تونس: هل تطيح التظاهرات الشعبية الأخيرة بحكومة المشيشي؟

تونس: هل تطيح التظاهرات الشعبية الأخيرة بحكومة المشيشي؟


14/06/2021

على مدار شهور احتدمت فيها المواجهة بين الرئيس التونسي قيس سعيد من جهة، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، من جهة أخرى، عجزت أي جهة عن الإطاحة بالأخرى أو فرض سيطرتها، ما أضاف إلى المشهد التونسي المزيد من التعقيدات، قبل أن يقلب مشهد سحل مواطن في الشارع على يد قوات الأمن الموقف لصالح الرئيس التونسي. 

 وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الأربعاء الماضي مقطعاً مصوراً لعدد من رجال الأمن يعتدون بالضرب على شاب تونسي ويجرّدونه من ملابسه كاملة، ويسحلونه في الشارع على مرأى ومسمع من المارة، وذلك خلال فضّ تظاهرة في منطقة سيدي حسين السيجومي، وهي إحدى ضواحي العاصمة. 

 وقد مثل المقطع صدمة للمجتمع التونسي الذي لم يجنِ حتى الآن مكاسب الثورة، وسط أزمات اقتصادية وسياسية متتالية، وجاء المقطع الأخير ليقضي على مكسبه الوحيد المتمثل في اعتقاد تغير فلسفة الأمن والحريات في البلاد. 

 ووضع المقطع الحكومة التونسية في موقف حرج، ولم تنجح محاولات المشيشي في التبرؤ من الفعل وإحالة المتورطين إلى التحقيق في تهدئة الشارع، بل على العكس تتواصل التظاهرات مطالبة بإسقاط حكومة المشيشي. 

وبعدما كانت الحكومة تواجه تظاهرات بين الحين والآخر للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية وصعوبة المعيشة وغياب السلع والخدمات، تحولت التظاهرات إلى التنديد بالقبضة الأمنية للحكومة، وبالمشهد الذي رأى البعض أنه عرّى تونس كلها وليس الشاب فقط.

بعدما كانت الحكومة تواجه تظاهرات بين الحين والآخر للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية وصعوبة المعيشة وغياب السلع والخدمات، تحولت التظاهرات إلى التنديد بالقبضة الأمنية للحكومة

وخلال يومي السبت والأحد، تواصلت التظاهرات للتنديد بالواقعة، وأفاد موقع "موزاييك" التونسي أنّ مجموعات من الشبان عمدت إلى إغلاق عدد من الطرقات بقلب مدينة سيدي حسين بالعجلات المطاطية المحروقة وحاويات الفضلات، ورشق أعوان الأمن بالحجارة ومختلف أنواع المقذوفات الصلبة، ومن جانبها ردت الوحدات الأمنية بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، وتسعى إلى إعادة فتح عدد من الطرقات المغلقة.

 ولا يتوقف الأمر على تظاهرات شبان غاضبين، فقد أعلن اتحاد الشغل العام في تونس الجمعة الماضي أنه يدرس في الأيام المقبلة التصعيد وصولاً إلى الإضراب، اعتراضاً على المشهد المهين. 

اقرأ أيضاً: تظاهرة في تونس تندد بانتهاكات الشرطة... تفاصيل

 وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري، في تصريحات صحفية الجمعة: إنّ الهيئة الإدارية للمنظمة ستعقد الأربعاء القادم اجتماعاً حاسماً لدراسة الوضع العام بالبلاد واتخاذ الإجراءات الضرورية، مشدداً على "أنّ كل الاحتمالات ممكنة بخصوص التحركات النضالية، بما في ذلك الإضرابات العامة"، على حدّ قوله.

 وفيما تعمّق تصرفات قوات الأمن من الفجوة بين الحكومة والشارع، جاء رد فعل الرئيس التونسي ليدعم موقفه، ويرفع رصيده مقابل الحكومة وحلفائها، وفي مقدمتهم حركة النهضة الإخوانية. 

 وعقب الواقعة استدعى الرئيس التونسي كلاً من رئيس الحكومة ووزيرة العدل لتأنيبهما على ما آل إليه المشهد التونسي، علماً أنّ المشيشي إلى جانب رئاسته للحكومة يتولى حقيبة الداخلية بالإنابة في ظل فراغ الوزارة، إذ تُعدّ الوزارة إحدى 11 وزارة اشتعلت بسببها الأزمة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة.

 وكان رئيس الحكومة التونسية قد أجرى في كانون الثاني (يناير) الماضي تعديلاً وزارياً شمل 11 وزارة، لكنّ الرئيس التونسي رفض استقبال الوزراء الجدد لحلف اليمين، في ظل شبهات فساد تحوم حول بعضهم، علماً أنّ التعديل كان هدفه بحسب مراقبين تنحية الوزراء المقرّبين من قصر قرطاج. 

 

شدّد رئيس الجمهورية على أنّ التجاوزات المسجّلة معزولة وفردية، مذكّراً بأنّه ليس هناك علاقة عداء بين الأمن والشعب، وبأنه لا بدّ من معاملة الجميع على قدم المساواة 

 

واستغلّ الرئيس التونسي الواقعة، ودعم سخطه على الحكومة وتحالفها مع حركة النهضة الإخوانية بسخط الشارع. 

وأشار الرئيس في كلمة شديدة اللهجة إلى ذلك التحالف بالحديث عن "اللوبيات" التي تدير تونس في الخفاء، وعلمه ورفضه الشديد لتلك التحركات، وتطرّق إلى الفساد، واتهم الحكومة على نحو غير مباشر بحماية الفساد، حين لفت إلى عدم تحريك مطالب إلى البرلمان برفع الثقة عن 15 نائباً، رغم ارتكابهم مخالفات وبعضهم ضُبط متلبساً.

 وكانت أزمة جديدة قد انفجرت بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة عقب إقبال الأول على إقالة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتعيين آخر، وهو ما رفضه الرئيس سعيد، ووصفه بتدعيم للفساد، قبل أن يقرّر مجلس القضاء منع تعيين القضاة في مناصب ذات صلة بالسياسة. 

اقرأ أيضاً: الفوضى تعصف بالمشهد التونسي.. ماذا بعد حركة النهضة؟

 ثم تطرق حديث الرئيس إلى سحل المواطن، وهي الواقعة الأخيرة، معرباً عن استيائه الشديد بسبب تلك الحادثة، ثم اختتم حديثه بتوجيه رسالة إلى الغنوشي والمشيشي على حد سواء، قائلاً: من يظن أنه لكونه رئيس مؤسسة أصبح رئيساً للدولة فهو واهم. 

 وكانت الجلسة أقرب إلى المحاكمة، وبدا ذلك من كل حركة وكلمة فيها، بداية من جلسة الرئيس على رأس المكتب واستقبال رئيس الحكومة ووزيرة العدل أمامه، وتفنيد اللوم والانتقادات شديدة اللهجة، وقد ظلّ رئيس الحكومة صامتاً يكتم غيظه خلف كمامته. 

 ولم تتوقف تحركات الرئيس عند ذلك، فعندما كان المتظاهرون في الشارع يعربون عن رفضهم ممارسات الأمن، زار الرئيس التونسي منطقة الأمن الوطني بسيدي حسين السيجومي، وهو الحي ذاته الذي شهد الانتهاكات.

 وبحسب بيان للرئاسة التونسية، فإنّ رئيس الدولة اطلع على تطوّر الأحداث التي جدّت في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وعبّر عن شعوره العميق بالاستياء ممّا حصل من تجاوزات، وأكّد على ضرورة تحقيق المعادلة بين الحرّية والأمن، بأن تواصل المؤسسة الأمنية السهر على الاضطلاع بمسؤولياتها في حماية الممتلكات العامة والخاصة والتصدّي للجريمة، مع الاحترام التام للمواطنين وصون كرامتهم الإنسانية وحقوقهم وضمان ممارستهم لحرّياتهم.

 وشدّد رئيس الجمهورية على أنّ التجاوزات المسجّلة معزولة وفردية، مذكّراً بأنّه ليس هناك علاقة عداء بين الأمن والشعب، وبأنه لا بدّ من معاملة الجميع على قدم المساواة بدون استثناء، مع تحمّل كلّ شخص مسؤولية أفعاله.

وقام رئيس الدولة إثر ذلك بجولة تفقّدية بمنطقة سيدي حسين السيجومي، والتقى بعدد من السكّان، واطّلع على مشاغلهم واقتراحاتهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية