذه الإجراءات المشكوك فيها يجب أنّ تقلق كلّ الديموقراطيين الحريصين على الحفاظ على دولة القانون" في بلادنا.

وأصدر ممثلو (31) مسجداً في شمال فرنسا بياناً أكدوا فيه أنّ الإمام ضحية "خطأ واضح في التقييم"، وجمعت عريضة ما لا يقل عن (23) ألف توقيع خلال (4) أيام من نشرها، ومبلغ (37) ألف يورو من التبرعات لتمويل تكاليف الإجراءات القضائية، تضامناً مع إيكويسن.

 في السياق نفسه، نشرت مجموعة من الشخصيات الثقافية ومن النشطاء الحقوقيين رسالة مفتوحة على موقع "ميديا بارت" اليساري أعربوا فيها عن معارضتهم لترحيل حسن إيكويسن، وضد ما اعتبروه "اشتداداً لحدّة العراقيل في وجه سيادة دولة القانون".

من بين هذه الشخصيات الباحث المتخصص في القضايا الإسلامية فرانسوا بورغا، والصحفي آلان غريش، والناشط اليهودي المعادي للعنصرية دومينيك ناتانسون، والكاتبة نهلة شهال.

وجاء في الرسالة: "إنّ مسألة الموقف العقائدي والديني للإمام الذي هدده جيرالد دارمانان لا تهم حقاً. قد يكون حسن إيكويسن محافظاً، ولكن هناك لكلّ فرع من فروع الديانات التوحيدية محافظون ورجعيون، وينطبق الشيء نفسه على المسيحية واليهودية، لنكن صريحين، ما يتم استهدافه هنا هو حرية الرأي والتعبير للمجموعة التي تم تحديدها على أنّها مسلمة".

في المقابل، انتقد مؤيدون لطرد الإمام قرار المحكمة الإدارية بباريس، واعتبروا أنّها فضلت الحقوق الفردية لشخص واحد على المصلحة العامة.

وفي رسالة مفتوحة لمجموعة قانونيين من جمعية "حلقة القانون والنقاش العام"، نشرتها صحيفة "لو فيغارو" اليمينية، تساءل الموقعون عن أسباب تجاهل المحكمة الإدارية للخطاب التمييزي للإمام إيكويسن تجاه المرأة في ظرف "لم يكن فيه المجتمع الفرنسي يوماً أكثر حساسية حيال حقوق النساء"، فقد وضع ضمن أولوياته "مكافحة التمييز الجنسي، وشتى أنواع العنف ضد المرأة، ومكافحة كل ما يسيء لكرامتها المترتب عن التقليل من شأنها".

واعتبروا أنّه بقراره هذا يكون القاضي الإداري قد "ابتعد عن دوره الطبيعي في التوفيق بين الحريات العامة والمطالب الجماعية الملحّة"، وطالبوا مجلس الدولة الذي سينظر في استئناف وزير الداخلية دارمانان بـ "تنبيه القضاء الإداري لواجبه". وتابعوا بالقول: "إنّه لشرف لمجتمع ديمقراطي أن يحترم حقوق الجميع، لا أن ينزع سلاحه عن أولئك الذين يقوّضون قيمه الأساسية."

مواضيع ذات صلة:

إخوان فرنسا: عقود من الانتشار والتغلغل والازدواجية

كيف اخترقت جماعة الإخوان الجالية المسلمة في فرنسا؟

الإخوان في فرنسا: كيف ترسم الجماعة علاقتها مع الأحزاب السياسية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية