ثورة النساء في إيران تتحدى آلة القمع الأمنيّة

ثورة النساء في إيران تتحدى آلة القمع الأمنيّة

ثورة النساء في إيران تتحدى آلة القمع الأمنيّة


10/10/2022

بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات المتتالية، إثر مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني، على يد عناصر من شرطة الآداب في العاصمة طهران، لم تظهر بعد أيّ مؤشرات أو بوادر على التهدئة، حيث ما زالت تنطلق المسيرات الاحتجاجية الغاضبة في مدن كردستان وباقي أنحاء البلاد.

الاحتجاجات غير المسبوقة من حيث الكم والكيف، شارك فيها إيرانيون من خلفيات عرقية وإقليمية مختلفة، في تحد لتهديدات الحكومة ووحشية آلتها القمعية، وهي احتجاجات تختلف بشكل كبير عن الاحتجاجات السابقة التي هزت البلاد من قبل.

حاولت السلطات سحق المظاهرات بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، ما أدّى إلى مقتل العشرات، وربما أكثر من ذلك بكثير، لكن الحركة الاحتجاجية مستمرة وفق إستراتيجية جديدة، تعتمد على انتقال مجموعات صغيرة من المتظاهرين من مكان إلى آخر، مع نصب حواجز مؤقتة، وسط هتافات مدوية تنادي بـ"الموت للدكتاتور".

إضراب الطلاب

بدأ الطلاب في العديد من الجامعات الإيرانية الدخول في إضراب عام، كما قاموا بالدخول في اعتصامات متعددة، تمّ تفريقها بالعنف، وانتشرت أعمال العصيان المدني في المدارس الثانوية، حيث خلعت آلاف الفتيات، بتحدٍ، الحجاب الإلزامي، وأظهرت مقاطع فيديو تلميذات يستبدلن صور المرشد الأعلى، علي خامنئي، في فصولهن الدراسية، بشعار الحركة الاحتجاجية: امرأة، حياة، حرية.

 الشابة الإيرانية مهسا أميني

وتكمن قوة الاحتجاجات، بحسب مراقبين، في أنّها غير منظمة وبلا قيادة، ما يعني أنّها تعبير شعبي تلقائي عن السخط، يقوم به جيل يشارك لأول مرة في فاعليات المعارضة السياسيّة، مع انخراط أعداد هائلة من الشابات ضمن حركة هي الأضخم منذ احتجاجات الحركة الخضراء، التي فجرها المرشح الرئاسي حسين موسوي، العام 2009.

بدأ الطلاب في العديد من الجامعات الإيرانية في إضراب عام، كما قاموا في اعتصامات متعددة، تمّ تفريقها بالعنف، وانتشرت أعمال العصيان المدني في المدارس الثانوية

 

وبحسب شبكة "سي إن إن"، تشير بعض التقارير إلى مقتل أكثر من 130 شخصاً، لكن من المحتمل أن يكون الرقم أكبر من ذلك بكثير، ففي مدينة زاهدان وحدها، قُتل أكثر من 80 شخصاً في يوم واحد. بينما أشارت منظمة العفو الدولية، إلى مقتل 66 شخصاً في زاهدان، إلى جانب وفيات أخرى سُجلت في أماكن متفرقة. كما قامت قوات الأمن الإيرانية بإطلاق النار على طلاب جامعة طهران، واحتجزت عدداً كبيراً منهم، كما يقول شهود.

النساء ضحايا العنف الأمني

قالت شبكة "سي إن إن"، إنّ فتاة عمرها 20 عاماً، تسمّى هادس نجفي، قُتلت في الاحتجاجات بعد إصابتها بست رصاصات، بحسب عائلتها، بعد أن سجلت مقطع فيديو تعلن فيه اشتراكها في الاحتجاجات قائلة: "آمل في غضون بضع سنوات أن تنتصر الثورة، عندما أنظر إلى الوراء سأكون سعيدة؛ لأنّ كل شيء قد تغير للأفضل". كما قُتلت الشابة نيكا شاهكرامي، برصاصات الشرطة الإيرانية، وعُثر على جثتها في مشرحة بأحد مراكز الاحتجاز، بعد عشرة أيام من اختفائها، عقب قيامها بحرق حجابها، ونشر ذلك في مقطع على موقع إنستغرام، وكانت الضحية البالغة من العمر سبعة عشر عاماً قد اتصلت بصديقة، وأخبرتها بمطاردة قوات الأمن لها في الشارع، وقالت خالتها لشبكة "بي بي سي"، إنّ رأس شاهكرامي بدا محطماً، بينما زعمت الحكومة أنّ الأخيرة ماتت بعد سقوطها من فوق سطح منزل، وتمّ دفنها سراً؛ لتجنب اندلاع احتجاجات جديدة.

وعلى الرغم من مقتل عدد من الفتايات، تتواصل حركتهن الاحتجاجية، غير مباليات بالقمع المفرط، وقد أظهر مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع، على وسائل التواصل الاجتماعي، تلميذات في طهران يضحكن وهن يطأن صورة لـ "الخميني"، وخليفته "خامنئي"، وفي تغريدات متعددة، تم تصوير فتيات أخريات من الخلف، لإخفاء هوياتهن، وهن يسخرن منهما.

 في مقطع فيديو آخر من مدينة كرج، يظهر فرار مسؤول كبير في وزارة التعليم، أمام ثورة فتيات إحدى المدارس، وقد خلعن حجابهن، قبل أن يلقين عليه زجاجات المياه الفارغة أثناء فراره عبر بوابات المدرسة. وفي أصفهان رفعت ثلاث شابات لوحة بحجم كبير فوق جسر على الطريق السريع، لامرأة ذات شعر أسود طويل، وفي شمال غرب سنندج وجنوب شيراز، نزلت الشابات في الشوارع، ليرددن شعارات مناهضة للحكومة وقمن بخلع الحجاب.

تكمن قوة الاحتجاجات، بحسب مراقبين، في أنّها غير منظمة وبلا قيادة، ما يعني أنّها تعبير شعبي تلقائي عن السخط، يقوم به جيل يشارك لأول مرة في فاعليات المعارضة السياسيّة

 

تعتقد الفنانة والناشطة الإيرانية في مجال حقوق المرأة، شهرزاد تشانغالفاي، أنّ الاحتجاجات الحالية ليست ثورة اجتماعية وسياسية فحسب، بل ثورة نسوية أيضاً. مؤكدة أنّ مهسا أميني أصبحت رمزاً لـ 43 عاماً من القمع في ظل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، لافتة إلى أنّ ما يجري يطرح جميع الجوانب الأبوية، في قيم المجتمع الإسلامي التقليدي المهيمنة منذ عقود.

وتقول شهرزاد، في تصريحات صحفيّة، إنّ الحركة النسوية الإيرانية كانت فيما مضى مقتصرة على الطبقات المتوسطة والعليا في إيران، لكنّ الاحتجاجات التي تجري حالياً، انتقلت بها أفقياً عبر الطبقات متعددة. مضيفة: "الآن أصبحت النساء اللواتي يواجهن السلطة، كتلة واحدة من نساء القرية، ونساء المدن الصغيرة؛ لذلك هناك وعي بأنّ الجميع الآن ينضمون إلى حراك هائل".

ويمكن القول إنّ الثورة الحالية في إيران، لا تعبر فقط عن الاحتجاج على مقتل أميني، أو عن الاعتراض على هوس الدولة وانشغالها بالحجاب، في أماكن العمل والجامعات وفي الشوارع، لكنّها ثوررة من أجل الحريات المدنية، بعد أكثر من أربعة عقود من هيمنة التيار الراديكالي على جميع جوانب الحياة الاجتماعية في إيران، بالتزامن مع وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة، بوصفه أحد أبرز قيادات التيار المحافظ.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية