الإخوان في فرنسا: كيف ترسم الجماعة علاقتها مع الأحزاب السياسية؟

الإخوان في فرنسا: كيف ترسم الجماعة علاقتها مع الأحزاب السياسية؟

الإخوان في فرنسا: كيف ترسم الجماعة علاقتها مع الأحزاب السياسية؟


12/02/2024

دخلت فرنسا نهاية عام 2020 حلقة صراع مع آلة الإخوان المسلمين، على خلفية الخلاف الذي نشب بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والذي انتهى بعبارات دبلوماسية، لكنّ تأثيره على فرنسا القومية بقي حتى اللحظة، مستشعرة بالخطر الذي يُحدق بها بسبب التواجد الكبير للإخوان المسلمين على أراضيها، وقدرة التنظيم على تحريك جموع غفيرة من الفرنسيين المسلمين ضد النظام.

 

اقرأ أيضاً: البرلمان الفرنسي يناقش خطر الإخوان

وبحسب دراسة نشرها مركز الدراسات الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تضمّ فرنسا أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث يُقدّر عدد المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الفرنسي بحوالي (6) ملايين مسلم، وهو العدد الأكبر بين دول أوروبا، ومن الجدير بالذكر أنّ الغالبية الساحقة من مسلمي فرنسا هم من دول المغرب العربي ونسبتهم (82%) من مجمل مسلمي فرنسا (43.2%) من الجزائر، و(27.5%) من المغرب و(11.4%) من تونس، و(9.3%) من أفريقيا جنوب الصحراء، و(8.6%) من تركيا، و(0.1%) فرنسيون تحوّلوا إلى الإسلام، نحو (70,000) متحولاً.

هذا، وتغلغلت جماعة الإخوان في الجاليات العربية والمسلمة في فرنسا، لينشروا أفكارها بين أبنائها، وليشكلوا قاعدتهم الخاصة، واتجه الفرع الإخواني الفرنسي نحو بناء شبكة منظمات وجمعيات وارتباط بالأحزاب السياسية داخل المجتمع الفرنسي تنشط في مختلف النواحي، مستغلاً لهذه الأعداد الكبيرة من الجاليات المسلمة التي تعيش داخل المجتمع الفرنسي، والتي تنصّب جماعة الإخوان نفسها بديلاً عن هذه الجاليات؛ بهدف خدمة مصالح مشتركة بينها وبين الأحزاب السياسية الفرنسية. ويرجع السبب في تزايد قوة وانتشار الإسلام السياسي في فرنسا إلى تزايد أعداد المهاجرين القادمين إليها، وخاصة بعد أن أصدرت فرنسا قانون التجمّع العائلي الذي سمح للعمال المسلمين باستقدام عائلتهم من بلادهم الأصلية، بحسب الدراسة.

 

تضمّ فرنسا أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث يُقدّر عددهم في المجتمع الفرنسي بحوالي (6) ملايين

 

 وتوضح الدراسة أنّ جماعة الإخوان نشطت في المجتمع الأوروبي وسعت لاستخدام المنظمات غير الحكومية الفرنسية غير الهادفة للربح، مثل الجمعيات الخيرية والمساجد وغيرها من المؤسسات، بهدف الترويج لأفكارها المتطرفة، والقيام بأعمال العنف والتطرف. ولكن ما هو جدير بالذكر أنّ الأجهزة الاستخباراتية كشفت عن وجود رابط بين جماعة الإخوان وبين بعض الأحزاب السياسية في فرنسا، تربط بعضهم البعض مصالح سياسية مشتركة؛ متمثلة في استغلال الإخوان للجاليات الإسلامية وتوظيفها لخدمة أهدافها في المجتمع الفرنسي، وخاصة فيما يتعلق بالممارسات السياسية، ومثلت الكتل الإسلامية وسيلة للضغط على الدول الأوروبية لدعم سياسيين أو أحزاب في الانتخابات، حيث يعطون أصواتهم وأصوات الجاليات المسلمة التي تُشكّل كتلة سياسية انتخابية كبيرة لدعم حزب معيّن أو خسارة آخر، مقابل الحصول على الدعم السياسي والمالي من الحكومة الفرنسية.

 

اقرأ أيضاً: هل صار ماكرون وفرنسا عقدة أردوغان؟

وتهيمن تيارات الإسلام السياسي، لا سيّما تنظيم الإخوان، على المؤسسات الفكرية والمنظمات الخيرية وعلى وسائل الإعلام في العديد من الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، وتستطيع من خلال ذلك خدمة مصالحها ونشر وترويج أفكارها.

وتشترك الحركات بوجه عام، وفق الدراسة، فيما يُسمّى بالاستغلال السياسي للأزمات، وتوظيفها سواء للوصول إلى السلطة أو التحريض ضد الأنظمة الحاكمة ومحاولة تشويه صورتها، أو في التغلغل في المجتمع وبناء قاعدة شعبية لها، وخاصة ضمن أوساط الطبقات الفقيرة والمهمشة، وتأتي جماعة الإخوان في مقدمة هذه الحركات التي لم تترك أزمة، أيّاً كانت، سياسية أو اقتصادية أو إنسانية، إلّا وحاولت استغلالها لتعظيم مكاسبها وتعزيز نفوذها.

 

جماعة الإخوان بنت شبكة منظمات وجمعيات وارتبطت بالأحزاب السياسية داخل المجتمع الفرنسي، مستغلة الأعداد الكبيرة للجاليات المسلمة

 

وكشفت التقارير أنّ مؤيدي الإسلام السياسي يسعون حالياً للسيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل إنشاء دولة الخلافة، ويغذّون في بعض المدن نزعة انفصالية خطيرة.

وتشير دراسة المركز الأوروبي، إلى أنّ جماعة الإخوان استطاعت أن تكون مألوفة في المشهد الإعلامي الفرنسي، ونجح بعض قياداتها في تكوين علاقات قوية مع بعض رجال السلطة وقادة الرأي والصحافيين، الذين خُدعوا بالإخوان، وتهيأ لهم أنّهم مثال جيد للإسلام، فقد شذّبوا لحاهم، وارتدوا ملابس عصرية وأنيقة تختلف عن تلك النمطية التي يُعرف بها المتشددون من المسلمين، وتبقى جماعة الإخوان معادية دائماً للديمقراطية، حتى لو كان بإمكانهم أحياناً استغلال العمليات الانتخابية كأداة، عندما يأملون جني بعض الفوائد منها، وعلى الرغم من أنّ ممثليها يدّعون عكس ذلك، فإنّ الحقائق الموجودة تظهر أنّ إيديولوجيتهم تمثل عدواً معلناً للقيم العالمية.

لقد استغل الإخوان في فرنسا الجمعيات المناهضة للعنصرية، واخترقوا المجالس البلدية، ووصلوا إلى المسؤولين المنتخبين والأكاديميين والصحفيين باتباع استراتيجية اللعبة المزدوجة التي تتصف بالكذب، بالإضافة إلى أنّهم طوّروا اقتصادات قوية بنشرهم لسوق الحلال الذي يلاقي رواجاً من كلّ المسلمين في فرنسا.

أمّا عن علاقة الإخوان بالأحزاب، فقد حاز حزب البيئة أو "الخضر" على فوز وصف بأنّه التاريخي في الانتخابات البلدية الفرنسية لعام 2020 التي عُقدت في حزيران (يونيو) 2020، ومنذ ذلك النجاح انتشرت تحليلات سياسية مختلفة، ومنها نظريات تربط بين هذا النجاح وصعود الإسلام السياسي في فرنسا.

 

الجماعة استخدمت المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية والمساجد وغيرها من المؤسسات بهدف الترويج لأفكارها المتطرفة

 

أمّا عن الحزب الشيوعي الفرنسي، وحزب فرنسا الأبية، فهناك جمعيات إخوانية لها علاقات وطيدة مع الحزبين، ومنها جمعية "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، التي تمّ حلها عام 2020، وحركة "معاداة العنصرية، ومن أجل الصداقة بين الشعوب" و"جامعة حقوق الإنسان"، كما أنّها تتدخل دائماً بصفتها جمعيات تناضل ضد التمييز العنصري في سير كلّ القضايا المتعلقة بهذا الشأن المرفوعة أمام المحاكم الفرنسية، هذه الجمعيات تنتفض لمجرد الخوض في بعض المسائل المتعلقة بالدين الإسلامي، وتعتبر أيّ محاولة نقد لتصرفات بعض المسلمين والجماعات الإسلاموية نوعاً من العداء إزاء الإسلام والمسلمين، كما أنّها لم تتوقف عن نشر طرحٍ مفاده أنّ الربط بين الإرهاب والحركات الإسلاموية هو نوع من التجنّي على المسلمين كافة.

أمّا حزب اليسار الإسلامي، فهو يعكس التعاون القائم بين أجنحة من اليسار الراديكالي وجماعات الإسلام السياسي، وهو مطروح أكاديمياً منذ ما يقرب من (20) عاماً عبر الفيلسوف والمؤرخ بيير أندريه تاجيف، الذي رصد تحالفات عسكرية وسياسية بين اليساريين وجماعات الإسلام السياسي، على اختلاف انتماءاتها، بدءاً بالإخوان، مروراً بالسلفيين، وانتهاء بالجهاديين. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نيسان (أبريل) 2022، يأتي الجدل حول اليسار الإسلامي في فترة مشحونة سياسياً، بحسب الدراسة.

وتضمّ فرنسا أكثر من (250) جمعية إسلامية على كامل أراضيها، منها (51) جمعية تعمل لصالح الإخوان، بالإضافة إلى التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا، وجمعية الإيمان والممارسة، ومركز الدراسات والبحوث حول الإسلام، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ومعهد ابن سينا لتخريج الأئمة، وهذه الجمعيات تمارس نشاطاً سياسياً، وتعمل لصالح الجماعات المطرفة.

 

الأجهزة الاستخباراتية كشفت عن وجود رابط بين جماعة الإخوان وبعض الأحزاب السياسية في فرنسا مبنية على المصالح السياسية

 

ويُعتبر اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا مقرّباً من الإخوان، وينظم سنوياً ملتقى مسلمي فرنسا، ويُعدّ منصة سياسية لبعض الجماعات السياسية، وخاصةً جماعة الإخوان.

أمّا جميعة FEMYSO الفرنسية، فقد تمّ إنشاؤها في عام 1996، وشاركت في مبادرات من المفوضية الأوروبية ومجلس أوروبا لعدة أعوام، وتلقت (3) منح بين عامي 2010 و2016، وفقاً لتقرير صادر عن المفوضية في عام 2017.

وأكّد وزير الدولة الفرنسي لشؤون أوروبا، كليمان بون، أنّها جمعية تابعة لجماعة الإخوان وتخدم مصالحها السياسية.

ووفقاً لمجلة "ماريان" الفرنسية، تضمّ الجمعية (32) منظمة لديها، وقد وصف العديد من الباحثين الجمعية بأنّها فرع تابع لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (UOIE) ، وهو الاتحاد المعروف بصلته القوية بجماعة الإخوان المسلمين، ويمثل التيار الأصولي للإسلام في أوروبا.

 

الجماعة على علاقة بحزب البيئة أو "الخضر"، والحزب الشيوعي الفرنسي، وحزب فرنسا الأبية، بالإضافة إلى حزب اليسار الإسلامي

 

 أمّا عن أبرز قيادات الإخوان في فرنسا؛ فهم: عبد الحكيم صفريوي، وأحمد جاب الله، ومحمد حنيش، بالإضافة إلى أحفاد "حسن البنا"، مؤسس جماعة الإخوان، هاني رمضان، وطارق رمضان المتهم بالعديد من قضايا التحرش والاغتصاب، وأخيراً جواد بشارة، وهو رئيس "التجمّع المناهض للإسلاموفوبيا"، ويضمّ في صفوفه أشخاصاً يتراوح عددهم بين (2000- 2500).  

وترفض السلطات الفرنسية استغلال الإسلام لأيّ أغراض سياسية، إلّا أنّه ما زالت مجموعة كبيرة من السياسيين وقادة الرأي تجمعها مصالح مشتركة بجماعة الإخوان وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تمثل خطراً كبيراً على المجتمع الفرنسي. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية