"النهضة" تشعل مخاوف العنف في الشارع التونسي

"النهضة" تشعل مخاوف العنف في الشارع التونسي


07/10/2021

أزمة سياسية عاصفة تعيش على وقعها تونس، احتدّت وتيرتها منذ قرّر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، حلّ البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة الحكومة التي تسيطر عليها حركة النّهضة الإسلامية، وتطوّرت أحداثها مؤخراً لتنتقل المعارك إلى الشارع في شكل مسيرات مساندة وأخرى معارضة، حتى بدت وكأنّها معارك ليّ أذرع واستعراض قوّة، ليحسم الشارع من الأقوى.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يعلق على استقالات النهضة .. ماذا قال؟

وقد خرج، الأحد 3 تشرين الأول (أكتوبر)، حوالي 8 آلاف تونسي بالعاصمة تونس، فيما خرج المئات في مختلف محافظات البلاد لمساندة سعيّد في قراراته التي اتخذها وأضرت بحركة النهضة، ورفعوا عدّة شعارات تندد بحزب النهضة الذي أصبح المعارض الرئيسي لسعيّد، وردّد متظاهرون هتافات "يا غنوشي يا سفاح" ضدّ زعيم النهضة راشد الغنوشي ورئيس البرلمان.

استعراض قوّة في الشارع

حمل متظاهرون بمحافظة المنستير بالساحل التونسي نعش حركة النهضة كحركة رمزية على انتهائها ووفاتها، وألقوا به في البحر، كما نادى آخرون بضرورة محاسبة كل المنظومة السياسية التي شاركت في الحكم خلال السنوات الماضية وأنتجت فشلاً على جميع المستويات.

هذه المسيرة كانت رداً على المسيرة التي خرجت، الأحد 26 أيلول (سبتمبر)، بدعوة من حركة النهضة، وساندتها فيها عدّة أحزاب تعارض غلق البرلمان، حيث نقلت وكالة رويترز أنّ حوالي 2000 متظاهر شاركوا في التظاهرة، وذلك في ظلّ وجود مكثف للشرطة، فيما خرجت عشرات المتظاهرين في وقفة احتجاجية أخرى مؤيدة لقرارات سعيّد في اليوم نفسه، وكانوا يدعونه إلى حلّ البرلمان بشكل نهائي.

اقرأ أيضاً: الغنوشي... الدرويش والسلطة

وردّد المتظاهرون المعارضون لسعيّد هتافات مثل "الشعب يريد سقوط الانقلاب" وسط العاصمة التونسية على طول شارع الحبيب بورقيبة، والذي شكّل نقطة محورية في المظاهرات التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في 14 كانون الثاني (يناير) 2011.

مخاوف الانزلاق نحو العنف باتت يخيّم على الوضع التونسي، رغم أنّ القوات الأمنية تمكّنت في بعض المظاهرات من الفصل بين الفريقين، للحيلولة دون تطوّرها إلى عنف

هذه التحركات وصفها المحلل السياسي، يوسف الوسلاتي، باستعراض القوة من الطرفين، مشيراً إلى أنّ كفة الميزان رجحت للرئيس على حساب النهضة وحلفائها، لكنّ ذلك لا يمنع أنّ شعبية سعيّد قد تراجعت، بعد 25 تموز (يوليو)، لأنّه أصبح مزعجاً بالنسبة لبعض القوى التي دعمت الحركة، لأنّه تمادى في عدم تشريك الأطراف الأخرى أو منظمات المجتمع، وهو ما يؤكّد أنّه باتجاه حكم فردي.

ولفت الوسلاتي، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ سعيّد قد يغير خلال المدة القادمة بعض فصول الدستور ويغيّر من خلاله المشهد السياسي برمّته، وقد تتوسع الأطراف الرافضة لسياسته بعد أن كانت تشمل فقذ النهضة وأصدقائها.

واللّافت خلال المظاهرات الأخيرة؛ أنّ حركة النّهضة التي خسرت نسبةً مهمّة من قواعدها الشعبية ما يزال لديها إمداد من المنخرطين، خصوصاً بعد التحالفات التي أقامتها مع ائتلاف الكرامة ذي التوجه الإسلامي، وأنّ قيس سعيّد ما يزال يحظى بالإجماع نفسه الذي حظي به خلال انتخابات 2019، وله دعم شعبي منقطع النظير، أغلبه بين صفوف الشباب.

معركة بين الديمقراطية والدستور

وأثارت التدابير الاستثنائية، التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيّد، والتي جمعت، بحسب حقوقيين، السلطتين التنفيذية والتشريعية بيد الرئيس، وتنصّ على أن "يتم إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية"، هذه التدابير أثارت موجة عارمة من الغضب والنقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تونس.

ويرى معارضو إجراءات سعيّد أنّ الأزمة الحالية هدّدت المكاسب الديمقراطية التي حققها التونسيون في ثورة 2011، التي أطلقت شرارة احتجاجات "الربيع العربي"، وأبطأت أيضاً الجهود المبذولة لمعالجة تهديد ويطالب الشقّ الأول بإنهاء ما يوصف بـ "الانقلاب"، وإعادة الحياة البرلمانية إلى سابق عهدها، بينما يدعو الفريق الثاني إلى الحلّ النهائي لمجلس نواب الشعب ومحاسبة السياسيين المتورطين في قضايا فساد.

اقرأ أيضاً: حركة "النهضة" تختنق: هل انتهى الغنوشي سياسياً؟

وقال سعيّد؛ إنّ أفعاله، التي وصفها خصومه بأنّها انقلاب، ضرورية لمعالجة أزمة الشلل السياسي والركود الاقتصادي والاستجابة الضعيفة لوباء فيروس كورونا، مؤكداً أنّه يريد الدفاع عن حقوق الشعب، وأنّه يسعى أن يكون ديكتاتوراً، مثل ما تروّج لذلك حركة النهضة.

المحلل السياسي سامي نصر لـ"حفريات": الصراع في تونس تحوّل إلى صراع من أجل البقاء على أن يبقى أحد الطرفين وينتهي الآخر، فتطور فكر إلغاء الآخر تماماً

هذا، ويؤكّد سعيّد، في كلّ تصريحاته، أنّه ملتزم بالدستور ولن يقدم على أيّة خطوة إلا إذا كانت دستورية، مشدّداً على أنّ كلّ القرارات التي اتخذها، وسيتخذها، ستكون في إطار الدستور ولن تخرج عنه.

وكان الدستور الحالي، الذي تمت الموافقة عليه عام 2014، في وقت متوتر شهد حالة استقطاب كبيرة بعد ثورة 2011، التي منحت البلد ديمقراطية، لا يحظى بشعبية منذ فترة طويلة، وقال معظم المرشحين في انتخابات 2019، بمن فيهم سعيّد، إنّهم يريدون تعديله.

اقرأ أيضاً: قرارات جديدة للرئيس قيس سعيد.. والغنوشي يرد

معركة قال عنها المحلل السياسي يوسف الوسلاتي إنّها مجرّد دفاع من حركة النّهضة التي أصبحت فجأة حامية للدستور عن حظوظها وعن بقائها في الحكم، برغم أنّها ارتكبت عدّة أخطاء دستورية في حق البلد، وقد تقدّم من أجل ذلك عدّة تنازلات وترضيات لسعيّد كإزاحة الغنوشي من رئاسة البرلمان.

وأضاف الوسلاتي: الرئيس سعيّد استجاب في هذه المعركة لرغبة غالبية التونسيين، بإزاحة النهضة من الحكم، لكن بعد ذلك حاد عن رغبة بعض مناصريه، معتبراً أنّ مآل التحركات مرتبط بالخطوات التي سيتخذها الرئيس في الأيام القادمة، مرجحاً أن تزيد حدّة الاستقطاب.

مخاوف من الانزلاق نحو العنف

وفي ظلّ غياب حلول سياسية في الأفق، يخشى نشطاء تونسيون من انزلاق لأحداث نحو العنف، خصوصاً أنّ ملامحه بدأت تطغى على منصات التواصل الاجتماعي بين أنصار الرئيس وخصومه قد يتحوّل إلى عنف في الشوارع، الأمر الذي يهدّد السلم الاجتماعي.

وخلال مؤتمر صحفي في العاصمة تونس، وجهت أربعة أحزاب يسارية انتقادات شديدة للإجراءات التي اتخذها سعيّد منذ 25 تموز (يوليو)، لا سيما إقالة الحكومة وتعليق عمل البرلمان والفصول الرئيسة من الدستور، مندّدة بما سمّته "حكم الفرد الواحد".

مخاوف الانزلاق نحو العنف باتت يخيّم على الوضع التونسي، رغم أنّ القوات الأمنية تمكّنت في بعض المظاهرات من الفصل بين الفريقين، للحيلولة دون تطوّرها إلى أعمال عنف متبادلة.

وكان الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، سامي الطاهري، قد حذّر "من الانزلاق وراء العنف"، معتبراً أنّ " تجييش الشارع في الوضع الحالي قد يدفع إلى التصادم"، مؤكداً أنّ الاتحاد يرفض التحركات الاحتجاجية الحالية ويطالب الرئيس قيس سعيّد بتسريع تشكيل الحكومة.

من جانبه، قال المختص في علم الاجتماع السياسي، سامي نصر؛ أنّ المخاوف من ارتفاع وتيرة العنف مشروعة، ولها أكثر من مبرّر؛ لأنّ التحرّكات الأخيرة جاءت في إطار الشيطنة والشيطنة المضادة، خصوصاً أنّ البلد مرّ خلال الأعوام الأخيرة بفكر النقمة والنقمة المضادة، وتطورت لدرجة مخيفة، حتى صار هذا الفكر لا يعترف بالرأي المخالف ولا يقبله.

ورأى نصر، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ الصراع في تونس تحوّل إلى صراع من أجل البقاء على أن يبقى أحد الطرفين وينتهي الآخر، فتطوّر فكر إلغاء الآخر تماماً، وعادةً ما تستعمل في مثل هذا الصراع كلّ الأسلحة الممكنة، وهو ما جعل من العنف يصبح ثقافة أعلى من مستوى الظاهرة الاجتماعية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية