تونس: جمعية القضاة الشبان.. الذراع الخفية لحركة النهضة الإخوانية

تونس: جمعية القضاة الشبان.. الذراع الخفية لحركة النهضة الإخوانية


13/02/2022

خطوة جديدة في مسار مواجهة حركة النهضة، وفض هيمنتها على مفاصل الدولة، اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، بحل المجلس الأعلى للقضاء؛ كإجراء إضافي، بعدما جمّد البرلمان، وأقال الحكومة المنبثقة عنه، من أجل تدعيم  مسار الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الماضي.

غير مرة، صرّح الرئيس التونسي بضرورة النظر في وضعية الجهاز القضائي، وحتمية العمل على إصلاحه من الداخل، عبر انتقادات متكررة لمرفق العدالة في البلاد، معتبراً أنّه "مُسيّس، ويخدم أطرافاً معينة، بعيداً عن الصالح العام". كما أكّد أنّ العدالة تعمل ببطء، في قضايا فساد "بقيت على الرفوف لسنوات طويلة".

فساد القضاء يقوض مسار الإصلاح

إلى ذلك، وبعد جملة من الانتقادات التي وجهها الرئيس سعيّد إلى المرفق القضائي، وكذا تجميد المنح المالية المسندة لأعضائه، في السابع عشر من  شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن الرئيس التونسي خلال  كلمة له، داخل مقر وزارة الداخلية، الأحد الماضي، أنّ "المجلس الأعلى للقضاء؛ أصبح في عداد الماضي".

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يطوي صفحة سيطرة الإخوان على القضاء

في إطار ذلك، ينبغي قراءة ما جرى على النحو الذي يبين أنّ ثمة تمهيداً وحرثاً واجباً، للفضاء السياسي في تونس، وفق خطوات تالية مرتبة في ذهنية الرئيس قيس سعيّد، من خلال تصفية مؤسسات ما قبل 25 تموز (يوليو)؛ والتي كانت تعمل لحساب حركة النهضة، ومرتكزات التمكين الخاصّة بها، وبالتالي تضحى خطوات سعيّد نحو خلع النهضة سياسياً، واجتثاث مفاعيل قوتها أمراً واقعياً، يسمح له بوضع تصوراته قيد التنفيذ، خاصّة ما يتعلق بوضع دستور جديد للبلاد.

الأكاديمي التونسي الدكتور الصغير الزكراوي، مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق بالجامعة التونسيّة، يرى في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ بداية تضييق الخناق على حركة النهضة، يأتي بسبب اتهامات متعددة، أبرزها الإرهاب، والتدليس، والتمويلات الأجنبية في الحملات الانتخابية. حدث ذلك مع بداية المحاسبة لقياديين بارزين في حركة النهضة، وهما: راشد الغنوشي، ونور الدين البحيري، وستطول المحاسبة قيادات أخرى.

 

الصغير الزكراوي: حركة النهضة اخترقت الجهاز القضائي، وعملت على توظيفه لخدمة أهدافها في تدمير مقومات العيش المشترك

 

الأكاديمي التونسي يرى أنّ حركة النهضة انتهى حضورها في تونس، حيث تم طردها من الحكم، وسيقع حل حزبها في قادم الأيام، سيما مع تدقيق الاتهامات في مخالفات التمويل الأجنبي؛ عبر تفعيل تقرير محكمة المحاسبات؛ الذي دان الحركة من خلال مرسوم الأحزاب الذي يحدد الإجراءات القانونية في تلك الاتهامات، والقضاء يتعهد بحل الأحزاب التي ترتكب جرائم مثل التمويلات الأجنبيّة.

وبالنسبة لقرار حل المجلس الأعلى للقضاء؛ يذهب المصدر ذاته أنّ هناك أكثر من سبب لاتخاذ هذا القرار من قبل رئيس الجمهورية، الذي يدرك تماماً أنّ حركة النهضة اخترقت الجهاز القضائي، وعملت على توظيفه لخدمة أهدافها في تدمير مقومات العيش المشترك، وثمة قضاة يعملون يقيناً في خدمة حركة النهضة، واتضح ذلك عند التصويت في بعض الملفات.

اقرأ أيضاً: هل يكشف تطهير القضاء التونسي عن ملفات الجهاز السري لحركة النهضة؟

 ويؤكّد الزكراوي أنّ هذا المجلس تستّر على بعض ملفات الفساد، بما في ذلك ما يختص بمسائل ترتبط بكبار القضاة، وكذا  تستر على ملفات الاغتيالات، والتسفير لبؤر التوتر والإرهاب، واتضح أنّه غير قادر على إصلاح نفسه من الداخل؛ لذلك كان من الضرورة إصلاحه من الخارج بحلّه، والعمل على تعويضه زمنياً؛ بهيئة وقتية، تعمل على تسييره بما يمهد لإصلاحه، في العمل نحو بعث قضاء مستقل في تونس.

دور مشبوه لجمعية القضاة الشبان

من جهته، يرى الأكاديمي التونسي، الدكتور مراد الحاجي، أنّ نوايا حركة النهضة في السيطرة على القضاء كانت جلية وواضحة، منذ العام 2012، عندما تمّ تعيين نور الدين البحيري، وزيراً للعدل، قبل كتابة الدستور الجديد، حيث كانت السلطة القضائية حسب التقاليد السائدة ما قبل الثورة، تحت إمرة وزير العدل، وقد تداعت الأطياف المختلفة إلى المناداة باستقلالية القضاء، في مظاهرات نددت باستحواذ البحيري على القضاء، غير أنّ حركة النهضة أخرجت أنصارها في مظاهرات مضادة، وهو ما يدل على الرغبة في توظيف القضاء.

ويؤكّد مراد الحاجي، في سياق تصريحاته لــ "حفريات"، أنّ ملف اغتيال الشهيدين: شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أحد الأدلة الكبرى على سيطرة النهضة على المرفق القضائي؛ إذ لطالما اشتكت هيئة الدفاع عن الشهيدين من تعطل مسار العدالة، ووجود شبهات لتمييع القضية، وإفساد مسارها، سيما من بعض القضاة المحسوبين على حركة النهضة.

 

اقرأ أيضاً: بعد كشف جرائمها... حركة النهضة تحاول تحريك الشارع التونسي

جاء الدستور بعد ذلك، بحسب المصدر ذاته، ليفرض استقلالية ما للقضاء، وينص على ضرورة استقلالية القضاة، ووجود هيئة قضائية عليا، هي المجلس الأعلى للقضاء، ما يضمن فصلاً بين السلطات، غير أنّ حركة النهضة استطاعت أن تفرض نفوذها على المجلس الأعلى للقضاء؛ في إطار التوافق مع حزب الباجي قايد السبسي، "نداء تونس"، ونظراً للتوازنات التي كانت موجودة في البرلمان، الذي ينتخب عدداً من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، كانت المحاصصة السياسيّة هي السائدة، ووضعت بذلك النهضة يدها على المجلس.

 

مراد الحاجي: رئيس جمعية القضاة الشبان، مراد المسعودي، يشن حملات شعواء على الرئيس، بحكم خلفيته السياسيّة؛ التي دفعته أكثر من مرة نحو التدخل في الشأن السياسي.

 

وبحسب مراد الحاجي، جاء قرار الرئيس قيس سعيّد بحل المجلس الأعلى للقضاء، في إطار مسار 25 تموز (يوليو)، ذلك أنّه لا يمكن القضاء على الفساد، مع وجود قضاء ينخره الفساد والولاءات، وهو أمر لا يخفيه حتى بعض القضاة. خاصّة وأنّ عدداً منهم لديه ملفات فساد كبيرة، ورغم إدانتهم لهم تأخرت الإجراءات ضدهم، ولم تفعل إجراءات مقاومة الفساد، رغم إشارات الرئيس غير مرة إلى الفساد الذي ينخر القضاء. وصار على الساحة نوع من السجال بين رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية، من خلال اتهامات متبادلة. فالرئيس يتهم القضاء بالفساد، والمجلس بعدم مقاومته للفساد، وفي المقابل يتهم رئيس المجلس إلى جانب رئيس جمعية القضاة الشبان، الرئيس بالسعي إلى تسييس القضاء، وضرب استقلاليته.

إلى ذلك يذهب مراد الحاجي إلى أنّ الجميع منخرط، على ما يبدو، في تسييس القضاء؛ فرئيس المجلس الأعلى للقضاء لم يكف عن اتهام الرئيس، والتعبير عن مواقف سياسية تعبر عن ولائه لمن وضعوه في ذلك المنصب، ورئيس جمعية القضاة الشبان، مراد المسعودي، يشن حملات شعواء على الرئيس، بحكم خلفيته السياسية؛ التي دفعته أكثر من مرة نحو التدخل في الشأن السياسي، فقد دخل منذ العام 2017، في ملاسنات مع هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، واتهمها بأنّها هيئة سياسيّة؛ تنشط قبل الانتخابات. وهو ما يعني أنّه أصبح مشاركاً في الصراعات الإيديولوجية على الساحة، وهو اليوم أعلى الأصوات الرافضة لقرار الحل، ويهدد بمقاضاة الرئيس دولياً، زاعماً أنّ ما حصل ثورة مضادة.

 

نادية قيراط: جمعية القضاة الشبان، التي تمثل امتداداً لحركة النهضة، تعمل في إطار تشتيت سلك القضاء، وإبعاده تماماً عن ميزان العدل

 

ويدلل المصدر على تنامي التجاذبات السياسيّة، لافتاً إلى أنّ الفساد الذي ينخر القضاء، لم يثر اهتمام أحد، وإنّما دخل الجميع في مناكفات ومقايضات، خاصّة وأنّ ملفات فساد القضاء طالت محسوبين على النهضة، إلى جانب بعض المحسوبين على تيارات أخرى؛ وهو ما جعل المجلس الأعلى للقضاء معطلاً وعاجزاً. وقد جاء حلّه، لا لوقف هيمنة النهضة فحسب، وإنّما لوقف مداراة الفساد والتغطية عليه. ولعل ما يكشف أنّ اللعبة سياسيّة بامتياز، هو أنّ قرار إضراب القضاء، ساندته جمعية القضاة الشبان، وخاصّة رئيسها الذي تبدو مواقفه منسجمة في حالات كثيرة، مع مقولات بعض زعامات النهضة، وجمعية القضاة التي يعد رموزها من المناهضين لحل البرلمان، ومسار 25 تموز (يوليو). في حين لم تشارك فيه نقابة القضاة، التي تمثل طيفاً مهماً، محسوباً في الغالب على تيارات يسارية.

 

اقرأ أيضاً: تونس: "مواطنون ضدّ الانقلاب".. الباب الخلفي لحركة النهضة الإخوانية

يختتم مراد الحاجي تصريحاته، بقوله إنّ الإشكال في حقيقة الأمر يبدو واضحاً من خلال تدقيق العمل نحو كيفية إصلاح القضاء، فبعض المعترضين يعبرون عن مخاوف، يمكن النظر إليها بشيء من الجديّة؛ فوضع كل السلطات بيد شخص واحد أمر خطير، مهما كانت نزاهة هذا الشخص ومحيطه. وفي المقابل هل يمكن السكوت عن الفساد الذي ينخر القضاء؟ وهل يمكن الإصلاح ومقاومة الفساد بقضاء فيه الكثير من الوجوه المتورطة أو الموالية للفاسدين؟ وبالتالي فعلى الرئيس أن يقدم إجراءات تطمئن الداخل والخارج، على المسار السياسي في تونس.

التمكين عبر النظام القضائي

من جانبها، تشير المحامية والناشطة السياسيّة التونسيّة، نادية قيراط، في تصريحاتها لــ "حفريات"، إلى أنّ حركة النهضة عملت على التمكين عبر الجهاز القضائي، بعدما تم تعيين القيادي الإخواني، الناشط في جناحها السري، نورالدين البحيري، وزيراً للعدل، ومن خلال ذلك قام بعزل قرابة اثنين وثمانين قاضياً، واستقطب عدداً آخر، وعمل على تعيين من قدّم الولاء في مواقع مهمة ونافذة.

وتؤكّد نادية قيراط، أنّ القضاء أصبح في خدمة حركة النهضة، لحمايتها من الحساب في عديد الجرائم التي ارتكبها الجهاز السري، ضد عدد من الناشطين في تونس، فضلاً عن جرائم التمويلات.

ومن ناحية أخرى، عملت حركة النهضة على تكوين ملفات ضد خصومها؛ لاستعمالها عند الحاجة، هذا ما تم انتهاجه أيضاً مع عدد من رجال القضاء. وبحسب قيراط، فإنّ جمعية القضاة الشبان، التي تمثل امتداداً لحركة النهضة، تعمل في إطار تشتيت سلك القضاء، وإبعاده تماماً عن ميزان العدل، الذي يعتبر مرتكز رئيس لدوره في الحياة العامة. ذلك أنّ ربط القضاء بالحركة، يحقق جملة أهداف؛ أهمها توفير الحماية لها، سيما بعد تعيين، بشير العكرمي، في أهم وأكبر منصب في القطاع، وهو منصب وكيل جمهورية الحاضرة.

اقرأ أيضاً: "النهضة" تشعل مخاوف العنف في الشارع التونسي

وترى قيراط أنّه ينبغي التركيز على إصلاح قانون إرساء المجلس الأعلى للقضاء، من حيث التركيبة، ويبقى وجوباً إثر ذلك مراقبة عملية انتخاب أعضاء المجلس الجديد، بحيث تصبح التركيبة الجديدة، ضامنة لإبعاد مجلس القضاء عن جميع الأحزاب والتوجهات السياسيّة، مع ضرورة تواجد عديد القضاة، الذين يمتلكون خبرات سابقة ومتراكمة، حتى لو كانوا خارج سنوات الخدمة، وكذا بتواجد عميد المحامين عضواً بصفته، وأن تترأسه وزيرة العدل، ويتم انتخاب أعضائه فقط.

تختتم المحامية التونسية نادية قيراط تصريحاتها، لتؤكّد أنّ حلّ المجلس الأعلى للقضاء، هو بداية حقيقية نحو تصحيح المسار، وهو أهم إجراء تمّ اتخاذه؛ إذ إنّ قضاء عادلاً، خير من ألف دستور.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية