"تيار التغيير" والإخوان... مراجعات نحو مزيد من العنف

"تيار التغيير" والإخوان... مراجعات نحو مزيد من العنف

"تيار التغيير" والإخوان... مراجعات نحو مزيد من العنف


01/05/2025

عاد تنظيم "حسم" ـ الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين بمصر- إلى الواجهة مرة أخرى مع الأحداث التي شهدها الأردن مؤخرًا وإفشال مخطط الإخوان لنشر الفوضى في البلاد، وقد انتهت المواجهة بتفعيل قرار حظر الجماعة في الأردن؛ ولاحقًا أصدر تيار التغيير أحد أجنحة جماعة الإخوان في مصر ـ الجناح المسؤول عن تنظيم "حسم" ـ بيانًا دعا فيه إخوان الأردن إلى المواجهة المسلحة مع الدولة.

تنظيم "حسم" ـ سواعد مصر ـ أو تنظيم لواء الثورة، ومن قبلهما تنظيمات: كتائب الشرعية، وكتيبة الإعدام، والمقاومة الشعبية، جميعها مسمّيات للنظام الخاص، الجناح المسلح لجماعة الإخوان؛ فتعدد الأسماء عائد إلى التزام العمل السرّي والتغطية على تحركات أعضاء اللجان النوعية، فترة من التخفي ودّعها جناح تيار التغيير مؤخرًا بعد تدشين مشروع "ميدان" تحت إدارة عضو الجماعة رضا فهمي وعضوية يحيى موسى وأحمد فريد مولانا ومحمد إلهامي، لتخرج الجماعة بخطاب ثوري يتحدث عن ضرورة العمل الثوري بكل متطلباته، ومنها المواجهة المسلحة،  في سبيل تغيير الأنظمة في الدولة العربية. وأطلق مشروع "ميدان" لذلك مجموعة من اللقاءات المصورة "بودكاست" مع أعضاء المكتب السياسي لحركة ميدان شرحوا خلالها آليات التغيير والمحاور الفكرية والحركية المتبعة في المرحلة المقبلة. ويشبه الطلاق مع فكرة الكمون والتشرنق أحد أهم أدبيات العمل الحركي داخل تنظيمات الحركة الإسلامية عمومًا، والمسألة التي انتهت بميدان لنشر خطط العمل واستراتيجية التنفيذ إلى جانب كتاب من تأليف عضو المكتب السياسي للحركة محمد إلهامي بعنوان "سبيل الرشاد، معالم طريق التحرر الإسلامي"، تضمن خطة العمل والتأصيل الشرعي وصولًا إلى مرحلة التنفيذ ثم الانتصار، وبين صفحات الكتاب ذكر إلهامي صراحة أنّه لا مانع من التماهي مع فكرة الحرية والعمل تحت لوائها إلى جوار التيارات غير الإسلامية حتى نصل إلى الهدف المنشود، ثم بعد الانتصار نطبق ما نراه الأصلح والمتفق مع فكر الإخوان.

عضو المكتب السياسي لحركة ميدان: محمد إلهامي

"ميدان" وفتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

بحسب مقال منشور لرئيس مجلس إدارة "ميدان"، رضا فهمي، فقد ظهر المشروع للمرة الأولى عام 2019، وضمّ في رحابه أعضاء من الإخوان والسلفيين وحركة حازمون وحزب مصر القوية. وقدّم القائمون على ميدان مؤتمرهم الأول عام 2021 تحت عنوان مؤتمر شباب التغيير، الذي تمخض عنه آليات العمل في المرحلة المقبلة، وأدوات التنفيذ، وكان من بينها إطلاق تنسيقية شباب التغيير.

وفي 25 كانون الثاني (يناير) 2024 في الذكرى الـ (13) لثورة (يناير) أطلقت قناة ميدان على منصة "يوتيوب". واستمر اطلاق الفيديوهات عبر قناة المشروع على منصة "يوتيوب" دون إحداث أيّ أثر يُذكر، حتى تغيرت الأوضاع في سوريا، فنشط القائمون على المشروع مرة أخرى، وكانت ذروة النشاط مع إطلاق فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التي دعت إلى وجوب الجهاد في غزة، وإلى عدم الانصياع للحاكم الذي يرفض الجهاد؛ وأطلق القائمون على ميدان شريطًا مصورًا في 18 نيسان (أبريل) 2025 تحت عنوان "الطريق إلى القاهرة... تدشين مشروع ميدان السياسي ـ علشان بكرة"، قدّموا فيه أنفسهم تحت مُسمّى أعضاء المكتب السياسي لحركة ميدان، وأذاعوا تصورًا للتغيير يعتمد على إحداث الفوضى والانتفاضة الشعبية بدعم تحركات ثورية مسلحة مع محاولة تجنيد بعض العناصر في المؤسسات الأمنية. وعلى الرغم من الاسم الجديد وحداثة الإطلاق مع تغيير بعض المسميات، فقد ظهر جليًا أنّ ميدان مجرد مُسمّى آخر لجماعة الإخوان المسلمين ـ تيار التغيير، الجناح الثالث داخل التنظيم بعد الانشققات التي زلزلت الجماعة مثمرةً (3) كيانات تدّعي كل واحدة منها أنّها القائمة بأعمال المرشد: الجناح الأول هو جناح لندن، والمسؤول عنه حاليًا صلاح عبد الحق، بعد رحيل نائب المرشد إبراهيم منير، الجناح الثاني جناح إسطنبول، والمسؤول عنه الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين، والثالث جناح الكماليون المعروف بـ "تيار التغيير"، وهم المجموعة التي كلفها التنظيم بإدارة الجماعة بعد أزمة سقوط الإخوان في مصر حزيران (يونيو) 2013. لاحقًا رفضت تلك المجموعة التخلي عن إدارة التنظيم، واشتبكت مع بقية القيادات التاريخية في سجالات ونقاشات هزت التنظيم وانتهت بمقتل مسؤول تلك المجموعة عضو  مكتب الإرشاد محمد كمال في مواجهة مع الشرطة المصرية، المسألة التي اعتبرها أنصار كمال خيانة من التنظيم الأم، ووضعوا على عاتق القيادات التاريخية مسؤولية وصول الأجهزة الأمنية في القاهرة إلى مقر اختباء محمد كمال.

السلمية المبدعة والتأسيس الثالث للتنظيم

في عهد كمال تخلى تنظيم الإخوان عن السلمية المزعومة، وتحدثت تنظيماته المسلحة عن السلمية المبدعة، والتي وصفها عضو الجبهة السفلية أحمد فريد مولانا في بحث منشور بمنصة المعهد المصري للدراسات في إسطنبول عام 2017 قائلاً: "كل ما دون الرصاص فهو سلمي"، ثم تخلت الجماعة لاحقاً عن التحفظ على مسألة الرصاص مع إطلاق تنظيمات سواعد مصر ـ حسم، ولواء الثورة.

في عهد كمال تخلى الإخوان عن السلمية المزعومة، وتحدثت تنظيماته المسلحة عن السلمية المبدعة.

رحل كمال (شهيداً) كما يصفه شباب الإخوان، لدرجة أنّهم اعتبروه حجر الزاوية في التأسيس الثالث للجماعة، وانشقوا عن بقية التنظيم بعد أن وصفوهم بالقيادات التاريخية (العواجيز)، ثم أسسوا لاحقاً تيار التغيير ـ المكتب العام، وباتوا رقمًا صعبًا في محاولات العودة من جديد إلى الشكل المعروف للجماعة ما قبل عام 2011، ذلك التيار السياسي المعارض الذي يبحث عن مكانه من خلال صندوق الانتخابات، بعد أن كشف اللثام عن الرغبة المختبئة خلف قناع التيار الفكري؛ الثورة الإسلاموية المسلحة. 

تحولات أنتجت (3) أجنحة للجماعة يدّعي كلّ جناح منها المسؤولية، بيد أنّها خرجت من الرحم نفسه، المعروف في أدبيات الإخوان بـ "النظام الخاص" الذي سيطر على التنظيم منذ ولاية المرشد الخامس للجماعة مصطفى مشهور (1921 ـ 2002). تلك التحولات أحدثتها مواجهة هي الكبرى مع النظام منذ الخمسينيات والصدام مع نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ويشير الباحثان ناثان براون وميشيل دن في دراسة لهما بعنوان: "جماعة الإخوان المسلمين في مصر: ضغوط غير مسبوقة ومسار مجهول"، منشورة بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، وتحت عنوان "تنظيم متجدد ولكنّه مختلف"، "... من الواضح أنّ جماعة الإخوان تمرّ الآن بمرحلة تحوّل صعبة وذات آثار بعيدة المدى، كتلك التي مرّت بها في أعقاب اشتباكها مع النظام في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. كما أنّ التحوّلات الجارية في الجماعة واضحة هي الأخرى، فقد أصبح التنظيم أقلّ هرميّة وأقلّ تركيزًا على الجدوى التنظيمية الخاصة به، وأقلّ إصرارًا على تمييز نفسه عن الجماعات الإسلامية والثورية الأخرى. حصيلة هذه التغيّرات تجعل الحركة مختلفة عمّا كانت عليه في الماضي القريب. وكما لاحظ بعض المراقبين فإنّ جماعة الإخوان المسلمين التي لم تعد هرميّة ومنضبطة وحذرة وجامدة، ليست ببساطة الجماعة التي كانت موجودة سابقًا".

حديث براون ودن يشير إلى أننا أمام نظام خاص جديد غير الذي عرفته الجماعة منذ المؤسس حسن البنا؛ نظام مسلح مؤمن بالعمل الثوري وليس مجرد التغيير التدريجي، يسعى من خلاله شباب الجماعة بعد التحلل من التدرج الهرمي والصرامة التنظيمية إلى تكوين تشكيلات ثورية تنتظر اللحظة الحاسمة التي ينتفض فيها الشعب للانقضاض على السلطة. وهي المسألة التي أوردها مشروع ميدان في بيان تأسيسه، موضحين أنّ الثورة المصرية أخطأت عندما لم تتخذ قرارت ثورية، وأنّ ذلك الخطأ لن يتكرر مع الانتفاضة الشعبية المقبلة. ويشير يحيى موسى في حديثه عن الثورة التي يسعى إليها مشروع ميدان إلى أنّهم سيتخذون قرارات ثورية، وأنّ الثورة عندما تنجح سوف يُعيَّن لها مجلس رئاسي مدني لمدة (4) أعوام قابلة للزيادة، قبل أن يعمل الثوار على إجراء انتخابات وتسليم السلطة.

مؤسس جماعة الإخوان المسلمين: حسن البنا

شبح الجماعة الإسلامية حاضر في "ميدان"

يكرر يحيى موسى في حديثه مصطلح حتمية التغيير، في إشارة إلى أنّ الثورة المصرية لم تستكمل بعد، وأننا ما نزال نعيش موجات ثورية نستكمل من خلالها ما بدأه الشباب عام 2011، ويوضح موسى أنّ تلك الفرضية وصل إليها أعضاء المكتب السياسي للمشروع بعد نقد ذاتي ومناقشات في محاولة لاستيعاب كيف فشلت تجربة الإخوان في مصر سريعًا، وخرج موسى ورفاقه بنتيجة واحدة، هي أنّ الجماعة لم تكن ثورية في قراراتها بعد سقوط النظام، وأنّهم اكتفوا فقط بتبديل نظام جديد مكان القديم دون هدم أسس النظام البائد.

وصل موسى ورفاقه إلى فرضية أخرى قوامها أنّ التغيير، وإن كان حتميًا، فإنّه يحتاج إلى (3) مرتكزات مهمّة: الأولى وجوب قيام انتفاضة شعبية، والثانية تحركات ثورية تحمي تلك الانتفاضة وتحمي مكتسبات الثورة وقد تصل إلى المواجهة العنيفة مع النظام، والثالثة السعي إلى تحييد المؤسسات الأمنية من خلال استمالة من يتفقون مع الإخوان في أفكارهم.

تلك الخلاصة التي وصل إليها موسى ورفاقه ليست بعيدة عن النتائج التي وصل إليها أعضاء الجماعة الإسلامية بعد سجن أغلب قادتهم على خلفية اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات؛ فكان أول ما نشروه وهم في السجن كتاب "حتمية المواجهة"، واستخلصوا من أسباب الهزيمة أنّهم لم يعملوا على تحريك الشارع في انتفاضة شعبية تسقط النظام يحميها عمل مسلح من عناصر الجماعة. لاحقًا فككت الأجهزة الأمنية في مصر المشروع الأضخم للجماعات الإسلامية في مصر الساعي إلى تدريب المئات من العناصر في معسكرات تأسست خصيصًا لذلك في أفغانستان، ثم إعادتهم إلى مصر دون تنفيذ أيّ عمليات نوعية حتى تحين لحظة الانتفاضة الشعبية.

حديث موسى أيضًا عن مشروع الحركة الطلابية وأهميته في مسألة حتمية التغيير غير بعيد عن الجماعة الإسلامية التي بدأت في شكل أسر طلابية داخل الجامعات المصرية تحت مُسمّى الجمعية الدينية، قبل أن يستقر الطلاب على اسم الجماعة الإسلامية، طبقًا لما ذكر عبد المنعم أبو الفتوح في مذكراته "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية".

يفسر ذلك التقارب وجود عضوين من الجبهة السلفية في المكتب السياسي لـ "ميدان"، الأول أحمد فريد مولانا والثاني محمد إلهامي، والأخير سطر الكتاب الأهم الذي يحمل التأصيل الشرعي والفكري لمشروع ميدان، "سبيل الرشاد ـ معالم طريق التحرر الإسلامي". وقدّم مشروع ميدان قراءة للكتاب من خلال "بودكاست" بمشاركة إلهامي نفسه شرح خلاله محاور الكتاب.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية